الجمود السياسي…

الجمود السياسي…

A- A+
  • يعاني المشهد السياسي المغربي من عاهة تكاد تصبح مستديمة، ويتعلق الأمر بالجمود السياسي، ثمة خلل عميق ينتشر كالسرطان في الحقل السياسي اليوم، المعلومة لا تدور، والصحافيون يجدون صعوبة كبرى في الوصول إلى الخبر، المنعدم أصلا لغياب المبادرات في المشهد السياسي من طرف مختلف الفاعلين، نحس بنوع من الفراغ أو الرتابة التي تعم الحياة السياسية بالمغرب، غياب المبادرة وانعدام الفعالية في المشهد الحزبي وضيق أفق العمل الحكومي الغارق في تدبير اليومي حتى “قُنّة” رأسه، وفي الصراع بين أطراف الأغلبية الحكومية بشكل غير سليم..

    خارج المبادرات الملكية، نحس جمودا غير مفهوم في مفاصل المشهد السياسي، هناك محاولة لخلق قطبية مفبركة بين مكونين من داخل نفس فريق التسيير الحكومي، لا بين المعارضة والحكومة، قطبية يخوض أطرافها سباق انتخابات سابقة لأوانها، بلا طعم ولا مذاق. الإعلام يلهث وراء الأخبار والمعلومات ولا يجد إلا الفتات، ولا يعوض هذا النقص سوى حركية المجتمع وما يحفل به من أحداث ووقائع أصبحت أكثر أهمية لدى المواطن من تصريحات الفاعلين السياسيين الغارقين في أنانياتهم وفي جيوب مصالحهم الضيقة، منفصلين عن القضايا الحيوية للمجتمع المغربي، بعيدين عن الأفق الذي رسمه الملك للمشاريع الكبرى بالمملكة وللنقص الذي ظلت خطبه تضع مبضع التشريح عليها، كما أنهم يفتقدون للبعدين الرؤيوي و النقدي وسط الأحزاب كما في الحكومة وباقي المؤسسات..

  • لا أحد يجادل اليوم في كون المشهد السياسي المغربي يعيش على إيقاع الفراغ المرتبط بحركية المبادرة والتجديد والاجتهاد خاصة في الأسئلة الكبرى المرتبطة بترسيخ وتعضيد الانتقال الديمقراطي ورهانات اللحظة التاريخية. أصبحت القضايا الهامشية هي المهيمنة على مبادرات الفاعلين الحزبيين والحكوميين، والواقع يشهد على حالة النكوص التي يمر منها الحقل السياسي في كافة تجلياته.. وبدل الوعي بخطورة استمرار فقدان الثقة في الطبقة السياسية وتخلف الحقل الحزبي المائع، يستمر السياسيون المغاربة في سياسة النعامة بغطس رؤوسهم في الرمل، والتنازع حول قضايا هامشية لا تسمن ولا تغني من جوع، تاركين القضايا الجوهرية والحيوية لتقدم المجتمع ومواكبة المشاريع المهيكلة التي أرسى الملك محمد السادس بنياتها الأساسية، ولم تستطع الأحزاب السياسية تدارك تنامي الوعي بين مختلف الشرائح الاجتماعية التي أصبحت تعبر عن قضاياها بوسائط جديدة خارج الأحزاب والتنظيمات الاجتماعية المكلفة دستوريا وتاريخيا بتأطير المواطنين.. نحس بما يشبه الاستقالة الجماعية للنخب الحزبية والسياسية من المشهد السياسي وقضاياه الاستراتيجية.

    هل يؤمن سياسيونا بأن السياسة لا تقبل الفراغ وتعوضه بما يناسبه، وإذا كانت الأحزاب السياسية والنخب المثقفة بالأمس هي التي تخلق الحدث، وتقول الحقيقة للحاكمين والماسكين بزمام السلطة، وكانت أي حركية حزبية تحتل أغلفة الجرائد وملفاتها الأساسية، أما اليوم فإن مؤتمرا كبيرا لحزب سياسي لم يعد يغري أحدا بالتتبع بسبب النمطية والافتقار للخيال المبدع، والجمود السياسي العام الذي يشل التنظيمات الحزبية..

    الأمر لا يخلو من خطورة، فهذا الجمود والفراغ السياسي المهول يحيل على أزمة عميقة، أزمة شلل عام يضرب الأحزاب والتنظيمات الاجتماعية الوسيطة، وأزمة مصداقية فظيعة للشعب في نخبه وطبقته السياسية عامة، وهذا سيترك الشارع بعيدا عن التأطير ويبحث عن كل الوسائل لإيصال صوته إلى صناع القرار، ومن تداعيات هذا الفراغ، جعل الدولة في مواجهة مباشرة مع الشارع بلا وسائط، وتمييع المشهد السياسي بانشغال فاعليه بالتنكيت والسخرية والجدل الخاوي حول قضايا هامشية صغرى، وجعل حتى الموتى يعودون للبحث عن مواقع جديدة لهم في الحقل السياسي.. إن كانت هذه هي السياسة التي تدور في مخيلة زعماء وقادة أحزابنا فلم يبق أمامنا في القريب العاجل أمام هذا التدفق السريع لتطور آليات ووسائل التواصل الاجتماعي سوى قراءة الفاتحة، والترحم على السياسة والسياسيين بهذه البلاد السعيدة… في انتظار ذلك، إن استمر الحال على حاله… قولو معايا آمين.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الشرطة القضائية بتنسيق مع الديستي توقف شقيقين يشكلان موضوع مذكرات بحث