بوح الأحد:من الرباط إلى لشبونة مرورا بكيغالي ملك في قلب الخيارات الإستراتيجية
أسبوع ملكي بامتياز. وكما عودنا الملك أنه في اللحظات الحاسمة يصنع الفارق ويؤكد أن الملكية صمام الأمان وحامي الوطن والحَكَم والمبادر لاقتحام مجالات غير مسبوقة.
بلاغ الديوان الملكي الذي صدر هذا الأسبوع وحظي باهتمام إعلامي وسياسي كبير ليس توبيخا أو عقابا للعدالة والتنمية بقدر ما هو رسالة لكل الفاعلين من أي موقع كانوا وبأي صفة عمومية تحلوا بها بأن للتنافس السياسي حدود وأخلاق وقواعد مضبوطة بنص الدستور. هناك قضايا لا تقبل المزايدة ولا يمكن ابتزاز الدولة بها وسيكون من الخطورة بمكان إدخالها لمجال الحسابات الانتخابية. أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه أي فاعل هو البحث عن تموقع انتخابي على حساب الوطن وقضاياه. وفي المغرب هناك ملكية يقظة مواكبة لتنزيل مقتضيات الدستور ولن تسمح بذلك ودورها أن تضع كل من يخرق الدستور أمام الرأي العام ليتحمل مسؤوليته عن كل المآلات إن لم يرجع إلى جادة الصواب.
بلاغ الديوان الملكي دعوة لتحكيم أخلاق السياسة واحترام الدستور وتغليب العقل قبل العواطف القاتلة. هو تذكير ببديهية قد ينساها الساسة في خضم الصراع اليومي و”وسواس” الحسابات الانتخابية والإطاحة بالخصوم. هو إعادة للأمور إلى نصابها كما أقرها الشعب في استفتاء دستوري وأوكل للملك حمايته من كل تطاول أو خرق أو سوء تأويل أو تغول لطرف على آخر.
هنا تكمن القيمة الرمزية للملك والقوة المادية والشعبية للملكية التي تحوزها بحيادها تجاه كل الفاعلين والإسناد الشعبي لها بعد كل استفتاء دستوري والثقة التي تحظى بها والحس المواطن الذي يحركها دائما. وهذه كلها أمور جربها المغاربة عبر التاريخ وفي لحظات مفصلية وكانت الخلاصة دائما أن الملك هو عمود الخيمة الذي يعصمها من أن تسقط على الجميع وتهوي باستقرار الدولة وتضعفها، وأنه دائما الحَكَم والحكيم والحاكم في القضايا المصيرية والخلافية بما يخالج المغاربة ويخدم مصالح المغرب. قوة الملكية في المغرب استحضارها لمصالح المغرب والمغاربة فقط وحرصها على الاحترام التام لمقتضيات الدستور وقدرتها على اتخاذ الموقف الأصعب في اللحظة الصعبة دون مراعاة لحسابات سياسوية أو مصالح انتخابوية.
لو يُترك الدستور لبعض الفاعلين، وأركز على بعض، لأغرقوه في مستنقع السياسة ولأوقعوه في درك الاحتراب الداخلي ولأخضعوه لمنطق الغلبة. لو ترك زمام الأمر بيد بعض الفاعلين لتم تأويل الدستور على مقاسهم حسب كل مرحلة وبما يخدم مصالحهم.
توقيت بلاغ الديوان الملكي كان دقيقا وأكد فيه جلالة الملك أن خرق الدستور والتساهل بشأنه خط أحمر وأن المؤتمن على حمايته يقظ ولن يسمح بذلك. لغة بلاغ الديوان الملكي كانت واضحة وصريحة وحاسمة وقوية ولكنها بالمقابل كانت لغة حكيمة ومتوازنة ومقنعة وذات مرجعية دستورية وتذكر ببديهيات دستورية يتناساها البعض في خضم يوميات السياسة والصراع. ومضمون بلاغ الديوان الملكي كان مختصرا وموجزا وبدون استطرادات ولكنه عميق المعنى ومطرز المبنى ومنتقاة عباراته بدقة متناهية لحرص جلالته على التقيد التام بمرجعيات دستورية حائزة لإجماع وطني، والأهم في مضمونه هو الانتباه إلى طابعه البيداغوجي الذي يؤطر منظور المغرب لعلاقاته الدولية وفق ضابط أساس هو مصالح المغرب والمغاربة قبل أي شيء دون التخلي عن عمقه ومحيطه ومبادئه وانتمائه. واعتماد صيغة البلاغ تقليد ملكي دافعه إحاطة الرأي العام بحقيقة الوضع وتحميل للمسؤولية للمعنيين به أمام الشعب وتذكير لهم أن ما يقومون به خروج عن المألوف وبأنهم يضعون أنفسهم ضد ثوابت المغرب.
أكد جلالة الملك أن السياسة الخارجية مجال سيادي بنص الدستور وأنها مجال حصري للملك وأنها ليست مجالا للمزايدة والابتزاز والبحث عن ربح مواقع انتخابية. وأكد جلالته أن هذا النوع من القرارات يكون محط تشاور موسع مع كل الفرقاء ويؤخذ موقفهم بعين الاعتبار بغض النظر عن موقعهم في الحكومة أو المعارضة لأنها قضايا مصيرية وتأسيسية تقتضي الإجماع. وأكد جلالته أن موقف المغرب من القضية الفلسطينية ثابت والاصطفاف مع الحق الفلسطيني ثابت ومناصرة الشعب الفلسطيني ثابت وهذا ما تشهد به كل الفصائل الفلسطينية وتؤكده المبادرات الملكية في هذا المجال. وأكد جلالته بالمقابل بأن مصالح المغرب لا تتعارض مع مصالح الفلسطينيين وأن المغرب أخذ على عاتقه التوفيق بين القضيتين وفق قاعدة “لا ضرر ولا ضرار” وقد نجح في ذلك طيلة هذه المدة بشهادة الجميع.
نجح البلاغ الملكي في إيصال فكرة مهمة لتدبير علاقات المغرب الدولية وهي أن هذه العلاقات لا تعالج بمنطق “أعور” يرى العالم بعين واحدة ولا تقارَب بلون أبيض أو أسود لأنها تحتمل خيارات دامجة لمعطيات كثيرة يمكنها أن تقود إلى مواقف لا تحصر نفسها في ثنائيات ضيقة يطبعها التناقض والتعارض بقدر ما تبحث عن التكامل. ولذلك فقد كان البلاغ درسا سياسيا بامتياز لكل الفاعلين وليس فقط حزب العدالة والتنمية المعني به بشكل مباشر. ميزة الملكية عن باقي الفرقاء أنها لا تخضع للضغوط الظرفية ولا تتأثر بالشعارات الشعبوية ولا تحركها العواطف القاتلة ولا تتحكم في قراراتها الحسابات الانتخابية. هذا أعطاها دائما سموا وحيادا وتجردا وقدرة على التفكير بهدوء في مصالح المغرب والمغاربة.
في العادة، لم نشهد تدخلات ملكية كثيرة بهذه الطريقة لأن هناك مؤسسات وسلط تشتغل وفق اختصاصات واضحة ووفق منطق فصل وتوازن وتعاون السلط. وحين يتدخل الملك بهذا الشكل فعلى الجميع أن يستوعب بأن الأمر جلل والصمت عنه أو تجاهله قد تكون له عواقب وخيمة في حالة التمادي فيه ومخاطبةُ الرأي العام بشأنه مسؤولية الملك قبل غيره لأنه المؤتمن على احترام الدستور وصون استقرار الوطن. وليس في الأمر تنقيص من حزب أو تغليب أو انتصار لحزب على آخر. ويمكن في هذا الصدد التذكير بتدخل مشابه لهذا عام 2016 بعد تصريحات حميد شباط، وكان حينها أمينا عاما لحزب الاستقلال، حول موريتانيا.
من يتابع هذا النوع من التدخلات يفهم كيف أن الملكية صمام أمان ومكسب كبير وأن الحاجة إليها في الحالات الصعبة تتزايد كلما توسع هامش الفعل السياسي لدى باقي الفاعلين والمؤسسات والسلط.
الحدث الملكي الثاني الذي بصم هذا الأسبوع هو تتويج جلالة الملك بالعاصمة الرواندية كيغالي بجائزة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم للتميز لعام 2022. قد يرى البعض أنه تتويج لسياسة كروية لدولة أكثر منه تتويج لشخص الملك بحكم الإنجاز الكروي غير المسبوق للمغرب في كأس العالم وفي كرة القدم في القاعة وكرة القدم النسوية وإنجازات الأندية المغربية قاريا، ولكن شخص الملك في هذا الإنجاز كان له دور حاسم وهو ما استحضره الاتحاد الإفريقي بعد معاينة لكل مراحل تطور كرة القدم بالمغرب.
الرؤية والإنجازات والمبادرات والدعم الملكي للمؤسسات المشرفة على الشأن الكروي كان لها دور كبير في هذه النهضة الكروية، والعطف الملكي على اللاعبين وتحفيزه الدائم لهم كان لهما أثر على نفوس كل الطاقم الكروي الذي لن ينسى خروج الملك مثله مثل باقي المغاربة إلى الشارع احتفالا بالانتصارات المغربية. التتويج الإفريقي للملك انتصار قاري آخر لا يقل عن الانتصار الكروي العالمي، وتأكيد على نجاح الاختيار السياسي للمغرب ورهانه على عمقه الإفريقي وسعيه الدائم إلى تشريف القارة الإفريقية وتمثيلها خير تمثيل والدفاع عن مصالحها لأنها تستحق أكثر.
لم يتأخر رد المتربصين الذي يرون في كل انتصار مغربي هزيمة لهم فأطلقوا هاشتاغ “تبون يمثلني”. قد يفهم من هذا الهاشتاغ أنه رسالة داخلية ورد من أنصار عهدة جديدة لتبون على بعض الكابرانات الذين يرون فيه عبئا ومشكلة ويقترحون بديلا، وهذا صحيح في جانب كبير ولكن التوقيت يحمل دلالة الحقد والحسد الذي يكنه كابرانات الجزائر ضد الملك والملكية التي تؤكد في كل مناسبة أن الكابرانات يرتكبون خطأ فادحا حين يقارنون أنفسهم بها.
نكهة التتويج الملكي أنه كان بطعم إفريقي وبقيمة عالمية وفي شأن رياضي شعبي. قيمة التتويج أنه شهادة على نجاح خيار ملكي راهن على تطوير الكرة وأحدث في إدارتها وتدبيرها ثورة في وقت مبكر وها نحن نعيش انتصاراتها ونعاين ثمارها اليوم.
رسالة هذا التتويج هي درس لكل الفاعلين في السياسات العمومية، صناعة وتقييما وتنفيذا، أن لا مستحيل على المغرب وأن المغاربة يستحقون الأفضل. والتتويج دعوة للجميع لاعتماد سياسات ناجعة في كل المجالات لأن المغرب صار يتوفر على كل المؤهلات والمغاربة مستعدون لتحمل تكلفة كل تغيير وإصلاح شريطة أن تكون مردوديته إنجازات في الواقع.
ولأن قيمة القرارات ليست فقط في اتخاذ أصوبها ولكن تكمن كذلك في اختيار توقيت إعلانها، فإن جلالة الملك اختار التوقيت الجيد والمكان الأجود والمناسبة الأفضل ليزف لإفريقيا البشرى.
كان يمكن لمن يريد صناعة البوز فقط أو الاحتفاء بتتويج شخصي فقط تأجيل الإعلان عن خبر ترشح المغرب بشكل مشترك مع إسبانيا والبرتغال لتنظيم كأس العالم 2030 إلى مناسبة قادمة ويعلن الخبر من داخل المغرب ووسط المغاربة ولن يلام بشأن ذلك. اختار جلالة الملك العمق الإفريقي وفضل المنصة القارية لهذا الإعلان لتأكيد الانتماء المغربي لهذه القارة وأنه جاد في تحقيق إشعاع دولي لها.
قبول المغرب ضمن ثلاثي المرشحين إنجاز يستحق التنويه لوحده، وأبعاد الخطوة تتجاوز ما هو كروي لأنها كما وضحت الرسالة الملكية “عنوان للربط بين إفريقيا وأوروبا، وبين شمال البحر الأبيض المتوسط وجنوبه، وبين القارة الإفريقية والعالم العربي والفضاء الأور ومتوسطي”. هو ترشح مشترك بأبعاد حضارية وتاريخية وسياسية واقتصادية وتعارفية وتثاقفية في عالم مشتت. هذه مناسبة أخرى للتأكيد على صواب الاختيارات الاستراتيجية للمغرب في المجال الدبلوماسي.
يتزامن هذا الترشح الثلاثي المشترك مع الذكرى الأولى لرسالة سانشيز للملك محمد السادس التي كانت يوم 14 مارس، والتي نعيش ذكراها على وقع مؤشر تقدم كبير يؤكد متانة العلاقات بين الدولتين وبأنها صارت عصية على أن تخترق رغم كل المحاولات المتكررة التي لم ييأس أصحابها بعد ويقتنعوا أن مصالح البلدين مشتركة بحكم الجوار والموقع الاستراتيجي والتاريخ المشترك. اتضح اليوم أن الدبلوماسية المغربية كانت ناجحة في تدبير لحظات التوتر مع كثير من الدول بما يشعر باقي الدول أن زمن الطاعة العمياء ولى إلى غير رجعة وأن الشراكة الناجحة والمطلوبة رهينة بتكافؤ أطرافها وأن للمغرب قوته كذلك وعنده ما يطرحه على طاولة التفاوض ويمتلك من عناصر القوة الناعمة أضعاف ما يؤثر به مقارنة مع الغاز الجزائري الذي فشل في رهن مواقف إسبانيا بمصالح الكابرانات حين فضلت إسبانيا الانحياز للشرعية الدولية بخصوص قضية الصحراء المغربية والاعتراف بأخطائها تجاه المغرب.
يتضح اليوم أن الدفاع عن مصالح المغرب والحملة الشعبية والرسمية ضد الاستقبال السري لبن بطوش أتت ثمارها كما نجحت مواقف المغرب في ملفات أخرى. هنا نرفع القبعة لحماة الجدار الذين وفروا المعلومة مبكرا وأداروا تلك المعركة بحنكة.
ولأن في هذا التماسك المغربي الإسباني ضرر لكابرانات الجزائر فإنهم يحركون أبواقهم داخل إسبانيا وخارجها للتشويش. وطبعا لن يجدوا أفضل من سمبريرو الذي يعيش أسوأ أيامه وعاد إلى اقتراف مقالاته المليئة بالحشو والهرطقات والاستنتاجات الفاسدة المبنية على أكاذيب صنعها هو وصدقها ويروج لها اليوم كحقائق ويضعها ضمن معطيات تحليله البئيس ليخلص إلى خلاصات ترضي الكابرانات حتى لا ينقطع حبل الإمدادات والعطاء.
ما زال سمبريرو يصر على أن الصورة المنشورة لسبيرانزا كاستيليرو لمازاريس كاتبة الدولة ومديرة المركز الوطني للاستخبارات بالمملكة الإسبانية مع نظيرها المغربي التقطت ونشرت بغير رضاها. يتناسى البئيس أنها بعد شهر استقبلت عبد اللطيف حموشي في اسبانيا فأين غضبتها إذن؟
ألا يستحق شأن الكابرانات بعض الاهتمام من سمبريرو؟ غرد البئيس سمبريرو عبر تويتر مخبرا عن تعيين وشيك لعمار بلاني الكاتب العام للخارجية الجزائرية مكان رمطان لعمامرة. مر أسبوع على هذا التنبؤ ولم يتحقق شيء من نبوءة سمبريرو، بل تحقق عكسه تماما بتعيين أحمد عطاف، خريج المدرسة الوطنية للإدارة مثل تبون، خلفا لرمطان لعمامرة. لم يعتذر سمبريرو ولم يشرح ونسي الأمر كله. ألا يستحق هذا الموضوع توضيحا للرأي العام؟ ألا يمكن قياس هذه النبوءة الكاذبة على غيرها من “السكوبات السمبريرية” والتي تجعل من يتابعه يدرك أن البئيس يقتات من الإشاعات التي تسربها له بعض الجهات لضرب جهات أخرى؟
كان الأولى لسمبريرو توجيه اهتمامه لما يحدث في مطبخ الكابرانات من صراعات حول من سيسكن قصر المرادية في ولاية قادمة. هذه أكبر خدمة يمكنه تقديمها لمن يتابعه من الإسبان، إن كان ما يزال له متابعون وأشك شخصيا في هذا، حتى يفهموا الفرق بين المغرب والجزائر. لماذا غيب لعمامرة عن الواجهة في الآونة الأخيرة؟ ألا يؤكد الاستغناء عنه بهذه الطريقة صحة الشائعات حول صراع بينه وبين تبون؟ هل يعتبر فعلا لعمامرة عجلة احتياط للكابرانات؟
يهيء تبون نفسه لولاية قادمة على وقع شعور منه بأنه لم يعد جوكر الكابرانات لأنه فاشل ويراكم الهزائم وقد يحل محله لعمامرة في أي لحظة.
التعديل الحكومي في الجزائر دليل على الصراع وسط مربع الحكم في الجزائر، ومحاولات تبون استدراك ما تبقى من ولايته لإصلاح ما فشل فيه. ولذلك فإن من يتأمل في الوزارات المشمولة بالتعديل يستنتج أن ظل المغرب وهاجس التفوق المغربي حاضر بقوة فيها. والآن نفهم الخلفيات الداخلية لهاشتاغ “تبون يمثلني”. هو رسالة للكابرانات وكان الأولى لسمبريرو الخوض في هذا الموضوع لو أراد أن يتحلى بالحد الأدنى من المصداقية ولكنه أسير من يدفع له ويحدد له ما يتحدث فيه لأنه صار عبدا للكابرانات.
أكبر خطأ لتبون هو تصديقه بأنه باستطاعته أن يقارن نفسه بمحمد السادس، وهذا سر أساس لتوقيت إطلاق هاشتاغ تبون يمثلني على تويتر تزامنا مع تتويج الملك بجائزة التميز. لا قياس مع وجود الفارق على كل المستويات، ولن يستطيع تبون ولعمامرة وبلاني وشنقريحة، ولو اجتمعوا على قلب رجل واحد، أن يغيروا المعادلة الإقليمية بشأن قضية الصحراء وأقصى ما يستطيعون هو التشويش ولكن بمقابل مالي ورمزي كبيرين. وهذه مناسبة أخرى للسؤال عن مصير طلب الاعتذار من ماكرون على ما ارتكبه من جريمة في حق الشعب الجزائري؟ وعن المطالبة باسترجاع الناشطة أميرة بوراوي؟ وغيرها من الإهانات التي يتجرعها الشعب الجزائري دون رد من حكامهم.
الحدث الثالث لهذا الأسبوع هو صدور الحكم القضائي في فرنسا في القضية التي كان يتابع فيها منذ عام 2015 الصحافيان الفرنسيان كاترين غراسيي وإريك لوران بتهمة ابتزاز الملك محمد السادس بإدانتهما بالحبس سنة واحدة مع وقف التنفيذ وغرامة قدرها عشرة آلاف أورو. ليست المناسبة ملائمة للحديث عن مدى تناسب هذا الحكم مع مطالب الدفاع ومع القانون ومع ما يستحقانه من عقوبة، ولكن الأهم هو مبدأ الإدانة. وهذه مناسبة أخرى للتذكير بقضية بيغاسوس والاستفسار عن مصير المحاكمة لو قدر لها أن تستمر حتى النهاية ولا يوقفها القضاء بمبررات شكلية عتيقة.
يحسب لجلالة الملك أنه آثر عدم الاستسلام للابتزاز وهو سلوك لا يقدم عليه إلا من صفت سريرته وكان واثقا من نصاعة سيرته. هذه رسالة أخرى أن محمدا السادس ملك لا يخاف مما ينشر وعلى ثقة كبيرة أن المغاربة أذكياء بما يكفي ليميزوا الخبيث من الطيب. ولعل هذا ما يغيض الطوابرية والمساميم. أين هي المنابر الفرنسية التي تتباكى على المهنية وأخلاقيات المهنة؟ أين هم محققو فوربيدن سطوريز؟ ألم يستحق هذا الحكم تسليط الضوء عليه ومدى انتصاره للعدالة وحقوق من تعرضوا للتشهير والابتزاز؟
وبمناسبة الحديث عن طوابرية الداخل، نختم هذا البوح بالحديث عن السقطة الأخلاقية والحقوقية لمن كانوا على منصة مقاولة فري كلشي الأسبوع الماضي ورفضوا التضامن مع شرطي المرور شهيد الواجب. فؤاد والمعطي وخديجة فضحوا حقيقتهم وكشفوا معدنهم الرخيص وأنهم مجرد منتحلي صفة حقوقية ولا يتمثلونها في سلوكهم وخطابهم. ها هي التحقيقات تؤكد توقيف ثلاثة دواعش للاشتباه في تورطهم في ارتكاب جريمة القتل العمد في إطار مشروع إرهابي كان المرحوم هشام ضحيته أثناء مزاولته لمهامه. هل يمكنهم جميعا الآن التضامن مع الشهيد والتنديد بهذه الجريمة الإرهابية؟ وهل ما زال للتضامن معنى بعد تهربهم من الجواب بتلك الطريقة البشعة؟ وهل لتضامنهم اليوم معنى سوى تبرئة ذمتهم من تهمة الحقد على رجال ونساء الشرطة؟
الحقيقة أن هؤلاء جميعا سياسيون مفلسون عجزوا عن تحقيق طموحاتهم وفشلوا في الإقناع بآرائهم في حقل السياسة فَسَطَوْا على صفات حقوقية لينالوا بها حماية النشطاء الحقوقيين. الناشط الحقوقي هو من يحترم إنسانية الإنسان وحرمته حيا وميتا وتأخذه الغيرة على كل انتهاك لآدمية الإنسان بغض النظر عن لونه ومعتقده وجنسه ولغته وانتمائه ووظيفته. هؤلاء حقوقيون مزيفون يلبسون زورا جبة حقوقية وهي منهم براء، ويحركهم حقد على مؤسسات الدولة المكلفة بإنفاذ القانون لأنهم ألفوا الفوضى والاستقواء بهذه الصفة الحقوقية والسند الإعلامي على هذه المؤسسات.
للبيت رب يحميه، وللمؤسسة الأمنية حماتها، وللبلد حاميها، ولشهداء الوطن من يقدر تضحياتهم ويعترف بفضلهم، ومن حسن حظ الطوابرية أن حماة البلد حكماء لا يردون الإساءة بمثلها لأنهم أقسموا على خدمة الوطن والمواطنين بغض النظر عن مواقفهم وحين يرون ضحية لا يتعاملون معها الا بالضرر الذي لحقها بهدف استعادة حقها.
مغرب الانتصارات يشق طريقه بثبات، والمناورات ضده تحصد الهزيمة تلو الهزيمة، والوقائع تفضح أسباب استهداف الملكية والمؤسسة الأمنية لأنهما رمز قوة المغرب. وقوتهما اليوم أكبر من أن تخترق من أقزام وحاقدين ومتآمرين.
نلتقي في بوح قادم.