الركوب على الموجة

الركوب على الموجة

A- A+
  • السياسة مجال استثمار وتنافس وتدافع في الأرض عن المصالح التي كلما كانت عامة كلما جلبت الخير للبلاد والعباد، فالحزب أو الحركة السياسية مدفوعة للارتباط بالمجتمع الذي تعبر عنه وتسهر على تأطيره والتعبير عن مطالب الجماعات التي تتكون منها، لتحقيق المصالح ودفع المضار كما يقول فقهاؤنا في علم السياسة، لكن حين تطغى الأنانيات الصغرى والمصالح الضيقة ومحاولة الركوب على كل ما يحدث في المجتمع لتوجيهه نحو ما يخدم حركة أو حزبا خارج المصالح العامة للبلد، تغدو الممارسة السياسية هنا مليئة بالمكيافيلية في أحط أنواعها المقرونة بالانتهازية واقتناص الفرص..

    للأسف ابتلي المشهد السياسي بالكثير من هذه الفقاعات وامتلأت الساحة السياسية بالأحزاب التي فقدت عذريتها وأصبحت تمتطي ظهر القضايا الاجتماعية والحقوقية لتحقيق مآربها الضيقة والخاصة، وإذا كان ذلك مألوفا ومعهودا في أحزاب “الكوكوت مينوت”، وتلك المصطنعة خارج الرحم الاجتماعي، فإنه غير مفهوم ولا مقبول من طرف حركة سياسية مثل العدل والإحسان التي تضع نفسها خارج الشرعية، وتقدم نفسها كحزب سياسي إسلامي يخدم قضايا المسحوقين والمستضعفين في الأرض، وتنافح الجماعة من أجل العدل والمساواة.. إذ بتتبع كل المخاض الاجتماعي والسياسي نجد أن جماعة العدل والإحسان حاضرة، لكن ليس من باب المساهمة في تطوير الممارسة الديمقراطية وتحصين المكتسبات والدفاع عن قيم المواطنة والحق في العيش الكريم للمغاربة، بل تركب على كل حدث مهما صغر حجمه، في هذه القرية أو المدشر، في هذا القطاع أو ذاك، من جهة لاستعراض العضلات، لأنها تأتي دوما بشكل منظم وتحرص على تمييز نفسها في كل المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية برموزها وشعاراتها الخاصة، لإبراز قوتها التنظيمية والعددية أمام باقي المشاركين الذين يتدفقون على الساحة بشكل تلقائي، لأن المهم في التربية الوطنية ليس استعراض المجموعة الحزبية، ولكن في خدمة القضية العادلة التي جاءت من أجلها الجموع العامة، حيث تجد اليساري إلى جانب الاستقلالي إلى جانب الاتحادي، والمرأة إلى جانب الشيخ والشاب.. بدون فرق، لكن جماعة العدل والإحسان حتى في لحظات الالتفاف على توحيد الشعارات واللافتات تحرص- حتى ولو كان يتعلق الأمر بمسيرة من أجل فلسطين ونصرة القدس أو على الزيادة في الأسعار مما يوحد جميع المغاربة – على أن تحضر بشكل متميز عن الآخرين، ويحرص المنظمون أن يحيطوا نساء الجماعة بسلسلة ذكورية، لإبراز القوة العددية واستعراض العضلات في الشارع العام.

  • ليس هذا فقط، بل أصبحت جماعة العدل والإحسان تركب على قضايا حقوقية أو مطالب اجتماعية عادلة ولكنها توجهها وتحاول أن تستثمرها بشكل انتهازي، فقرار انخراطها وانسحابها من حركة 20 فبراير، لم يكن بسبب الشعارات التي رفعتها الحركة بل بغرض التأزيم وتفجير الأوضاع، وحين جاء الملك في خطاب 9 مارس بما يفوق مطالب الحركة ذاتها انسحبت من احتجاجات الشارع ومن حركة 20 فبراير، وظلت عادة جماعة عبد السلام ياسين السعي لاستثمار كل القضايا مهما صغر حجمها وبدت مطالبها عادلة، لتوجيهها وفق ما يخدم مصالحها الذاتية..

    ما هو تصور جماعة العدل والإحسان وما غايتها من ذلك؟

    لنقلها بصراحة، وفق تصور الجماعة للقومة التي بشر بها زعيمها الراحل في خريف العمر، والتي حدد لها وفق رؤاه عام 2006، تذكروا يرحمكم الله أننا في وسط عام 2019، فإن كل تأزيم للوضع الاجتماعي والمساهمة في إشعال الحرائق هنا وهناك، الركوب على قضية الأساتذة المتعاقدين، أو التنديد بالأحكام الصادرة في حق معتقلي حراك الريف، أو ترحيل سكان دور الصفيح أو انقطاع الماء أو غلاء فاتورة الكهرباء، أي حركة احتجاجية تلقائية إلا وتواجد فيها أطر العدل والإحسان بغرض أساسي وهو خلق بؤر مشتعلة في كل مكان، اعتقادا من أن اشتعال النيران سيوزع جهود النظام في إخماد نيرانها، وهنا ستقفز جماعة العدل والإحسان إلى السطح لتقطف الثمار، وا فيقو من النعاس، راه الفتنة أشد من القتل ولعنة الله على موقظها إلى يوم الدين.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الداكي يوقع على مذكرة تفاهم بين رئاسة النيابة العامة بالمغرب ونظيرتها الروسية