بعد هبة السماء المطرية.. لم نقطع الواد بعد

بعد هبة السماء المطرية.. لم نقطع الواد بعد

A- A+
  • مع بداية الأيام العشر الأواخر من هذا الشهر الفضيل، وبعد ست سنوات متتالية من الجفاف كان يهدد البلاد والعباد، و شبح العطش الذي كان يلوح في الأشهر المقبلة، منَّ الله علينا بأمطار غزيرة غير مسبوقة خاصة في جهة الشمال، التي بلغت معظم سدودها نسبة ملء كاملة، مما اضطر الساهرين على سلامة السدود إلى تنفيسها لتفريغ الفائض من المياه الغزيرة..
كان الغيث وفيرا، واستبشر المغاربة عبر ربوع الوطن، بأمطار الخير، وظهرت علامات البشرى على ملامح الفلاحين، والموسم الفلاحي يصل إلى “عنق العام” بلغة الفلاحين، لكن هل تجاوزنا عتبة ندرة المياه بالمملكة، لنعود لسلوكاتنا السابقة في تدبير هذه المادة الحيوية كما في أيام الخير والرخاء؟
أبدا، وبمجالستي لخبراء المناخ والفلاحة مما يوثق بدراساتهم ويعتد بتحليلاتهم، فإن التساقطات المطرية الغزيرة التي عرفتها معظم أقاليم المملكة كانت جد إيجابية، وهي مطمئنة لأنها أنقذت الموسم الفلاحي في جزء كبير منه، وستساهم في تقوية الغطاء النباتي وأثرها كبير على الأشجار المثمرة، وسيستفيد منها العالم الفلاحي بما توفره من كلأ للماشية خاصة ونحن على أبواب عيد الأضحى.. لكننا مع ذلك لم نصل إلى الارتواء الكافي لا على مستوى نسبة ملء السدود ولا على مستوى الفرشة المائية ولا على مستوى العدالة المجالية لأن التساقطات لم تكن بنفس الكمية بين مختلف مناطق المغرب.
لقد انتقلنا من اللون الأحمر كما في نشرات الأخبار الجوية إلى اللون البرتقالي في مجال الماء، هذا معناه بلغة الأرقام، أن الأمطار الأخيرة أنعشت حقينة السدود، التي سجلت نسبة ملء تصل إلى 35 في المائة، لتستقر عند 5.583.61 مليون متر مكعب، وهو ما يعني أن المخزون الحالي عاد إلى حجم الاحتياط المائي الذي كان في سنة جافة مثل السنة الماضية، حيث بلغت حقينة السدود في مثل هذه الفترة ذاتها العام الماضي حوالي 34 بالمائة من نسبة الملء، لقد ساهمت أمطار الخير الأخيرة في نقل المملكة من مرحلة خطيرة يسميها الخبراء جفاف التربة، والتي تفقد فيها التربة موادها العضوية وتصبح غير صالحة للزراعة وهي أخطر أنواع الجفاف، لنعود إلى الجفاف المائي الملازم لنا والجفاف الهيدرولوجي، لأن الاضطرابات الجوية قد تأتي كما شهدنا من قبل حرارة مفرطة غير عادية تساهم في تبخر الكثير من المياه، إن الأمطار الأخيرة نعمة كبرى من رحمة السماء ولطف الله بعباده في هذه المملكة السعيدة.. لكن العودة إلى نفس سلوكاتنا اتجاه هذه المادة الحيوية هو نقمة علينا.
هذا يفرض على كل الفاعلين الاستمرار في التدابير الاستعجالية للخطة الوطنية للماء كما أعلن عنها جلالة الملك، والحاجة تظل قائمة لاستمرار الأوراش الكبرى سواء من خلال بناء سدود جديدة تلية أو سدود كبرى تضمن توسيع الاحتياط المائي والحفاظ على الموارد المائية، واليوم نعي أهمية الطرق السيارة للماء وهي مشروع استراتيجي يجب ألا يتوقف، فلو كانت لدينا اليوم قنوات الربط بين الأحواض المائية، لاستفادت العديد من المناطق التي عرفت تساقطات مطرية من الأحواض التي عرفت فائضا كبيرا من المياه..
نحن كمواطنين أيضا لا زلنا معنيين بتغيير سلوكنا في التعاطي مع هذه المادة الحيوية، ويجب ألا نفكر بعقلية القدرة على تسديد كلفة الفاتورة، بل بحس وطني وإنساني لنفكر في الأجيال القادمة، لنفكر في الذين لا يجدون قطرة ماء إلا بشق الأنفس، “راحنا باقي مقطعناش الواد ونشفو رجلينا”، وعلينا ألا نعود إلى سلوكنا الاستهتاري في التعامل مع الماء، قطرة نوفرها اليوم نجدها غدا كما يقول إعلان لوزارة التجهيز، هذا واجب يفرضه الدين ويفرضه السلوك الأخلاقي في ضرورة الاقتصاد على الماء الذي خلق الله منه كل شيء حي.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي