بن كيران بدأ كوميديا وانتهى تراجيديا

بن كيران بدأ كوميديا وانتهى تراجيديا

A- A+
  • المغاربة أذكياء، أجدادهم الأوائل كانوا تيقولو بحكمة “الله يجعل أخّرنا أحسن من أولنا”، وكانت أفضل دعوات جداتنا: “سير أوليدي لهلا يتلي بك ليام”.. والعرب كانت تقول تنذرا، الأمور بخواتمها، وحين أتأمل اليوم المسار الذي يضعه عبد الإله بن كيران لنفسه كخاتمة لأمجاد سياسية، أتساءل بحرقة: من يريد لرئيس الحكومة السابق أن ينتهي مثل هذه النهاية الحزينة؟

    صك الإدانة لدى بن كيران دائما جاهز، إنهم التماسيح والعفاريت، وأجهزة التحكم، والإعلام المخدوم الذي يستهدفه… واللائحة طويلة ممن يوجه إليهم بن كيران أصابع الاتهام ويعتبرهم مسؤولين عن هذا المسار التراجيدي الذي انتهى إليه، والذي يجعل الكل يشفق على الرجل الذي يبدد رأسماله الرمزي كل مرة وحين… لكن اسمحوا لي أن أقول لكم، إن بن كيران هو المسؤول عن هذه النهايات التي وصل إليها، وهو وحده من يختار الخروج عبر اللايف، أي التواصل الحي ليقتل نفسه رمزيا، وليست هناك أي جهة على وجه الأرض مهما بلغت درجة شيطنتها قادرة على دفعنا إلى الكلام والظهور المستمر في الإعلام وفي الحقل السياسي بهذا الشكل الذي نتأسف عليه حقيقة.

  • لقد بدأ عبد الإله بن كيران مساره السياسي كوميديا، كبهلوان يضحك المغاربة بسخريته وقفشاته ونكاته، لأنه شخص حكواتي بامتياز (وهذه قصة أخرى سنعود إليها لاحقا)، لكنه انتهى تراجيديا وبشكل مأساوي، هل ننسى كيف كان مرور بن كيران في التلفزيون يشد إليه الملايين، وكيف كانت البرامج التلفزية التي يمر بها كضيف خاص تلاقي تتبعا منقطع النظير من السياسيين ومن النخبة وعامة الناس، وإليه وحده يعود فضل الآلاف من الأصوات التي حصدها حزب العدالة والتنمية، وكيف كانت الجلسات الشهرية التي يمر فيها رئيس الحكومة السابق بالبرلمان، تشهد سخونة في النقاش، وتستقدم إلى مجال الاهتمام السياسي طبقة جديدة من عامة الناس ممن لم يكونوا يلقوا بالا ولا اهتماما للنقاش السياسي..

    لكن اليوم، بضع مئات فقط هم من يتابعون خرجاته التي توالت هذه الأيام بكثرة، حد أنها فقدت المذاق المعتاد والاهتمام المألوف في خرجات بن كيران السابقة، ما السبب؟

    تصوروا أن رجلا عظيما مثل عبد الرحمان اليوسفي كان يحيل تعويضات قانونية باهظة على صندوق التضامن مع العالم القروي، أو رجلا زاهدا ووطنيا مخلصا من طينة عبد الله إبراهيم يتوصل بتقاعد يصل إلى 3 ملايير سنتيم عن تعويض له عن المعاش طيلة 40 سنة بعد أن تدخل له رفيق دربه اليوسفي لدى الحسن الثاني، ورفض تعففا، ولم يخرج أي واحد منهما إلى الإعلام، لا ليقول إنه ليس لديه ما يعيش به وليس معه لا ما فوق الحمار ولا مادون البغل… ولم يطبلوا ولا جمعوا وسائل الإعلام المقربة منهم، ليفتخروا بإنجازهم، بل كل ما فعلوه كان سرا، بروح وطنية خالصة وبكامل الصدق والنزاهة، أما بن كيران الذي حصل على راتب معاشه الاستثنائي السمين، فهو من خرج إلى الإعلام وهو من باح بالأمر(…)، فالرجل تكمّد على 140 مليون بحال “الرابيل” وبقى تياخذ 7 ملايين صافية كل شهر، وجا للصحافة وبدا تايبرر.. كمن في بطنه العجين ويعرف أن ذات يوم سيجد هذا الأمر طريقه للنشر، فقال اللهم نبداها أنا واللا يجبدوها لي العفاريت والتماسيح..

    الأعراف والتقاليد تقول: كان يجب على بن كيران أن يحافظ على نخوة رئيس حكومة مغربي سابق، ويحفظ له ذلك في قلوب المغاربة، أما أن يحاول العودة إلى المشهد السياسي بهذه الطريقة البهلوانية، فإن ذلك لن يضر سوى بحزبه، فالرجل كان يمكن أن يفهم رسالة عدم حصوله على الأصوات اللازمة لتعديل القانون التنظيمي ليسمح له بالحق في ولاية ثالثة، وخرج خائبا داخل حلبة التنافس الحزبي، ويحول نشاطه لكتابة مذكراته أو لعمل اجتماعي يفيد به حزبه ووطنه، أما وأن يتقمص دور دون كيشوت، ويصارع طواحين الهواء ويقاتل بسيفه الخشبي قطعانا من الخرفان معتقدا أنها جيوش من الأبطال الشجعان، فإنه يدل على عدم رجاحة عقله وأن جنون السلطة استبد به بعد أن ضيع الولاية الثانية كرئيس للحكومة بسبب فرعنته وشيطنته لباقي الفاعلين السياسيين، وضياع حق التنافس على ولاية ثالثة للأمانة العامة لحزبه، فأحس بالفراغ لكن للأسف ملأه بما لا يناسب لا السياق ولا المقام الذين كان عليهما، ولا يمكن إلا أن أنصح المقربين من الرجل: “مرة.. مرة ضربو الفكد فصاحبكم قبل ما يحماق”. وخير ما نختم به هذا الدعاء الحكيم: “الله يرزقنا حسن الختام يا رب العالمين” آمين!!!.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي