بوح الأحد:انطلاقة قوية لأسود الأطلس تفتح الأبواب لتوالي الانتصارات،الفايك نيوز

بوح الأحد:انطلاقة قوية لأسود الأطلس تفتح الأبواب لتوالي الانتصارات،الفايك نيوز

A- A+
  • بوح الأحد : انطلاقة قوية لأسود الأطلس تفتح الأبواب لتوالي الانتصارات، “الفايك نيوز” صناعة دولة و الطوابرية يلعقون الأحذية، المعطي يبحث عن الخلوة في ضيافة التامك، العلاقات مع فرنسا على المحك وأشياء أخرى

    مغرب الانتصارات يشق طريقه بثبات غير آبه بالحاقدين والمشوشات. مصدر الانتصار هذه المرة هو المنتخب الوطني لكرة القدم. قيمة الانتصار تتجاوز مباراة عادية كانت كل المؤشرات القبلية تؤكد تفوقنا فيها على تنزانيا، ولكن قيمة الانتصار مرتبطة بالسياق والمناسبة.
    ضغط المنافسة الإفريقية على الطاقم الوطني، بلاعبيه وإدارييه وتقنييه، وضغط المغاربة الراغبين في تتويج قاري لم نحصل عليه منذ سنة 1976، أي ما يقارب نصف قرن، رغم أننا كنا في دورات كثيرة الأكثر ترشحا لنيله أو كنا منه قاب قوسين أو أدنى، وتعثرات المنتخبات الكبرى في مبارياتها الأولى، والحملة التي كانت تستهدف زرع توترات مصطنعة واختلاق قضايا هامشية وتبخيس إنجازات المغرب الكروية، كلها عوامل كانت تلقي بثقل على المغاربة وتجعل المباراة الافتتاحية في الكان تحت مجهر المراقبة الدقيقة.
    هجر المغاربة كالعادة الشوارع وجلسوا أمام شاشات التلفاز بشكل ذكرنا بملحمة المونديال باحثين عن تفوق كمي ونوعي يؤكد النبوغ المغربي والتفوق الوطني ويثبت أن الكرة المغربية ارتقت باستحقاق إلى صفوف متقدمة عالميا.
    لم يخيب الأسود ظننا، وفازوا نتيجة وأداء بشكل طمأن المغاربة وفتح شهيتهم أكثر. طريقة تدبير مباراة افتتاحية في بطولة قارية تؤكد أننا أمام منتخب يدار بطريقة احترافية، والأداء الجماعي المتميز للفريق بكل عناصره التي في الميدان وخارجه تؤكد أننا أمام فريق يضع تمثيل الوطن فوق كل اعتبار ذاتي، والقدرة على مغالبة إكراهات المناخ والتوقيت وطريقة لعب الخصم تؤكد أننا أمام طاقم خبير بالتفاصيل اللازمة لربح هذا الرهان. باختصار كل ما رأيناه في سان بيدرو تلك الليلة يؤكد أن الكرة المغربية بخير وتسير وفق خط متصاعد وبناء تراكمي سنجني ثماره في القريب وعلى مدة زمنية أطول.
    الالتحام الشعبي بهذا الفريق مؤشر آخر ليعرف كل من يتحمل مسؤولية في هذا البلد حجم الشوق الشعبي لهذا المغرب والرغبة في رؤيته متفوقا. إنه أكبر من ارتباط ب”جلدة منفوخة”. إنه مثال فقط على ارتباط بوطن وحنين إلى الانتصارات في كل المجالات.
    خيب فريقنا ظن المتكهنين، من الكهنة هذه المرة، من الجيران الذين تجرأ “محللوهم” في منابر تلفزية رسمية على توقع فوز تنزانيا بدون استحضار كل الفوارق بين الفريقين فقط لأن مدرب تنزانيا جزائري أو حسدا من عند أنفسهم لأنهم يستكثرون الفرحة على المغاربة ويضرهم انتصار المغرب رغم أن أول مقتضيات التعليق والتحليل الرياضي هو التحلي بالروح الرياضية والموضوعية والمهنية. يحسب للمغرب عدم سقوطه في فخ التسييس والمزايدات الفارغة لمنافسة كروية يجب أن لا تأخذ أكثر من حجمها ولا ينبغي للتنافس فيها أن يخرج عن الميدان وعن أخلاق المنافسة الشريفة. هذا هو المغرب وهذه هي العقلية المغربية التي لا تنجر لمعارك وهمية ينتعش فيها الخصوم العاجزون عن مجاراتنا في ساحة المنافسة الحقيقية فيفتعلون المعارك الهامشية. والاتحاد الأفريقي للكرة ملزم بتدبير المحاسبة الصارمة ضد كل من يتجاوز الحدود الرياضية.
    خيب فريقنا تخرصات الحاقدين المنتسبين إلى المغرب ببطاقة التعريف فقط، والذين انخرطوا في حملة التشويش مبكرا على الفريق والكرة المغربية بالشائعات والأخبار الكاذبة التي لا يمكن تصديقها لو تحلوا بقليل من المنطق واستعملوا العقل الذي منحهم الله لتمييز الصواب من الكذب.
    لا يمكن عزل ما يتعرض له المغرب كرويا من حملات تشكيك وتبخيس وتشويش وتشويه عن الحملات التي يتعرض لها في كل المجالات، والتي وصلت درجة غير مسبوقة من الحمق، بل إن الحملة تؤكد ما سبق أن قلناه في هذا البوح أكثر من مرة. يكفي أن نعرف المجالات والأشخاص التي يطالها الاستهداف لنفهم أنها مجالات تفوُّقِنا وأن الأشخاص الذين يدبرونها ناجحون لدرجة صارت تؤرق من لا يسره أن يرى نجاح المغرب.
    وصل الحمق واليأس بنظام الجزائر وإعلامه درجة ترويج الأكاذيب وتبني الأخبار الزائفة وترويجها في منصاته الرسمية وغير الرسمية. وصل الحقد بهذا النظام درجة تغييب كل مقتضيات المهنية وأخلاقياتها في التعامل مع شائعات دون فحصها والتثبت من صحتها ووضع مصدرها على مشرط التأكد من مصداقيته حتى لا تسقط الدولة كلها في إثم “إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا”.
    إذاعة وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية لأخبار زائفة حول المغرب انحراف مهني خطير وتعبير عن مستوى الانحطاط الأخلاقي الذي وصل إليه النظام الجزائري وتجسيد لحالة الحقد ضد المغرب التي صارت تتحكم في كل تصرفاته. هل تمتلك هذه الوكالة الشجاعة للاعتراف بخطئها؟ وهل لها الجرأة للتراجع عنه ونشر التكذيب بعد انفضاح الحقيقة؟ وهل يمكن أن تنشر الحقيقة أو أن تنشر مجهود التحقق الذي بذلته للتأكد مما نشرته؟ ها هي إذن على المحك والأيام كفيلة بالإجابة عن هذه التساؤلات، وإلا فإن الإصرار على نشر هذه الأخبار الكاذبة ضد شخصيات بعينها مثل المدير العام للأمن الوطني يؤكد بأنه صار يشكل عقدة عند نظام فاشل في مهامه الأمنية والدفاعية، كما يشكل عقدة عند من ألفوا الفوضى والامتيازات ويروا فيه سدا منيعا قطع عليهم صنبور الاستفادة والامتيازات والإفلات من العقاب. في كل الأحوال مثل هذه الحملات ضد حموشي والمؤسسة الأمنية تؤكد أنها صارت بضاعة مربحة للمفلسين ينتعشون ماليا من مداخيلها.
    الإصرار على مواجهة المغرب بالفايك نيوز، والإصرار على استهداف أسماء بعينها، والإصرار على اعتماد مصادر محددة رغم سوابقها في النصب والاحتيال والكذب والافتراء دليل على أن هذا النظام المفلس هو من يوظف هذه العناصر ويتلاعب بها ويزودها بهذه الأخبار الزائفة لينقلها عنها. يكفي التأمل في طريقة اصطناع الإشاعات وتوقيت بثها وصفة مروجيها لفهم الارتباطات بين كل هذه الجهات وولاءاتها. لذلك لا نفتأ نؤكد بأن نظام العسكر بلغ درجة من العداء للمغرب غير مسبوقة، وفشل رهانه على عصابات البوليساريو، وفشل اعتماده على الضغط على المغرب بالتقرب من ماكرون، وفشل ضغطه على إسبانيا للتراجع عن مواقفها واضطراره صاغرا لإعادة العلاقات معها دون تحقيق أي من أهدافه التي كانت سببا في قطع علاقاته معها، وخساراته في كل المعارك التي خاضها ضد المغرب، كل هذه العوامل أدخلته في مرحلة العمى وردود الأفعال غير المدروسة والتي سيراكم فيها مزيدا من الهزائم التي تجعل الجزائريين يفهمون أنه يزج بهم في معارك خاسرة وعداوات مجانية مع المغرب الذي ينشغل بقضاياه ويوجه كل طاقاته لربح تحديات المستقبل ويراكم النجاحات بشأنها.
    صارت الارتباطات بين كل عناصر الطابور الخامس واضحة، وأصبح محركوهم ومشغلوهم مفضوحون. كيف للمعطي مول الجيب الذي ملأ جيبه وحساباته البنكية في الداخل والخارج بأموال عمومية ومتورط في اختلاسات أن يستغل مروره في قناة فرانس 24 للتصعيد المستفز وترويج الأباطيل والخرافات بينما موضوع استضافته هو الحديث عن جلسة محاكمته التي يتابع فيها بتهم جنائية وفي حالة سراح متمتعا بكل حقوقه التي تضمنها له المواثيق الدولية؟
    توقيت خرجة المعطي ومحتواها والمنصة التي اختارها، أو ربما هي التي اختارته أو أجبرته على الحديث، تؤكد أن الحاقدين على المغرب أجمعوا أمرهم ووحدوا جهودهم.
    لقد مرت جلسات من محاكمة المعطي والدعوى تأخذ مجراها بشكل طبيعي ولم نشهد خرجة إعلامية له بعيدة عن موضوع المحاكمة بهذه الحدة. هذا يطرح سؤالا حول سبب اختيار هذا التوقيت المتزامن مع الحملة التي يقودها الإعلام الجزائري وباقي الهامشيين.
    اختيار منصة فرانس 24 التي اختارت منذ سنين الحرب على المغرب بنهج لا يحترم أدنى الشروط المهنية والموضوعية لم يكن بريئا كذلك، وخاصة أنها سمحت له لمدة طويلة أن يتحدث لوحده خارج الموضوع دون مقاطعة ودون إحضار الرأي الآخر، مع العلم أن القناة تمول من المال العمومي الفرنسي، وهو ما يؤكد تورط إدارة ماكرون في هذه الحملة كذلك.
    تغافل المعطي الحديث عن موضوع متابعته المتعلق باختلاس أموال عمومية وادعاؤه أن محاكمته سياسية بسبب آرائه التي يقول بها غيره دون أن تطالهم متابعة يبعث على التساؤل عن سبب هذا التحوير. لقد دستر المغرب الخيار الديمقراطي وجعله ثابتا في الدستور، وبين عمليا أنه لا تزعجه الأصوات المعارضة التي يعتبرها ضرورة للديمقراطية المغربية، وهذا يعرفه المعطي جيدا ولذلك يجد حرجا في الحديث عن التهم التي يتابع بها ويلجأ للتعويم والهروب إلى الأمام بترويج الأساطير حول مرض الملك وغياب الملك وعجز الملك عن الحكم وتركه البلاد في قبضة “البوليس السياسي”. هذه الخزعبلات تذكرنا بما يصر على ترويجه الطابور الخامس حول “البنية السرية” و”اختطاف الحكم” من طرف مؤسسات سيادية تقوم بواجبها في حماية الوطن ولا تقترب من مجال السياسة التنافسي والذي تتولاه الأحزاب السياسية بناء على ما تفرزه الإرادة الشعبية.
    أمثال المعطي منجب لا تهمه صحة الملك لأن ما يسر به في مجالس النميمة معروف حول جلالة الملك، ولا يهمه استقرار المغرب لأنه أساسا ينتعش في الفوضى، ولكن كل همه هو النيل من مؤسسة يرى فيها عدوا لدودا سد عليه كل المنافذ وأوقف عنه حالة “السيبة” التي كان يرتع فيها دون رقيب.
    من يرى تصريح المعطي على القناة الفرنسية سيخرج بانطباع واحد وهو أنه يريد أن يعتقل ليوجد مبررا لتحريك مقاولته المفلسة “فري كلشي” وليمنح “بريكولا” للمنظمات التي تعاني البطالة ولم يعد المغرب يدر عليها موارد مالية. اللعبة مفضوحة ولن يسقط فيها المغرب الذي صار خبيرا بهذه الأساليب. والمطلوب من المعطي أن يركز على إعداد دفاعه بدفوعات قانونية لدفع التهمة عنه والابتعاد عن التسييس المزيف لقضية جنائية، ويمكنه الاعتبار من قضايا سابقة أخطأت طريقة الترافع وفريق الدفاع وهي تعاني اليوم. يمكن للمعطي أن يسمع من صديقه عن النهاية الحزينة التي انتهت إليها الكتيبة الزيانية. وحينها سيعرف أنه يسير في الطريق الخاطئ وعليه وحده أن يتحمل مسؤوليته ولن تنفعه فرانس 24 أو غيرها.
    مصيبة أمثال المعطي أنهم يريدون أن يفرضوا على المغرب الطريقة التي يدبر بها، وعلى الملك الطريقة التي يحكم بها ويتواصل بها وإلا فإنهم مستعدون لإعلان الحرب على المغرب والملك وفريق الملك والمؤسسات السيادية للدولة. إنه منطق الزنقة “لاعب أو مْحَرّمْهَا”. فهل تسير الدولة بأسلوب اللعب في الزنقة؟ وهل تخضع مؤسسات الدولة لهذا الابتزاز؟
    الحمد لله أنه أصبح للمغاربة طرقا لمعرفة كل أعضاء الطابور الخامس ومن يتحكم فيه ومن يستهدفونه ولماذا. والحمد لله أن كل الفايك نيوز الذي يستعملونه في هذه الحملات مفضوح ولا يدوم مفعوله إلا لحظات قصيرة ولا يروج إلا في المحيط الضيق لهذا الطابور ولا أثر له. والحمد لله أن المغاربة صاروا يعلمون حجم العمل الذي تنجزه مؤسسات الدولة في مجالات كثيرة باعتماد منطق المقارنة مع دول مجاورة وشبيهة في ظروفها لنا وربما نحن أقل منها من حيث الإمكانيات ولكننا نتقدم عليها في الإنجازات. وهذه مناسبة لاستحضار أجواء ذكرى انطلاق ما سمي بالربيع العربي في هذه الأيام التي تتزامن مع تنحي الرئيس بنعلي في تونس أو ما سمي حينها بثورة الياسمين والتي تحولت في ظرف أقل من عقد من الزمن إلى ثورة الحنظل.
    ذكرى “الربيع العربي” مناسبة أخرى لتذكر كابوس الانهيار الذي تعرضت له المنطقة العربية، وفي كل سنة تحل الذكرى تزداد الحاجة إلى معرفة الحقائق وراء اندلاع تلك “الثورات”، وأسبابها واللاعبين الحقيقيين الذين تحكموا في مخرجاتها، والنتائج التي كانوا يطمحون إليها. وهي مناسبة كذلك للتأمل في مآلات الدول التي كانت ضحية لتلك العاصفة الهوجاء التي كانت أقرب إلى الخريف رغم التعسف في تسميتها بأسماء الياسمين وغيره من الزهور. ألم تضيع تونس سنوات من عمرها؟ هل يمكن القول بأن حال تونس اليوم أفضل مما كانت عليه؟ هل التوانسة راضون اليوم عما قاموا به سنة 2011؟ ماذا يكون موقفهم لو استقبلوا من أمرهم ما استدبروه؟
    هل يسر دعاة الربيع العربي الحالة التي عليها سوريا اليوم؟ هل هم راضون عن الانقسام الذي عليه ليبيا اليوم؟ هل الحال التي عليها اليمن السعيد تلبي رغباتهم؟ هل الانهيار الذي يعيشه الاقتصاد التونسي والمصري هو حصيلة “ثورتهم”؟
    يؤكد الواقع بعد أزيد من 12 سنة بأن العرب لم يجنوا من “ربيعهم” سوى الدمار والتفتت والاحتراب الداخلي والتخلف والتمزق والدوران في دوامة فارغة. إن حلول الذكرى مناسبة أخرى لتفعيل المحاسبة تجاه كل من قاد تلك الأحداث لمعرفة حجم مسؤوليته في ما آلت إليه أحوال تلك البلدان. هل باستطاعة جماعات الإخوان في المنطقة تقديم حصيلة مراجعاتهم بهذا الخصوص؟ هل لهم القدرة على التجرد من إلصاق الفشل بالغير وتصويب سهام النقد لأدائهم وكفاءتهم ووعيهم بالمخطط الذي دبر لهم والفخ الذي نصب لهم والفاعل الذي استعملهم كأدوات لتدمير بلدانهم؟ هذا هو المطلوب اليوم في هذه الذكرى وسيزداد الطلب عليه كلما تباعدت المسافة الزمنية وأصبحت معها تلك الأحداث وقائع تاريخية يسهل التعامل معها بدون حساسيات سياسية أو إديولوجية أو شخصية.
    لقد شاءت الأقدار أن تتزامن هذه المناسبة مع تخليد المغرب للذكرى الستين لإحداث البرلمان، وقد كانت الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في الندوة الوطنية بهذه المناسبة أحسن تعبير على الذكاء المغربي في التعامل مع تلك اللحظة التي تعامل معها المغرب، بفضل حكمة جلالة الملك وتوجيهاته ويقظة المؤسسات السيادية للدولة، بدون السقوط في الفخاخ المنصوبة وحقول الألغام التي كانت تهدد المنطقة بأكملها.
    من السهل اليوم إعادة شريط الأحداث وفهم كيف استطاع جلالة الملك إفشال مخطط الفتنة بالانتصار للخيار الديمقراطي وتجنيب البلاد دوامة العنف والفوضى التي انتصب البعض طرفا منفذا لها بوعي أو بدون وعي.
    لقد عبرت الرسالة الملكية على أن هذه المناسبة فرصة ل”تذكير الأجيال الحالية والصاعدة بالمسار الديمقراطي والمؤسساتي الوطني، وبما راكمه من إصلاحات في إطار التوافق الوطني”، و”استشراف مستقبل النموذج السياسي المغربي، في أفق ترسيخ أسس الديمقراطية التمثيلية، وتكريس مبدأ فصل السلط، تعزيزا لتقاليدنا المؤسساتية الضاربة جذورها في عمقنا الحضاري”، كما ذكرت بأن “الديمقراطية ليست وصفة جاهزة، أو نموذجا قابلا للاستيراد، وإنما هي بناء تدريجي متأصل، مستوعب للتعددية والتنوع، متفاعل مع السياق الوطني وخصوصيات كل بلد، دون تفريط في المعايير الكونية للديمقراطية التمثيلية، والتي من بين أسسها الاقتراع الحر والنزيه، والتعددية الحزبية، والتناوب على تسيير الشأن العام”. هذه إذن هي الخطوط الناظمة لتصور جلالة الملك حينها والتي جعلته ينتصر للديمقراطية ويرفض بشكل قاطع كل تنازل عن مقتضياتها مهما كانت الضغوط والإغراءات.
    في مثل هذه المناسبات تبرز دائما حكمة الملك وتتجسد خبرته ويتضح حياده تجاه كل المكونات وانتصاره للمصلحة الوطنية دون غيرها.
    لقد كانت هذه الرسالة أثمن تقييم لذكرى “الربيع” العربي وتفاعل المغرب معه، وهي تذكرنا بالخطاب الملكي لسنة 2016 أمام القمة الخليجية بالرياض حين قال جلالته بأن القمة “تأتي في ظروف صعبة. فالمنطقة العربية تعيش على وقع محاولات تغيير الأنظمة وتقسيم الدول، كما هو الشأن في سوريا والعراق وليبيا. مع ما يواكب ذلك من قتل وتشريد وتهجير لأبناء الوطن العربي. فبعدما تم تقديمه كربيع عربي، خلف خرابا ودمارا ومآسي إنسانية، ها نحن اليوم نعيش خريفا كارثيا، يستهدف وضع اليد على خيرات باقي البلدان العربية، ومحاولة ضرب التجارب الناجحة لدول أخرى كالمغرب، من خلال المس بنموذجه الوطني المتميز”. والحمد لله أن المغرب انتبه لهذا المخطط مبكرا، وبقي ملتزما بوتيرة إصلاحاته وتقدم أوراشه المفتوحة في كل المجالات في تناغم تام مع خصوصياته وإمكانياته، وهو ما فوت الفرصة على دعاة الفوضى التي زعموا أنها خلاقة فاكتشفوا أنها مدمرة للأخضر واليابس وللحرث والنسل معا.
    يحق للمغرب اليوم أن يفخر بإنجازاته بتواضع من يعرف أنه لم ينه مسيرته نحو الدمقرطة والتنمية ولكن بثقة من هو متأكد أنه يسير إليها بخطى حثيثة.
    ما نعيشه من نجاحات بوأت المغرب رئاسة مجلس حقوق الإنسان الأممي، وما يتعرض له المغرب من مؤامرات لتبخيس إنجازاته من دول الجوار التي كانت غارقة في تسعينيات القرن الماضي في الحرب الأهلية أو في جحيم الدكتاتورية، وما تعرفه بلادنا من أوراش مفتوحة بالتوازي والتوازن على واجهات متعددة من أجل دمقرطة الدولة والمجتمع معا ومن أجل تغطية كل مجالات الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية، كلها تقدم نموذجا للعالم عن مغرب يتقدم بأمان وبضمانات ملكية وحرص مؤسساتي على إنجاح هذا المسلسل.
    الضمانة الملكية نقطة قوة هذا المغرب، والثقة الملكية هي التي تجعل جلالة الملك يصارح الشعب بكل شيء ويوجه المؤسسات الوجهة الصحيحة. قبل أيام من هذا الاحتفال بالبرلمان ترأس محمد السادس جلسة عمل خصصت لإشكالية الماء التي تتفاقم بحكم توالي سنوات الجفاف. أسلوب جلسات العمل التي يترأسها الملك للتنبيه إلى قضية استراتيجية أو تتبع الإنجاز بشأن قضايا تكتسي أهمية قصوى نموذج مغربي يعكس القدرة المغربية على إبداع نظام حكم تتناغم فيه السلط وتتعاون في احترام وتكامل دون تداخل مخل باختصاصات كل سلطة رغم ما يريد البعض إثارته من تشويش على هذا الأسلوب بغرض إضعاف مؤسسات الدولة وإدخالها في صراعات دونكيشوتية غير منتجة.
    وضعت جلسة العمل الكل أمام مسؤولياته. الحكومة ملزمة بتسريع وتيرة اشتغالها لتأمين احتياجات المغاربة، والمغاربة من جهتهم عليهم تغيير بعض من سلوكياتهم بشأن استهلاك الماء في زمن تشح فيه الموارد وتتزايد فيه الحاجة لاستغلال معقلن لهذه الثروة التي تشكل مصدر الحياة للأرض والعباد، وكلنا مسؤولون عن إنجاح هذا الورش كل من موقعه وحسب المطلوب منه وبصفة استعجالية حتى لا نندم يوم لا ينفعنا ندم وخاصة حين لا يستحضر جيلنا حقوق الأجيال القادمة من هذه المادة الحيوية.
    لا يمكن أن نختم هذا البوح دون الحديث عن فرنسا الماكرونية وإشاراتها السلبية تجاه المغاربة والمغرب. لقد كان لافتا للانتباه تولي ستيفان سيجورني لمنصب وزارة الخارجية “الكي دورسي” وهو الذي سبق أن قاد سنة 2023 حملة ظالمة ضد المغرب في البرلمان الأوربي لما كان رئيسا لفريق حزب ماكرون.
    من حق كل دولة أن تعين من تشاء في أي منصب لأن هذا شأن سيادي للدولة، ولكن من حق المغرب وضع سلوكاته تحت مجهر المراقبة رغم العلم المسبق أنه مجرد أداة لتنفيذ سياسات ماكرون لأنه رجل ثقته كما هو الشأن مع رئيس الحكومة. هكذا صارت جمهورية فرنسا تدبر بمنطق الثقة وليس الكفاءة، ولذلك لا نتعجب من الحال الذي وصلت إليه خلال ولايتي ماكرون.
    فرنسا مع الحكومة الجديدة موضوعة في ميزان تقييم جدية خطابها تجاه المغرب وفعالية خطواتها التصالحية مع المغاربة، ويحتفظ المغرب بحقه في الدفاع عن مصالحه ضد كل استهداف لها دون أن يعني ذلك أنه يتخذ سياسة عدائية من الفرنسيين وفرنسا التي تربطه بها علاقات ووشائج أقوى من أن تؤثر فيها شطحات ماكرون. وبالمناسبة فقد كان لافتا للانتباه قضاء إليزابيت بورن رئيسة الحكومة “المستقيلة” حديثا عطلتها في مراكش. هذا هو حال طاقم فريق ماكرون الذي يؤكد أن الضغط يأتي منه أساسا لينفذوا سياسات هم أكثر اقتناعا أنها غير صحيحة ليرضوا حالته المرضية ببلد اسمه المغرب. هل يتصور أن تقضي رئيسة حكومة حديثة عهد بمنصبها وسياساتها المعادية للمغرب عطلتها في بلد كانت حكومتها تنعته بكل النعوت؟ هل يقبل عاقل أن تصل الازدواجية إلى هذا الحد؟
    هذا هو حال الكثير ممن يقود الحملات على المغرب في الظاهر بينما يجد راحته في هذا البلد بحكم ما حباه الله من أمن وتعايش وتسامح وكرم وطبيعة ومعاني إنسانية.
    تزيد سياسات ماكرون فرنسا نحو الانقسام العنيف وتفشي العنصرية، وآخر مؤشراتها محاولة شخص إضرام النيران في مسجد ببلدية مورلييه والرد البارد والشارد لوزير الداخلية دارمانان على هذا الاستهداف الذي من شأنه تصوير الدولة الفرنسية متساهلة مع العنف الذي يتعرض له المسلمون وأماكن عبادتهم مقارنة مع باقي الديانات. هل وصل الحال بالساسة الفرنسيين المخاطرة بالسلم الأهلي من أجل مزايدات انتخابية؟ هل وصل الأمر بفريق ماكرون حد الهوس بمنافسة اليمين المتطرف ومحاولة مزاحمته على كل شيء بما في ذلك حربه على المهاجرين والهوس بالإسلام والمسلمين؟
    لا نستغرب في ظل هذه الأجواء تزايد الشعور بعدم الأمان داخل فرنسا الذي تتوسع دائرته وسط الفرنسيين الذين صاروا يبحثون عن ملاذات آمنة خارج فرنسا.
    موعدنا بوح قادم.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    البرلمان: صراع داخل الفرق بسبب صرف الميزانية دون إخبار البرلمانيين