الدولة القوية لا تخشى مواجهة ديناصورات الفساد

الدولة القوية لا تخشى مواجهة ديناصورات الفساد

A- A+
  • اعتقال كل من سعيد الناصري، رئيس فريق الوداد البيضاوي والقيادي بحزب الأصالة والمعاصرة، إلى جانب عبد النبي بعيوي، زميله في الحزب ذاته ورئيس جهة الشرق، وباقي المتهمين في «قضية المالي»، وإيداعهم السجن، ثم الحجز على ممتلكاتهم في أفق مصادرتها لفائدة خزينة الدولة، يحمل دلالات متعددة، منها استشراء الفساد وسط النخب، ووصول بعضها إلى المحظور الذي يحمل الكثير من الشراهة والجشع المالي وقلة العفة، إذا ما أثبت القضاء الاتهامات الخطيرة الموجهة لهم. من تزوير ورشوة واتجار في المخدرات والاحتيال والنصب وغيرها من الجرائم الثقيلة.
    لكنه يحمل دلالات أقوى في السياق الحالي، وهو أن الدولة المغربية فتحت موضوعا ثقيلا مع ديناصورات كبار في ملف ثقيل بلا جعجعة كبرى ولا حاجة للتسويق الإعلامي حين تبدو قضية خطيرة. وقل نفس الشيء في ملف زعيم الحركة الشعبية محمد مبديع المودع السجن اليوم، وأقطاب ملف معروض على غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بمراكش والمتورط فيه رئيس المجلس الجماعي للمدينة الحمراء، ونائبه الأول من أجل جناية تبديد أموال عامة.
    حيث قامت المؤسسات المعنية من أجهزة وأمن وقضاء بواجبها وفي حدود مجال اشتغالها، بفتح ملف فساد كبير يمس أقطابا ورموزا كبرى في السياسة كما في الرياضة، وأحيل المعنيون على قاضي التحقيق في احترام تام لمساطر المحاكمة العادلة، وتم الأمر بإيداعهم السجن والحجز على ممتلكاتهم إلى أن تقول العدالة كلمتها الأخيرة فيهم، تبرئة أو إدانة، وكل ذلك سنتابعه بشكل شفاف وعلني، مما يدل على قوة الدولة بالمغرب، وأن لا أحد في منأى عن المحاكمة وعن دخول السجن إذا ما تورط في قضايا مجرّمة قانونيا، مهما كان نفوذه وشكل تعملقه في المجتمع، وهو رسالة قوية وواضحة إلى كل الفاسدين، أن لا وجود للمحميين في وسط الدولة، وأن «اللي حصل يودي» مهما علا شأنه أو قوي مركز نفوذه، لأن الدولة أقوى باعتبارها حامية للقانون، ومؤسساتها تسهر على تنفيذه دفاعا عن المصالح الحيوية للمجتمع.
    لا تقاس قوة الدولة اليوم فقط بقوة جيشها وفعالية أمنها، رغم أنهما أساسيان ويشكلان أعمدة الاستقرار، ولا على امتداد مؤسساتها ونفوذ إدارتها في قلب المجتمع المتنوع الذي تحكمه، ولا في عراقتها وأمجادها التاريخية فقط، ولكن أيضا قوتها في مواجهة الفساد باستعمال الآليات القانونية التي تتجنب بُعد الانتقام أو تصفية الحساب أو كأن يأكل جزء من الأقوياء جزءا منافسا لهم كما حدث ويحدث في الجزائر، حيث يدان المسؤول الكبير اليوم بتهم حكمها المؤبد أو السنوات المديدة من السجن، وحين يتغير رأس النظام يُبرَّأ ذات المسؤول بل ويتم تعيينه في منصب سامي وهكذا دواليك. حيث يُرفع شعار الفساد لدر الرماد في العيون فقط.
    لم يعد المغاربة يتفاجأون بكون زعماء سياسيين كبار وديناصورات لها نفوذ كبير يلجون السجن، بعد أن تفتح تحقيقات عميقة حول أوجه فسادهم ونهبهم للمال العام، وهذا أيضا أحد عناصر قوة الدولة المغربية، وهو ثقة المجتمع في اختيارات مؤسساته وفي الإجراءات التي تسنها مختلف سلطاته، لم نسمع بوجود نظريات المؤامرة ولا نزعات للتشكيك أو للاتهام بتصفية حسابات في أي ملف من الملفات الثقيلة سواء تلك التي صدرت فيها أحكام نهائية أو تلك التي لا زالت مدرجة في مختلف المحاكم بالمغرب، ومن ضمنها ملف ما يعرف ببارون المخدرات أو «قضية المالي»، والذي تحاكم فيه حيتان كبرى في قضايا فساد من نوع ثقيل..
    ثقة المجتمع المغربي في دولته في مختلف اختياراتها، تعكس حجم إيمانه بنجاعتها وقوتها في الضرب بقوة وفي إطار القانون والمحاكمة العادلة، حيث سيكون لكل المتهمين الحق في محامين كبار وكثر، وفي جلسات محاكمة مفتوحة وعلنية، سيقوم الإعلام بتغطية كل أطوارها، ومهما كبر حجم ديناصورات الفساد، فحجم الدولة المسنودة بمجتمع حي أقوى في التصدي لكل أشكال المفسدين.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    المهندسون يهاجمون الرميلي ويؤكدون أن 90%من ملفات التعمير محتجزة في”دار الخدمات”