بوح الأحد: نشر ثقافة الفوضى و اللاقانون يشوش على التضامن مع غزة الجريحة،

بوح الأحد: نشر ثقافة الفوضى و اللاقانون يشوش على التضامن مع غزة الجريحة،

A- A+
  • بوح الأحد: نشر ثقافة الفوضى و اللاقانون يشوش على التضامن مع غزة الجريحة، براح الجماعة يصيب العدل و الإحسان في مقتل و يفتح باب المساءلة في أكثر من دولة، خطوات فرنسا لعودة العلاقات لسابق عهدها و أشياء أخرى

    أبو وائل الريفي
    أصابت حالة السعار أصحاب الأجندات المعلومة هذه الأيام. لا شيء يعلو في حركتهم وتفكيرهم على أولوية نشر ثقافة اللاقانون تحت يافطة الاحتجاج التضامني مع غزة. تأجيج الرأي العام ضد السلطات العمومية، صار شغلهم الشاغل. هؤلاء لا تهمهم غزة وليس هدفهم التضامن ولكنهم وجدوا في هذه الأحداث فرصتهم الذهبية لتصريف الحقد على الدولة ومؤسساتها وصناعة بيئة يطبعها التوتر وتسودها ثقافة الفوضى حتى ينعشوا فيها بضاعتهم الراكدة التي لم يستطيعوا إقناع المغاربة بالحاجة إليها وفق الأساليب الديمقراطية.
    بلغ الحمق والحنق بصبي المعطي منجب وسط عدلاوة حد تعرية حقيقته وفضح أخلاقه الساقطة. عرى حسن بن محمد بن الجيلالي، الذي لا يحمل شيئا من لقبه “بناجح” لأنه ساقط في كل شيء على الدوام، نفسه وكشف معدنه البئيس وانتسابه الكاذب لأخلاق الإسلام وهو يسمح لنفسه الخبيثة بالدعاء بالمسخ على كل الحكام الذين حضروا قمة الرياض. هل بلغ إلى علم قيادة الجماعة التي ترفع شعار الإحسان هذا الأمر؟ هل من العدل أن يضع حكام المسلمين في هذه الكفة بإجازة جعلهم موضوع دعاء بهذه الوضاعة؟ ألا يعرف بناجح معنى ودلالات الدعاء عند من يدعي أنه مسلم؟ هل الجماعة أعطته الإذن بالسب والقذف بتلك العبارات القادحة؟ هل حاسبته على هذه الفعلة التي لا تليق بمسلم حديث عهد بالإسلام فأحرى أن تقبل ممن ينتسب لجماعة تصر على أنها جماعة المحسنين؟
    بناجح أجير عند الجماعة بمرتب من أموال مساكين الجماعة، ومهمته مجهولة، والآن يتضح أنه يتقاضى أجرة من الجماعة لمثل هذه المهام القذرة التي لا يمكن للجماعة التبرؤ منها خلسة حين تسأل عن ذلك بل يجب أن تصارح الرأي العام بحقيقة اتفاقها أو اختلافها مع هذا النهج الرافضي الذي تقتدي فيه بالشيعة الروافض الذين يسبون ويلعنون الحكام بدون حشمة.
    الإحسان رحمة للعالمين. فكيف يسمح حسن بناجح لنفسه أن ينشر تدوينة تتضمن صورة لكل الحكام الحاضرين لقمة الرياض ويعلق عليها بدعاء “في كلمة: الله يمسخكم”؟ هل يقبل هذا من قيادي عدلاوي؟ هل تقبل جماعته النزول إلى هذا القاع؟ ألا يعتبر صمت الجماعة وقيادتها إقرارا بأن ما فعله كان بأمر منها؟ كيف سيبررون هذا السلوك ؟
    المثير أن قمة الرياض الاستثنائية كانت قمة عربية إسلامية شاركت فيها 57 دولة، وضمن الحاضرين في الصورة، الذين دعا عليهم الابن البار للعدل والإحسان والمنفذ الجيد لتعليمات الجهات التي تحركه، الرئيس الإيراني والتركي والسوري والأندونيسي وأمير قطر ورئيس وزراء ماليزيا. أليس هؤلاء الذين يستقبلون فوق ترابهم قيادات الجماعة وأنشطتها، ومنهم من يعتبر حليفا للجماعة وداعما لها. فهل سيمر هذا السلوك بدون محاسبة من هؤلاء؟
    سقط حسن مرة أخرى في امتحان الأخلاق بلجوئه إلى السب واللعن ولم يتأس بالرسول الذي جاء عنه في الحديث الشريف “ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، و لا البذيء”، وأكد حسن هذه المرة أن ما يروج عن ماضيه صحيح وأنه تسلق في غفلة من الكل سلاليم القيادة ليصبح مديرا للناطق باسم الجماعة يتباهى في مجالسه الخاصة بأنه هو من يتحكم فيما يقول ولا يقول. هذه المرة أسقط بناجح معه جماعته أمام كل هذه الدول التي حركت مؤسساتها للاستفسار عن هذا الفحش وأسبابه ومسؤولية العدل والإحسان فيه لترتيب الأثر على كل ذلك.
    و من المنتظر أن يتسبب بناجح لأطر الجماعة وناشطيها في مشاكل مع دول كانت تعتبر العدل والإحسان داعمة لفلسطين وضمن تيارات الإسلام السياسي المقربة. ها هو بناجح يفهم حقيقة ما ينشره حول “غزة الفاضحة والفاتحة”. هي بالفعل تفضح المتاجرين بالقضية وأصحاب “جوج وجوه”.
    نبشر بناجح أن ما اقترفه تجاه رؤساء دول لن يمر مرور الكرام لأنه يقع تحت طائلة القانون، ومطلوب من النيابة العامة تحريك الدعوى العمومية ضده، ولن تدع هذه الدول أمثال هؤلاء يفلتون من العقاب والمحاسبة لأن هذه الجرأة تجاوزت كل الحدود حين وصلت لهذا المستوى المنحط. ولينتظر قياديو وأطر الجماعة رد هذه الدول في القابل من الأيام، ولن نتفاجأ حين نكتشف أن بناجح أصبح موضوع مذكرة بحث.
    ما يحدث من سوء أخلاق وكذب وادعاء وسط العدل والإحسان دليل آخر على حالة السقوط المدوي وسطها، وجو الانحلال الأخلاقي الذي صار ينخر كيانها. حين يصبح أمثال بناجح من قادة الصف الأول وهو خلية نائمة داخل الجماعة يخدم أجندات للغير بمؤسستها ويبيح لنفسه استعمال وسائطها كما يحلو له فاعلم أن العدل والإحسان انتهت وتعيش أرذل العمر. غاب الحكماء في الجماعة ولم يعد يسمع لهم صوت أمام صوت السباب واللعان الذي يمثله أمثال بناجح المهووس بمواقع التواصل الاجتماعي ظنا منه أنه يمكن أن يكون مؤثرا خارج الجماعة وبعيدا عن مؤسساتها. ستكون هذه المواقع لعنة تصيبه وتجعله يندم على كل تدوينة اقترفتها يده.
    هذا مثال عن حالة الحقد التي أوصلت بعض من ينتعشون في الفوضى إلى العمى، ونقصد بها عمى البصر والبصيرة، فصاروا يبيحون لأنفسهم كل الوسائل مُسابقين الزمن لاستغلال أحداث غزة من أجل “ربيع” جديد بعد فشلهم في الربيع السابق الذي تحول إلى ريح عاصفة عصفت بهم من المشهد العام إلى الزاوية والهامش.
    تأجيج الرأي العام ضد السلطات لعبة مكشوفة ولم تعد تنطلي على أحد لأنها جربت في 2011 في دول مثل مصر وغيرها وسرعان ما اكتشف مخترعوها أنها تأتي دائما بنتائج عكسية يتضررون منها هم أكثر من غيرهم. الإحصاءات المحينة حول الأشكال التضامنية مع أهل غزة تثبت أن المغاربة من أكثر الدول تضامنا لأنهم يتضامنون من منطلقات إنسانية ومبدئية ولا يبحثون وراء التضامن عن الاستفزاز ولا يغيرون من الشكل التضامني في آخر لحظة دون سلك المسالك القانونية والإدارية اللازمة.
    يتباكى بناجح وأمثاله من عشاق الفوضى على تعنيف مسيرة بينما الواقع يثبت أنه لم يكن هناك تعنيف، بل كان فقط اعتراض أمني بطرق مهنية ووفق مبدأي التناسب والضرورة لتدفق بشري أراد الاستفزاز والهجوم على قنصلية دولة غربية. لماذا يتناسون الخرق القانوني بتحويل وقفة إلى مسيرة فوضوية دون التصريح القبلي بمسارها ومنظميها؟ لماذا كل هذا الحرص على الاحتكاك المستفز بالسلطة للتغطية على فشلهم في حشد أعداد من المتضامنين لم يحضروا لوقفتهم بعدما فهموا أن وراء هذا التكرار المبالغ فيه للوقفات أهداف أخرى غير التضامن مع غزة؟ لماذا يتم الإعلان عن وقفة ثم يحولونها إلى مسيرة؟
    الأمر أكبر من تضامن، وخلفياته هي تعريض النظام العام للخطر والهشاشة، وفتح الباب للفوضى، وضرب الاستقرار، وتوتير علاقات المغرب مع دول أخرى باستهداف قنصلياتها لإظهار الدولة بمظهر الضعيف غير القادر على حماية أماكن محصنة بالقانون الدولي.
    فضحت أحداث غزة متعهدي حفلات التضامن فعلا، وبينت أن التضامن مجرد مطية لتنظيمات نفضت الغبار عن مخططاتها القديمة لتعيدها إلى الواجهة بحثا عن فرصة جديدة لنشر الفوضى وخدمة أجندات جهات خارجية هدفها إضعاف الدول وضرب استقرارها كمقدمة لتمزيقها وإخضاعها.
    هذه حقيقة صار يفهمها المغاربة ولذلك فهم يتحفظون على المبالغة في حضور هذه الوقفات التي صار زبناؤها معروفون ويمكن التنبؤ مسبقا بأعدادهم.
    فضحت أحداث غزة كذلك بعض مرتدي القبعات الحقوقية الذين يتعمدون الخلط بين التضامن مع فلسطين واستنكار جرائم إسرائيل والمزايدة على الدولة، ويساوون بين الضحية والمعتدي، ويحرصون على إرضاء المانحين بأي شكل.
    بنشمسي عراب هيومان رايتس ووتش في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا يتهم حماس بارتكاب جرائم حرب، وفرع العدل والإحسان بفرنسا يدين استهداف حماس للمدنيين، والمعطي وفؤاد والشلة يتحاشون انتقاد إسرائيل ويعبرون عن موقفهم باحتشام وتحت الضغط فقط. هؤلاء كلهم يبحثون عن رضى الدول والمنظمات المانحة والحفاظ على صداقة المنابر الإعلامية والمنظمات الدولية التي تتبنى قضاياهم. بئست المبدئية والمصداقية عند هؤلاء كلهم الذين لا يعرفون إلا المزايدة على الدولة وهم غارقون حتى القدمين في التطبيع مع داعمين لإسرائيل ابتغاء حفنة من الدولارات أو دعوات لمؤتمرات أو تغطيات إعلامية عند الضرورة.
    سفه خطاب الملك في قمة الرياض تحليلات كل من ملأوا الفضاء الأزرق ضجيجا حول تجاهل فلسطين وأحداث غزة في خطب سابقة. تأكد لهؤلاء جميعا أن الحقد كان هو الموجه لتخرصاتهم التي يدّعون أنها تحليلات. قلناها في الحين بأن جلالة الملك يحترم اختصاصاته وعراقة المؤسسة الملكية التي يمثلها وطبيعة المناسبة وما يجب أن يقال فيها. خطاب قمة الرياض الاستثنائية التي كانت حول أحداث غزة كان كله حول تلك الأحداث ولم يستغل الحدث للحديث عن قضايا أخرى ذات أولوية بالنسبة للمغرب. هذا هو جلالة الملك، وهذه هي الملكية، وهذه هي التقاليد. ومن لم يفهمها بعد فإنه غير مؤهل لتحليل وفهم الخطب الملكية.
    العبارات التي استعملها الخطاب كانت واضحة وقطعية الدلالة وتعكس الانحياز للحق والعدل واستنكار الخروقات والجرائم واستحضار حساسية الظرفية وجسامة المسؤولية التاريخية، حيث تم استعمال عبارات “خرق سافر للقوانين الدولية وللقيم الإنسانية”، “المدافع والصواريخ الإسرائيلية تستهدف المدنيين العزل”، “وقف الاعتداءات العسكرية بما يفضي لوقف إطلاق النار، بشكل دائم وقابل للمراقبة”، “ضمان حماية المدنيين وعدم استهدافهم”، “إرساء أفق سياسي للقضية الفلسطينية، كفيل بإنعاش حل الدولتين المتوافق عليه دوليا”، “لابديل عن دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية”، والمطالبة بوقف “الاعتداءات على القدس الشريف، والقطع مع الاستفزازات التي تجرح مشاعر أكثر من مليار مسلم” مع وجوب التنبيه إلى أنه “يجب ألا نسمح بترك مستقبل المنطقة ومستقبل أبنائها بين أيدي المزايدين، فمستقبل المنطقة لا يتحمل المزايدات الفارغة، ولا الأجندات الضيقة”، وبالمقابل “مخطئ من يظن أن منطق القوة يمكنه تغيير هذا الواقع وتلكم الهوية المتجذرة. وسنتصدى له على الدوام” والمطلوب من الجميع “التحلي بالحزم والمسؤولية، لوقف الاعتداءات الإسرائيلية، وتقتضي تغليب منطق العقل والحكمة، لإقامة سلام عادل ودائم بالمنطقة، لما فيه أمن واستقرار جميع شعوب المنطقة”.
    من يقرأ هذه الكلمات ويقارنها بحالة الغموض والتناقض التي يوجد فيها بعض أدعياء مناصرة فلسطين يرى الفرق. وكما كان منتظرا فلا أحد من الطابور تراجع واعتذر عن خطأ ادعاءاته السابقة لأنهم لا يبحثون عن الحقيقة بتجرد ولكنهم يبحثون عن نشر الفوضى وعدم الثقة في الدولة وركائزها، و”نبشرهم” أن هذا لن يتأتى لهم ما دام في هذا المغرب مغاربة يعرفون قيمة هذا البلد والتضحيات التي تبذلها هذه المؤسسات من أجل استقراره واستمراره وتنميته.
    روج أدعياء الفتنة كذلك بأن المغرب لم يسأل عن المغاربة العالقين في غزة. لو كانوا يعلمون الحقيقة وتحدثوا انطلاقا من معلومات لكان يلتمس لهم العذر ولكنهم يلقون الكلام على عواهنه بدون تثبت ويخيب ظنهم دائما ويكتشف المغاربة أن محركهم هو الحقد والانتقام ونشر الفوضى.
    الانشغال بأمن المغاربة أولوية قصوى للدولة، وجهودها لتحقق ذلك لا تتوقف، ونشر ما تقوم به غير مطلوب، والحكم في النهاية للنتائج. شرعية الإنجاز من المؤشرات التي ارتضتها الدولة المغربية في عهد جلالة الملك محمد السادس، والمنجزات في الواقع تكون أبلغ من كل حديث.
    خلال هذا الأسبوع، عبرت دفعة أولى من مغاربة غزة معبر رفح تمهيدا لعودتهم إلى المغرب. وصل العدد 112 من أصل 614، ويصنف هذا العدد ضمن أكبر الأرقام لجاليات تم إجلاؤها من غزة. لماذا تجاهل أصحاب مقاولات التضامن هذا الإنجاز؟ لماذا لم يعتبروه انتصارا للمغرب في ظل الإكراهات التي تعانيها جاليات دول كبرى كثيرة لم تستطع إخراج مواطنيها من غزة؟
    هذا مثال آخر على المجهودات وطريقة اشتغال الدولة المغربية التي تفضل الصمت لأنها تؤمن بالإنجاز في الميدان فقط، وتعرف أن المغاربة يقدرون ذلك، ولا تلقي بالا لأصحاب روتيني اليومي الذين يتخذون أحداث غزة مطية لنشر مخطط إشاعة الفوضى في الأوطان.
    يزداد التخوف من أن تصبح منطقة الساحل بؤرة للجريمة العابرة للحدود ومشتلا للإرهابيين وسوقا لتجارة المخدرات. لذلك، عرف هذا الأسبوع محطة أخرى من محطات التنسيق بين المغرب والإدارة الأمريكية لتقليص هذه المخاوف من خلال زيارة تورد روبنسون مساعد وزير الخارجية الأمريكي المكلف بالشؤون الدولية لمكافحة المخدرات وإنفاذ القانون. وهذه مناسبة لتثمين الدور الذي يقوم به المغرب للقضاء على هذه الجرائم، وللتأكيد على أن أفضل طريق لمحاربة هذه الآفات هي المشاريع التنموية وتعزيز التعاون الدولي لتنمية المنطقة كما عبر عن ذلك الخطاب الملكي الأخير الذي قدم خارطة طريق لإنعاش دول المنطقة.
    مقابل الدور المغربي الفعال، ما تزال الجزائر تعيش على إيقاع صراع الأجنحة الذي تتزايد حدته، وكلما طفا على السطح خلاف حول منصب الرئاسة يبادر تبون إلى تنحية الخليفة المحتمل له من طرف العسكر بالاستغناء عن خدماته وتعيين خلف له من مواليه.
    هذا ما حدث هذا الأسبوع بعدما أقال تبون بشكل مفاجئ الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن وعين مكانه مدير ديوانه نذير العرباوي الدبلوماسي الفاشل الذي كان كل همه استعداء المغرب في الأمم المتحدة. وتنضاف هذه الإقالة إلى مسلسل من الإقالات المتقاربة زمنيا والتي تنم على أن مؤسسات الدولة في الجزائر صارت وسيلة لتصريف الصراعات بين أجنحة الحكم في قصر المرادية.
    تعيينات بهذه الطريقة ووفق هذا البروفايل تؤكد حالة الهزيمة والإفلاس التي عليها حكام الجزائر ورغبتهم في افتعال صراعات مع المغرب لتعليق فشلهم علينا تجاه شعبهم. للتذكير فهذه اللعبة قديمة منذ أيام بومدين ولا يمكن أن تنطلي في هذا الزمن وعلى هذه الأجيال التي أصبحت تعرف سبب مشاكل الجزائر ومسؤولية حكامها فيما آلت إليه أحوال البلاد. وطبيعي أن يصاب تبون بالسعار لأنه يرى رهانه على الانتخابات الإسبانية فشل كذلك بعد تولي سانشيز رسميا رئاسة الحكومة وحيازته الثقة البرلمانية. يعرف حكام الجزائر وحدهم هول هذه الصدمة لأنه يتأكد لديهم أنهم خسروا اسبانيا بثقلها الرمزي والتاريخي في ملف الصحراء.
    الانشغال بهذه القضايا من طرف حكام الجزائر، والبحث الفاشل عن تموقعات وهمية في قضايا دول أخرى مثل النيجر وغيرها، والاستمرار في تبني حركة إرهابية مثل البوليساريو، والبحث عن افتعال صراع مع المغرب، والاشتغال على نيل رضى ساكن الإليزيه للعب دور البيدق له في افريقيا الساحل، كلها عوائق وإكراهات تجعل الجزائر عاملا لإدامة الفوضى في هذه المنطقة لأنها تنعش باختياراتها هذه التنظيمات الإرهابية وتصنع لها بيئة ملائمة لنشر الإرهاب والجريمة وتجارة السلاح والمخدرات والبشر. جزائر تبون وشنقريحة جزء من المشكلة ولا يمكن أن يكون عندها الحل أو حتى جزءا منه ما لم تراجع خياراتها بوضوح وجدية.
    مؤشر أخير ظهر هذا الأسبوع يؤكد صحة سياسة الدولة المغربية وصواب مقاربتها في تدبير العلاقة مع كل دولة، مهما عظم شأنها، تستهدف سيادة الدولة وكرامة المغاربة.
    أعلن السفير الفرنسي في المغرب بشكل مفاجئ، خلال لقاء على إذاعة دوزيم، بأنه “من الآن فصاعدا، لم تعد هناك أي قيود فيما يتعلق بإصدار التأشيرة للمغاربة من قبل فرنسا”، وبأن “كل مواطن تقدم بطلبه واستوفى الشروط سيحصل عليها”. هل كان لزاما انتظار كل هذا الوقت، سنة ونصف تقريبا، لتراجع فرنسا سياستها؟ هل كان على الإدارة الفرنسية أن تؤدي فاتورة مرتفعة تجاه المغاربة لترفع كافة القيود المفروضة على إصدار التأشيرات؟ ألا تعلم الإدارة الفرنسية أن مشكلتها لم تعد فقط مع السلطات المغربية بل أصبحت أساسا مع المغاربة؟ هل سيكون هذا القرار كافيا لأن تستعيد ثقة المغاربة فيها كشريك تاريخي واستراتيجي؟ هل ينفع هذا المنطق الانفعالي الذي تتحكم فيه ردود أفعال ومزاج شخصي في تدبير شراكة مع المغرب؟
    قد يكون الرجوع إلى الحق أفضل من التمادي في الخطأ، وقد يضاف هذا التصحيح لموقف فرنسا في مجلس الأمن أثناء المصادقة على القرار الأممي بشأن قضية الصحراء المغربية ليؤكدا حسن نوايا فرنسا تجاه المغرب، ولكن الحقيقة أنه ما زال ينتظر من فرنسا الكثير لاستعادة ثقة المغاربة. وما تقوم به فرنسا من مراجعات تأكيد على صواب سياسة الدولة المغربية التي تضع سيادتها ومصالح المغاربة كخط أحمر لا يمكن لأي دولة الدوس عليهما. وهذه رسالة أخرى لأصحاب القلوب الرهيفة الذين لا يقدرون على خوض الصراعات الدبلوماسية للانتصار لقضايا الوطن لأنهم يرتاحون فقط في منطقة الاستسلام. لا مكان لكم في مؤسسات الدولة ولا قدرة لكم على فهم خيارات الدولة ويستحسن أن تعينونا بصمتكم وعند إعلان النتيجة يمكنكم الحديث.
    وبمناسبة الثقة، يمكن القول بأن حصاد ماكرون الفاشل يتسع أكثر فأكثر والاعتراف بذلك لم يعد حديث الفرنسيين في المقاهي والصالونات فقط، ولم يعد حتى موضوع وسائل الإعلام، ولكنه وصل إلى السلك الدبلوماسي، حيث  راسل عشرات من الدبلوماسيين الفرنسيين المعتمدين في الشرق الأوسط والمغرب العربي وزارة الخارجية الفرنسية، وعبروا من خلال مذكرة مشتركة عن استيائهم وعدم رضاهم عن الموقف الفرنسي المؤيد لإسرائيل، بشكل غير مسبوق في تاريخ الدبلوماسية الفرنسية تجاه العالم العربي، مؤكدين أن عدم الثقة في فرنسا يتعمق في العالم العربي ويمكن أن يستمر طويلا وهو ما يتناقض مع تموقع ومواقف فرنسا تاريخيا التي كان يطبعها التوازن.
    لقد وصل التدبير السيء لإدارة ماكرون حد تذكير كتاب تلك المذكرة بتهديد أحد السفراء الفرنسيين العاملين في المنطقة بالقتل. وهكذا يضاف الإخفاق الماكروني في الحرب على غزة إلى إخفاقاته في إفريقيا سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا وتجاريا.
    إن المسار الانحداري لسياسات ماكرون مستمر والنزيف متواصل وصار عابرا للقارات ولا يمكن إيقافه إلا بتغيير هذه السياسات وصناعها والعودة إلى الرشد والحكمة المعهودين في ساكن الإليزيه عوض ملء المنصب بمن لا تزال الخفة سمة غالبة على تفاعله مع قضايا كبيرة والتسرع هو طبعه في كل شيء.
    يقارن هذه الأيام حال مؤسساتهم التي فقدت هيبتها وحكمتها مع حال إسبانيا التي صارت تحتل مكانة أفضل منها ويطبع سلوكها التوازن وخدمة مصالح الإسبان والوضوح مع الجيران فيأسفون على ماضيهم يوم كان لرؤساء فرنسا وضعا اعتباريا عالميا.
    موعدنا في بوح قادم.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    ارتفاع مؤشر ثقة المواطنين تجاه المؤسسات الأمنية والشعور بالأمن بالمغرب