الوجه الآخر لبعض القوافل الطبية نصب واحتيال واستغلال ومتاجرة..

الوجه الآخر لبعض القوافل الطبية نصب واحتيال واستغلال ومتاجرة..

A- A+
  • تنظـم العديد من جمعيات المجتمع المدني قـوافل طبیة بــ”المجان”، لفائدة سكان الجماعات القروية والحضرية على حد سواء، والمؤسسات النظامية وغير النظامية في كل ربوع المملكة، وغالبا ما تكون هذه القوافل بدافع ”ربحي” وتغلف بكل ما هو ”خيري”، أو بهدف سياسي لكسب تعاطف المواطنين، ومن ثم جلب الأصوات من ”حرايفية وسماسرة الانتخابات” للمنتخب الذي لا تهمه صحة المواطن أو سلامته، وقد يشتري مقعده المُريح بقبة البرلمان أو مجالس الجماعات والجهات بثمن بخس يدفعه لـ”حرايفية القوافل الطبية”، ولوعلى ظهر صحة المواطن الذي لا حول له ولا قوة، ويرى بصيص الأمل في علاجه عن طريق قافلة طبية عنوانها العريض بـ”المجان” في حيه أو الجماعة الأقرب إليه، ولاسيما أن الوضع الصحي مزري بمستشفيات الدولة.

    وأثارت إحدى الجمعيات الوطنية تنشط في هذا المجال الانتباه، بعد تنظيمها لعدد من ”القوافل الطبية”، لطرح تساؤلات كثيرة حول إمكانية استغلال هذا الإطار الجمعوي ”التطوعي” للحالات الاجتماعية قصد أهداف ربحية محضة، وهو ما وقفت عليه ”شوف تيفي” من خلال تواصلها مع العديد من فعاليات المجتمع المدني في الموضوع، حيث رصدت جمعیات محلیة بجهة فاس مكناس، على سبيل المثال لا الحصر، وأخرى وطنیة معروفة، لها صفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ”فيسبوك” تتشدق في كل وقت وحين بأعمالها الخيرية وتنشر صور المستفيدين من خدماتها، وفيديوهات إعلانية كثيرا ما تلقى استحسان المعلقين و”البارطاج” من رواد ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.

  • وتظهر تلك الجمعيات المدنية بخلفيات وألوان سياسية ونقابية مختلفة، وهي تجول وتصول في كل المدن والقرى المغربية لتمتھن النصب والاحتیال باسم العمل الجمعوي الخيري، وتتستر بـ”التطوع وفعل الخير”، وهي غالبا ما تلجأ إلى التحايل واستغلال الجانب النفسي والاقتصادي للمعوزين والمحرومين والفقراء من أجل استدراجهم إلى شباكها، ويحدث هذا في تخصصات أمراض ”العيون والنظارات وداء السكري”، وتوزيع الكراسي المتحركة والعكاكيز لذوي الاحتياجات الخاصة، وإجراء الكشف والفحوصات عن أمراض أخرى كالالتهاب الكبدي وورم العيون، بغرض التنقيب عن المرضى ”الضحايا والزبناء” حتى ولو كانوا منخرطين في التعاضديات، والهدف من هذا الكشف هو إضافة أرقام أخرى إلى عدد المرضى الذين يستعملون الدواء الذي كان يحتكره أحد المختبرات الدولية بالسوق المغربية، والنفخ من عدد المستفيدين والمستفيدات من هذه الفحوصات حتى ترفع من حجم الخدمة الاجتماعية والطبية أمام المراكز والمؤسسات الوطنية الدولية الداعمة لمثل هذه المبادرات.

    وحسب المعلومات التي تتوفر عليها ”شوف تيفي”، فإن هـذه القوافل الطبیة ”المزورة” لا تضم أي طبیب ما عدا أطباء متدربين أو أشخاص لاعلاقة لهم بمهنة الطب لا من قريب ولا من بعيد، وتفرض مقابلا ماليا نظیر جمیع الخدمات التي تُعلن عنھا أنھا ستكون مجانیة كـ: تخطیط القلب 130 درھما، النظارات 200 درھم، تحلیلات البولة 15 درھما، قیاس السكر 15 درھما، قیاس الضغط 10 دراھم، الاستشارة الطبیة 50 درھما…”، أو تستفيد من مستشاري ورؤساء جماعات وبرلمانيين في كل جماعة يستهدفونها على أساس أن يلتقط ”الفاعل السياسي” الذي يترشح بذات المنطقة صورا وسط هؤلاء المستفيدين المحرومين من إحسانه إليهم، وتلميع صورته الاجتماعية والسياسية، ليس حبا في سواد عيون هؤلاء المحرومين بل حبا في المقعد المحلي والجماعي ولما لا حتى البرلماني.

    والغریب في الأمر،أن وصفة الأدویة التي تسلم للمواطنین من طرف بعض ”حرايفية القوافل الطبية” لا تحمل أي طابع أو خاتم للطبیب المختص أو الجھة التي تسلم الوصفة تھربا من أي مسؤولیة قد تترتب عن تعریض صحة المرضى للخطر، أوتتبنى فحوصات طبية لا توجد حتى في المستشفيات المغربية الرسمية.

    وأمام ھذا الاستغلال والمتاجرة بمآسي المواطنين، ربطت ”شوف تيفي” الاتصال بمسؤولين في وزارة الصحة إلا أنهم تحفظوا عن الحديث في الموضوع مع إقرارهم بوجود الظاهرة وتفشيها بشكل واسع في كل الجهات والأقاليم، حيث صرح أحدهم قـائلا: ”هناك أشخاص يتعاونون مع بعض الجمعيات الخيرية ويمكنوها من دعم يقدر بالملايين وتجهيزات لأجل الاسترزاق والمتاجرة والمسؤولية على عاتق المناديب بالدرجة الأولى”، مما يؤكد أن هناك ”لوبي” يستفيد من الوضع ومتغلغل في دوائر القرار، بما في ذلك وزارة الصحة التي من المفروض ألا ترخص لأي جهة مهما كانت، ما لم تلتزم بالشروط والضوابط القانونية، ولاسيما أن القوافل الطبية التي تنظمها الجمعيات المدنية، عليها أن تخضع لضوابط قانونية صارمة، وعلى رأسها الالتزام بمبدأ المجانية، كما يؤكد على ذلك القانون، وكل مخالفة لهذا الشرط يعرض الجهة المعنية للمساءلة القضائية، وهو ما لم يتم مع جمعيات جعلت من ”القوافل الطبية” تجارة ضخت بها الملاييير من السنتيمات في ميزانيتها وبطرق غير مشروعة تستوجب افتحاص ماليتها من الجهات المسؤولة، وهو ما يجعلنا نتساءل ما الذي يجعل الفقراء والمعوزين يتوافدون كالصيد الوفير على هذه الجمعيات؟ ومن يستفيد من هذا الوضع غير القانوني؟ ومن المسؤول عن غياب محاسبة جمعيات تخرق القانون؟

    يـذكر أن العدید ممن یمتھنون القوافل الطبیة المزورة یشتغلون تحت الغطاء الجمعوي للنصب على المواطنین، خصوصا في البوادي وفي الأحیاء الحضریة المھمشة، مما یضع السلطات والجهات المسؤولة المعنية، ولاسيما وزارة الصحة، أمام مسؤولیاتھا في السماح لمثل ھذه الممارسات أن تعبث بصحة البسطاء من المواطنین في غیاب إشراف طبي حقیقي، وفي ظل البيروقراطية التي تعرفها مستشفياتنا والمواعيد الفلكية التي قد لا تصل إلا بعد أن يتوفى الله المريض أو يتفاقم مرضه، ما يتسبب في لجوء المرضى إلى الجمعيات التي ترحب بهم، ومن ثم ترك المواطنين عرضة للابتزاز المادي من طرف من یحترفون الاغتناء اللامشروع عن طریق القوافل الطبیة المزورة.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الدولة الاجتماعية:المدير العام لمنظمة العمل الدولية يحتفل بعيد الشغل مع العمال