بوح الأحد : يحيا الملك، يحيا الوطن، قادرون على تجاوز المحن و لن نستجدي أحدا

بوح الأحد : يحيا الملك، يحيا الوطن، قادرون على تجاوز المحن و لن نستجدي أحدا

A- A+
  • بوح الأحد : يحيا الملك، يحيا الوطن، قادرون على تجاوز المحن و لن نستجدي أحدا، السعار يصيب الإعلام الفرنسي و نهاية إمكانية عودة العلاقات المغربية الفرنسية إلى طبيعتها بعد ” تبرهيش ” ماكرون و أشياء أخرى

    أبو وائل الريفي
    كثيرا ما تُخرج المعاناة أجمل ما في الشعوب، وتكون لحظات المآسي فرصة لاكتشاف طبيعة الوشائج التي تربط بين النسيج المجتمعي لكل دولة. وكعادتهم، أبهر المغاربة العالم بحسهم التكافلي ومبادراتهم العفوية وصبرهم وسرعة تفاعلهم. تأكد العالم أن المغاربة شعب مؤمن بقدر الله ينفق مما عنده ومما يحب ويوثر على نفسه ولو كان به خصاصة. طوابير المتبرعين بالدم في صفوف لا يُعرف لها أول من آخر وفي أماكن عدة، وتبرعات عفوية من كل مناطق المغرب تجمع لترسل للساكنة الأكثر تضررا من الزلزال الذي بلغت درجته مستوى غير مسبوق في المغرب وفي لحظة زمنية من شأنها أن تربك الجميع. ستبقى صور التآزر وملاحم التكافل ومبادرات التضامن عالقة في الأذهان وشاهدة على عظمة الشعب المغربي ومؤرخة لما يدل على أن الأمة المغربية قادرة على استيعاب كل الأزمات وتحويلها إلى فرص بقلوب مؤمنة بقضاء الله ونفوس مطمئنة لقدره وسواعد نشيطة كانت في مستوى اللحظة. رحم الله من قضى شهيدا في هذا الزلزال وشفا الله الجرحى وحفظ الجميع.
    اكتشف العالم قدرة الدولة المغربية على استيعاب أثر الزلزال رغم حجمه وخطورته ووعورة تضاريس المناطق المتضررة منه وخطر استمرار الهزات الزلزالية. ظلت الدولة ثابتة ولم تتصرف بتسرع وارتباك، بل تفاعلت مع الحدث بعقلنة لأن لديها خبرة من كوارث سابقة مثل زلزال الحسيمة وتجربة نتيجة مشاركتها في جهود الإغاثة في دول كثيرة. اتضح أن المغرب لن يشكو من نقص في المواد الغذائية أو اللوجستيك اللازم لإيواء المتضررين، بل أرسل في عز المعاناة المساعدة لليبيا لأنها تستحق كذلك المؤازرة.
    يمر التعامل مع الزلزال بمراحل أصعبها لحظة وقوعه وما تتطلبه من استيعاب الوضع وجمع المعطيات وتجنب الارتباك وسرعة التفاعل والتخفيف من هول الصدمة ونشر الطمأنينة، وهو ما نجح فيه المغرب بشكل يشهد به العالم الذي تناقل صور الحادث مباشرة بعد وقوعه. يتلو تلك المرحلة الصعبة مرحلة إنقاذ من هم تحت الأنقاض أحياء واستخراج الموتى ودفنهم، ثم إيواء المتضررين بما يتطلبه ذلك من أطعمة وأفرشة وأغطية ومحلات سكنى، ثم إعادة الإعمار. قد يختلف التقييم حول السرعة والفعالية وهو ما عليه حال كل الدول في كل الكوارث في العالم لأن هناك دائما من يطلب أكثر ولا يرضيه الموجود، ولكن هناك إجماع أن الدولة كانت حاضرة وبذلت مجهودا استثنائيا كما يتطلبه الحدث من تفاعل استثنائي.
    يحسب لحماة الجدار أنهم كانوا سباقين للتحرك والتطوع والتبرع والمبادرة والتضحية، وهو واجبهم تجاه بلدهم وذويهم لا يمنون به على أحد، ولكنهم يفعلون ذلك بإقبال المحب لعمله والمستجيب للداعي الإنساني والنداء الوطني وشعور الأخوة المغربية وابتغاء الأجر عند الله وليس فقط من منطلق الواجب المهني. كان الجيش وكل القوات العمومية الأخرى كما عودونا في مقدمة الصفوف وفي وقت مبكر لمواجهة آثار الزلزال ملتحمين مع شرائح الشعب المتضررة. شكرا مرة أخرى لحماة المغرب.
    سارع، مباشرة بعد الزلزال، نساء ورجال الأمن العمومي للتبرع بالدم فبلغ الإقبال حد تغطية ما هو مطلوب من كمية الدم بما جعل مركز تحاقن الدم يؤكد أنه بلغ درجة الاكتفاء بشكل لم يعرفه سابقا. أعطى قطب المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني النموذج لمؤسسة مواطنة متفاعلة حين سارع إلى التبرع بخمسة ملايير للصندوق الخاص بتلقي المساهمات التطوعية التضامنية لتدبير الآثار المترتبة عن الزلزال، وأعطى المثال كذلك باختياره للمساعدة في تغطية الخصاص الآني وسرعة الاستجابة حين فعّل إقامة المخابز المتنقلة المتكاملة التي أمنت حاجيات أعداد كبيرة من المتضررين.
    وكما دائما، كان جلالة الملك حاضرا في كل المراحل برؤيته وحكمته واقتراحاته وتوجيهاته وإشرافه الكامل على وضع مخطط العمل لمواجهة آثار الزلزال. سرعة عقد جلسة العمل، بعد ساعات من حدوث الزلزال، برئاسة الملك وقدرة المؤسسات على جمع المعطيات والمخرجاتُ العملية لجلسة العمل ومسارعة المؤسسات المعنية لتنزيلها في عين المكان والاجتماع التتبعي الذي ترأسه الملك بعد أيام قليلة من جلسة العمل الأولى لتنزيل توصيات البرنامج الاستعجالي بشكل ملموس ومرقم دليل آخر على أن الدولة تفاعلت بسرعة ودون ارتباك ووفق أجندة زمنية لا تقل عن مثيلاتها في كل الدول التي ضربها زلزال مماثل. زيارة جلالة الملك لمراكش رغم وجود خطر ارتدادات هزات زلزالية وأجواء الزيارة والمشاعر التي طبعت لقاءه بالمرضى والطاقم الصحي بمختلف مكوناته والقبول الشعبي الذي لقيه بين المغاربة في عين المكان زرعت مزيدا من الثقة والطمأنينة في نفوس المغاربة والاعتزاز بأن الملك مغربي حتى النخاع ويفضل العمل في صمت على الخطابة ويتدخل بشكل مباشر في الوقت المناسب والحدث المناسب.
    كانت لحظة تبرع الملك بالدم ذات دلالات لا يمكن وصفها لأنها عبرت عن تجاوز تقاسم الألم إلى تضحية بالدم من أجل المغاربة الذين ضحوا من جهتهم بما يملكون لنعبر جميعا من هذه الكارثة بنجاح.
    يتلاحم مرة أخرى الشعب والملك ويتحقق العالم من الطابع الإنساني والاجتماعي والمواطناتي لجلالة الملك كما خبروه منذ توليه الحكم. لم يتغير شخصه ولم تتغير منهجية حكمه وأسلوب إدارته لأنه الملائم لهذه الدولة التي خبرها جلالته أبا عن جد ورضيها المغاربة منذ قرون وتحفظ للمغرب عمل مؤسساته كل في إطار اختصاصاته بتناغم وتعاون.
    كان منتظرا أن لا ترضي هذه المشاهد بعض الجهات التي استفزها تلاحم الدولة والشعب وعدم ارتباك الدولة وعدم سخط الشعب على مؤسساته. راهنت هذه الجهات على أن الزلزال هو أنسب فرصة لإظهار أن الدولة ضعيفة أو عاجزة أو غائبة أو فاشلة، وأن طريقة تدبيرها خاطئة، وأن الحل في الالتجاء إلى خدماتها وتسول مساعداتها هي دون غيرها وكأنها وحدها القادرة على ذلك.
    فجأة تجاهلت فرنسا الماكرونية إخفاقاتها في افريقيا وغضت الطرف عن مشاكلها الداخلية التي تقتضي أن تكون في أولويات جدول عملها وموضوع نقاش عمومي في فضاءاتها العمومية والخاصة لتصدر الدولة العميقة تعليماتها التي لا راد لها للمنابر الدعائية لصرف النظر عن تلك المواضيع الحارقة وإلهاء الفرنسيين عنها وإقناعهم أنهم شعب مستهدف بدون مبرر وأنهم موضوع كراهية مجانية. خصصت الماكينة الدعائية ساعات البث لزلزال المغرب بطريقة ماكرة لا علاقة لها بالعمل الصحافي. وكعادتها، لم تحسن تلك المحطات الدعائية أداء الوظيفة بل فضحت الحقد الذي تكنه فرنسا الماكرونية للمغرب إلى درجة سمحت فيها بعض القنوات لأصوات متطرفة تطالب بإعادة الاستعمار للمنطقة، وهو ليس صوتا نشازا أو معزولا أو زلة لسان ولكنها رغبة دفينة تراود “الاستعماريين الجدد” بإعادة احتلال المغرب. ما سر هذا السعار الذي أصاب فرنسا؟ ما سبب هذه اللامهنية التي خيمت على المنابر الفرنسية؟ ما هي خلفيات هذا الإصرار على فرض الذات على المغرب؟ أليس كل هذا امتدادا لحملات سابقة كما عشناها في فرية بيغاسوس؟ أليس هو نفس الأسلوب؟
    تظن الدولة العميقة في فرنسا أن نجاح المغرب في تجاوز هذه الكارثة يعني نهاية حلم إخضاع المغرب وانكشاف أكذوبة حاجة الدول الإفريقية لفرنسا. لذلك رأت أنه يلزم أن تحشر نفسها بالقوة في الميدان لتنسب إليها النجاح وتتخذه مثالا للحاجة إليها.
    ظنت الدولة العميقة أن المناسبة سانحة لتفرض على الملك كيف يحكم المغرب وتفرض على المغاربة كيف يحكمون لأن مقاربتها الكولونيالية تؤمن بأن زمن الوصاية ما زال قائما.
    أضاف ماكرون إلى فشله الرئاسي فشلا آخر. أظهر ماكرون أنه ممثل فاشل وشخص حاقد ولا يتوفر على أدنى ما تتطلبه اللباقة في مثل هذه الظروف حين تحدث بنبرة استعلائية ليعبر عن استعداد فرنسا لمساعدة المغرب والجهود التي يمكن أن تبذلها من أجل المغرب في العالم ولكنه ينتظر طلبا من المغرب عبر اتصال. فضح ماكرون الحقيقة التي كثيرا ما أشرت إليها في هذا البوح. ماكرون توسل في أكثر من مرة اتصالا من الملك وطلب أكثر من مرة زيارة المغرب ولكن بدون رد من المغرب وملكه لأن الزيارة يجب أن تكون تتويجا لمبادرات حقيقية تبين فيها فرنسا فعليا أنها صديقة للمغرب وتقف إلى جانبه وفق ما يتطلبه كل ظرف كما هو الحال بالنسبة للأصدقاء الحقيقيين للمغرب، والتواصلُ مع الملك ليس تزجية وقت أو لغو حديث أو فرصة يوظفها ماكرون في صراعاته داخل بلده للاستقواء بها على منافسيه. يبرمج جلالة الملك اتصالاته وجلساته وزياراته بناء على ما ستحققه للمغرب من مصالح وليس خدمة لمصالح الغير تجاه منافسيه أو لتبييض سجل إخفاقاته.
    هل تقبل دولة على نفسها أن يخاطب رئيس دولة أخرى شعبها مباشرة وبدون استئذان مؤسساتها في شأن خلافي؟ ألا يعيدنا هذا إلى زمن الحرب الباردة؟ هل ترضى فرنسا والشعب الفرنسي ذلك؟ ألا يعتبر خطاب ماكرون بتلك الطريقة وفي ذلك التوقيت تحريضا للمغاربة واستثارة لعواطفهم ضد دولتهم؟
    شكْل ماكرون ونبرة خطابه ومضمون كلامه وطبيعة حركاته يؤكدون أنه كان في حالة هستيرية فقد معها أقل ما يطلب في هذه المناسبات. الخطاب كان آخر محاولة لحشر نفسه في أمر سيادي لا علاقة له به ويريد استغلاله لإظهار نجاحه وكسر موجة الخسائر التي يحصدها. والحمد لله أن المغاربة كانوا أذكى منه، ولعل طاقمه أوصل له ردود الفعل المستنكرة والمستهجنة له والرفض القاطع لمساعدته.
    كان على ماكرون أن يملأ في خطابه الفراغات التي تركها لأن ملأها خطوة مهمة لتحديد المسؤوليات عمن بدأ البوليميك وروج له. هل عند المغرب، وهو في عز مواجهة الكارثة، وقت لهذا البوليميك؟ من سخر الإعلام المأجور لهذا البوليميك؟
    لم يكن الأمر يحتاج لذكاء خارق من الرأي العام العالمي ليعرف انتهازية فرنسا وتجارتها بمآسي الشعوب، ولكن ماكرون الفاقد لتوازنه أعطى أكثر من دليل على ذلك وهو يتحدث عن خبرة فرنسا واستعدادها لتقديم المساعدة “الثقافية” للمغاربة. أليس في الحديث عن هذا النوع من المساعدة انتهازية؟ ألا يؤكد هذا التخصيص لهذا النوع من المساعدة الركوب على الكوارث لتسويق نموذج فرنسي فاشل تتضرر منه فئات واسعة داخل فرنسا؟ هذا هو هاجس فرنسا دائما. إنه تكريس قيمها والتبعية لها.
    لقد تعامل المغرب بعقلنة وأدب مع طلبات المساعدات التي تلقاها من عشرات الدول، حيث شكر الجهات التي تقدمت بطلب المساعدة ولم يرفضها ولكنه ارتأى دراستها حسب حاجياته ووفق كل مرحلة من مراحل مواجهة الكارثة وكلُّ المساعدات مبرمجة حسب الظرف والحاجة. هذا أمر سيادي وهذه هي الطريقة التي تتصرف بها كل الدول في هذه المناسبات. للمغرب تجارب سابقة في مثل هذه الظروف حيث يصبح كثرة المتدخلين وعدم انتقاء المساعدات وفق الحاجيات والظرفية عائقا للتصدي للكوارث. ما الذي أثار فرنسا في هذه المعالجة لطلبات المساعدة؟ لماذا لم تحتج دول أخرى عوملت بنفس الطريقة؟ لماذا هذا الإصرار على نشر الكذب بترويج عبارة الرفض وليس الشكر وانتظار برمجتها وفق الحاجة مثل غيرها؟
    اتسم العرض الفرنسي للمساعدة بعيوب كبيرة شكلا ومضمونا وسياقا.
    الطريقة الماكرونية المتعجرفة التي تم بها عرض المساعدة ومحاولة تركيع المغرب مرفوضة، والأسلوب الانتقائي الذي تحدثت به وزيرة خارجيتها كاترين كولونا مرفوض حين تعهدت بتقديم مساعدة لمنظمات غير حكومية تشارك في عمليات إغاثة متضرري الزلزال بالمغرب لأن هذا يعني أنها تبحث عن مخاطبين وتشجع جهات ضد أخرى والحال أن المساعدات في مثل هذه المناسبات شكلت دائما مصدر تشويش على الشعوب ومصدر تهديد لسيادة الدول، وإرفاق العرض بحملة تشهيرية ضد المغرب دون مراعاة انعكاسات ذلك على الموسم السياحي مرفوض لأنه كمن يدس السم في الدسم، وقمة الدناءة هي استغلال مأساة إنسانية للابتزاز والانتقام وهذا ما لن يسمح به المغرب ولن يرضى به الملك مهما كان حجم مساعدات فرنسا لأن عزة المغرب وكرامة المغاربة خط أحمر.
    محاولة إثارة المغاربة بأفكار غير صحيحة غير مقبول، ولا يمكن تصديق أنها أخطاء غير مقصودة لأن الإصرار على تكرار أسطوانة تأخر التدخل الملكي، وكثرة أسفار الملك، وغيابه عن الميدان يراد بها التشويش والإثارة وصناعة أجواء التمرد. لا يمكن لجهات خارجية أن تفرض على المغرب كيف يتعامل، وغير صحيح أن الدولة تأخرت وإن كان الأمر محط اختلاف في التقدير فيلزم أن يعبر عنه بشكل متناسب مع نسبيته لأن جلسة العمل التي ترأسها الملك عقدت في وقت مناسب جدا هو اللازم لاكتمال المعطيات وتحديد الخطوات ولذلك فمن يرى مخرجات الاجتماع سيجد أنها كانت برنامج عمل مبني على معطيات الميدان التي لا يمكن تجميعها إلا بعد وقت حتى لا يكون الاجتماع هدفا لذاته، ومن تابع توصيات الجلسة الأولى لتنزيل البرنامج الاستعجالي سيفهم أن الصورة واضحة والأولويات محددة وحتى طريقة التعامل ومبالغ التعويض تم تقديرها وهذا لن يتأتى في هذا الظرف الوجيز إلا لمن تفاعل مبكرا وبطريقة عقلانية وبدون توقف.
    لا يمكن قبول لعبة تقاسم الأدوار لأنها كانت مفضوحة. تعبر الدولة عن الرغبة في المساعدة وتتحدث عبر خارجيتها عن عدم رفض المغرب لها ولكنها بالمقابل تطلق العنان لماكينتها الدعائية لاستعمال عبارة رفض المغرب. من نصدق إذن؟ من روج للبوليميك في تلك المنابر رغم أن وزيرة الخارجية الفرنسية قالت بأن “المغرب بلد ذو سيادة ويعود له أن ينظم عمليات الإغاثة”، وأنه لم يرفض أي مساعدة فرنسية، وأنه “الوحيد القادر على تحديد حاجاته والوتيرة التي يرغب في أن يتم عبرها توفير هذه الحاجات”. إنه نوع من الازدواجية، العصا والجزرة، التي ألفتها فرنسا لإخضاع الدول في مثل هذه المناسبات.
    اتضح جليا أن جزءا غير يسير من الإعلام الفرنسي مجردُ منفذ لأجندات الدولة العميقة من خلال الطريقة الخبيثة للتغطية باستهداف الملك ورموز الدولة ومحاولة الإقناع بأن الأمور أفلتت من الدولة، ومن خلال نشر المغالطات، ومن خلال العناوين الخبيثة التي تصدرت الصفحات الأولى للصحف والأسئلة الملغومة للصحافيين. كان الأولى للإعلام الفرنسي أن يبحث بشكل محايد في الأسباب التي تجعل تقييم العروض يفرز عدم اختيار العرض الفرنسي وسيفهمون أنه لم يقدم قيمة مضافة وكانت العروض الأخرى أفضل منه ويكون الحدث حينها مناسبة لتخصيص النقاش حول ما يهم فرنسا والفرنسيين بهذا الخصوص.
    من أهم ما استفاده المغاربة من هذا البوليميك أن المغرب قابل “التنقاز” الفرنسي باللباقة والحكمة و”الصواب” ولم ينجر الملك ومؤسسات الدولة لهذا المستنقع لأن الوقت وقت عمل وسيأتي زمن الحساب. اكتشف المغاربة أن عروض المساعدة تخضع من طرف المغرب لدراسة وتمحيص قبل قبولها، شأنه في ذلك شأن أي دولة تعرضت لكارثة إنسانية، وأن للمغرب أصدقاء أوفياء كانوا في مستوى هذه اللحظة وأن هناك من يريد الانتعاش في هذه المآسي بدون مجهود وينشر صورا للتباهي لأنه يظن أنه بهذه الطريقة يتداوى من أوهامه وأمراضه.
    في العادة، لا تكتفي الدولة العميقة في فرنسا بجهازها الإعلامي، وتستعين بأدوات تنفيذ في الميدان. لها طابورها الاحتياطي المستعد لمثل هذه الطوارئ. هؤلاء الطوابرية اتفقوا في الغرف المظلمة في الساعات الأولى بعد الزلزال ودون معرفة حجمه وتداعياته على خطة العمل والدفوعات الجاهزة مثل تأخر في التدخل ونقص في المواد ومعاناة الناس وغياب الدولة كما روج لذلك المعطي الفرنسي، وليقنعوا المغاربة بذلك كانت مهمة فؤاد الجبان نشر ما تبثه وسائل الإعلام التي ترضي مرضه، وتخصص بعضهم في نشر الأخبار الزائفة والمضللة كما هو حال لمرابط الذي يتابع من “برتوشه” ما ينشر في مواقع التواصل وينشر ما يوافق مزاجه المريض وهواه الحاقد دون تمحيص أو استعمال للشروط المهنية والأخلاقية، وهو ما يبين أنه ليس صحافيا ولكنه ذباب تابع للكابرانات.
    خارج العبارات الجوفاء حول التضامن المبدئي، استغرقت هذه الأبواق كل جهدها ووقتها في التشويش من وراء هواتفها وحواسيبها متناسين أن الوقت وقت عمل. ارتضى الكاميكازات لأنفسهم أن يكونوا أبواقا مأجورة تنشر الصحافة المعادية للمغرب على لسانهم ما يتعففون هم عن التصريح به، وكلفوهم بإعادة تدوير القذارات ونشرها على حيطانهم. لم نسمع من الملياردير زيان بعد عبارات التضامن مساهمة في صندوق الدعم أو مبادرة لتخفيف معاناة المتضررين، ولم نر لجمعية رياضي وغالي أثرا في الميدان وكأن المتضررين ليست لهم حقوق، ولم نر فؤاد “الفاعل الجمعوي” الذي حقق ثروة من المساكين بالقروض الصغرى يقود مبادرة إحسانية لعين المكان. كل هؤلاء فقدوا المغاربة لأنهم اكتفوا بالشماتة والهدم ونشر اليأس. وآخرون رأوا في المناسبة فرصة لإعادة النشاط إلى صفوفهم والعودة لمنطق الاستعراض عوض العمل الاحساني التقي الخفي النقي. ولم يغب الجزائري سمبريرو، أصبح هواه جزائريا وفرنسيا ولا تهمه مصلحة دولته إسبانيا التي يحمل جنسيتها، عن المشهد ونشط في بث الأخبار الزائفة حول غياب تصريحات رسمية متجاهلا النشرات المنتظمة والدقيقة لوزارة الداخلية والتي تنقل كل ما يتعلق بالزلزال.
    شكل الزلزال مناسبة ل”متآمرون بلا حدود” لمعرفة الحرية الإعلامية في المغرب. كل القنوات الأجنبية موجودة وتنقل بحرية ما يحدث دون تدخل. في مثل هذه اللحظات يكون الاختبار الحقيقي لحرية الصحافة. المغرب ظل مفتوحا لكل الإعلام دون شروط ولكن بدون تساهل تجاه التضليل ونشر الأخبار الزائفة التي ينتعش مرضاها والذين يبحثون عن نشرها من أصحاب الأجندات التخريبية. نتمنى أن تستوعب هذه المنظمة الحقيقة وتفهم أن تصنيفها مشوب بعيوب وغير منطقي.
    يسهل تبرير هذا الإصرار الفرنسي حد الاستعداء لقبول المغرب مساعدتها. هم يعرفون أن المغرب سينجح في مهمته وقد جربوا أنه نجح في أزمات أخطر بدونهم مثل كورونا ويعرفون أن هذا يزيد الشعوب تأكيدا أن لا حاجة لها لفرنسا ويعرفون أن فرنسا بدون افريقيا لا مكان لها في عالم المستقبل ولذلك يريدون استغلال كل مناسبة لإظهار الحاجة إليهم. هم يعرفون أن المنطقة جذابة للاستثمار وأنها ستكون بعد إعادة الإعمار منطقة استقطاب سياحي عالمية ويتخوفون على نصيبهم من الكعكة.
    جزائر تبون وشنقريحة كذلك تريد حشر نفسها في الموضوع وفرض مساعدتها قسرا على المغرب. هل يتصور أن المغرب في حاجة إلى مساعدات غدائية من الجزائر؟ ألم يسمع الجزائريون بالنقص المهول في العدس في كلام تبون الأخير؟ أليس الجزائريون أولى به؟ هل للجزائر خبرة في التصدي للأزمات؟ لو كان هذا صحيحا لظهر في مواجهتها للحرائق. هل يقبل المغرب المساعدة فقط ترضية للخواطر؟ هل يصح هذا الآن؟
    عقدة الملكية التي ترافق منذ عقود الكابرانات هي التي أصابتهم بالسعار. هل تحرك تبون إلى مكان الحرائق؟ هل تبرع بالدم؟ هل كان بالفاعلية ذاتها التي تعامل بها المغرب؟ هل نسي العالم استسلامه وهو يتحدث عن الحرائق باعتبارها قضاء وقدرا؟
    المنطق يستدعي أن لا يتم قبول مساعدة من لا يقدم قيمة مضافة للمغرب، والجزائر سبق لها أن رفضت مساعدة المغرب في حرائق غشت 2021 حين عرض عليها إرسال طائرة كنداير. حينها لم تكن الجزائر تتوفر على أي طائرة من هذا النوع اللازم لإطفاء الحرائق ومع ذلك رفضت الطلب ولم يلجأ المغرب للبوليميك لأنه رأى في الموقف قرارا سياديا لدولة من حقها تقييم كل عرض للمساعدة. لذلك كان الأولى بتبون عدم استغلال المناسبة للبوليميك الفارغ ليغطي به عن فشله وعجزه في تدبير الحرائق التي أصابت الجزائر، وعليه أن يسارع بتقديم الحساب أمام الشعب الذي سيرى بعينيه كيف سيعبر المغاربة من كارثة الزلزال ليكونوا أقوى مما كانوا.
    سنعبر هذه الكارثة كما عبرنا سابقاتها، ولن يذلنا أحد بمساعداته، ولن يشككنا أحد في قدرتنا على تدبير الكارثة. ولا مكان في المغرب لمن لا يحترم سيادته ومؤسساته لأنه أرض الأحرار.
    نلتقي في بوح قادم.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي