ملحمة كبرى من قلب الكارثة يخلقها المغاربة

ملحمة كبرى من قلب الكارثة يخلقها المغاربة

A- A+
  •  

    حين كانت تميد الأرض تحت أقدامنا ذلك الجمعة قرابة منتصف الليل، أصبنا جميعا بالهول والفزع، وأخذت أسلاك الهاتف توصلنا بالأحبة والأصدقاء للإطمئنان على أحوالهم، وما أن بدأت الأرقام المهولة تصدمنا بأننا أمام زلزال عنيف، خسفَ دواوير بأكملها، وقتلَ أسرا قضت نحبها داخل الأنقاض في هذا الأطلس الكبير الشامخ، حتى أحسسنا بهول الفاجعة، وشممنا رائحة الموت، ضحايا قضوا تحت أبنية هشة لا تترك للضحايا فرصة للنجاة، إلا من تدخلت رحمة الله التي وسعت كل شيء لإنقاذه..

  • في قلب هذه الفاجعة التي أحزنت المغاربة، وكما في كل الأزمات، برزت قيم وروح جميلة للمغاربة تقدم دروسا للعالم، في صباح اليوم الموالي للزلزال عقد الملك محمد السادس بشكل مستعجل جلسة عمل ضمت كبار رجالات الدولة، ﺧﺻﺻت ﻟﺑﺣث اﻟوﺿﻊ ﻓﻲ أﻋﻘﺎب اﻟزﻟزال المؤلم، اﻟذي ﺧﻠف ﺧﺳﺎﺋر ﺑﺷرية وﻣﺎدية كبيرة ﻓﻲ العديد ﻣن ﺟهات اﻟﻣﻣﻠﻛﺔ، خاصة بإقليم الحوز مركز الزلزال، وبفضل أوامره السامية تحركت وحدات القوات المسلحة الملكية بعتادها ورجالها إلى الأماكن الأكثر تضررا، البلاغ الصادر عن الديوان الملكي يحتاج إلى تأمل، لأنه يعكس سرعة التحرك، وتؤكد حزمة الإجراءات المعلن عنها، فعالية تحرك المؤسسات، استثمار عنصر الزمن، السرعة في تنفيذ القرار، النجاعة في القرب من الساكنة لتلبية حاجياتهم، التقدير العميق لحجم الكارثة ودراية الملك بالحاجيات المستعجلة لضحايا الكارثة الطبيعية، إنها مقومات الدولة الراعية، الدولة الاجتماعية التي يكون قلب قائدها على قلب مواطنيها.. وتعكس أن ها هنا دولة قوية، ومؤسسات واقفة تسهر ليس فقط على ضبط النظام، وإنما في إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتخفيف الأضرار عن الأحياء منهم، ومدهم بأطقم صحية وتأمين الكهرباء وفتح الطرق وتزويدهم بالماء وضمان عودة الخدمات لاستئناف الحياة العادية بسرعة.

    في اللحظة الموالية للزلزال، كانت عناصر السلطات العمومية من الدرك الملكي والوقاية المدنية والقوات المساعدة وعناصر الأمن في قلب الحدث، مهما انهارت البنايات، فإن مؤسسات الدولة ظلت واقفة لتقوم بالواجب الذي يمليه عليها الضمير المهني والروح الوطنية والقيم الحضارية المغربية الأصيلة.. تحرك الأطباء والممرضون، وحتى النقابات التي كانت قد أعلنت عن خوض إضرابات للدفاع عن حقوقها، أجلت احتجاجها وانخرطت في القيام بعمل إنساني نبيل، وأعلنت المصحات الخاصة بالمغرب، عن وضع مصحاتها رهن إشارة وزارة الصحة.. وما خفف من حجم الكارثة هو ما قام به المواطنون المغاربة فرادى وجماعات، من خلال جمعيات المجتمع المدني في كافة ربوع المملكة، من تبرع بالدم، ومن المساهمة في عمليات الإنقاذ أو جمع مواد غذائية وأغطية ومساعدات لفائدة المتضررين في القرى المعزولة.

    قدم رجال السلطة بكل ألوانهم وأصنافهم في الميدان درسا في نكران الذات وفي البدل والعطاء والتضحية ومواجهة المخاطر بلا حدود وبإمكانيات المغرب الذاتية، في منطقة جبلية صعبة، وشعرنا اتجاه المبادرات التضامنية التي قام بها المواطنون عبر كل مدن المملكة بلا استثناء بفخر الانتساب لهذا الوطن، اعترتنا «تبوريشة» الفخر والاعتزاز ونحن في عز الحداد، واختلطت علينا دموع الحزن لموتانا وضحايانا بدموع الفرح لما عبر عنه المغاربة في الميدان، من روح البدل والعطاء وقيم التضامن والتعاون والتضحية من كل الفئات والطبقات الاجتماعية والأجيال نساء ورجالا، إنها روح تامغربيت، لقد كتب المغاربة أجمعين ملحمة ستبقى خالدة في صفحات التاريخ في قلب أكبر زلزال عنيف يخلف آلاف الضحايا والمصابين وما يفوق 150 مليار دولار من الخسائر المادية..

    سيحكي العالم أجمع أن المغاربة يعرفون كيف يحولون الأزمات والكوارث والمصائب إلى نقط قوة للانطلاق والبناء، أن القلب الصادق للمغاربة يختبر في عز المحنة كما عشناه في زلزال الحوز، بورك هذا الوطن بملكه وشعبه ومؤسساته ونسائه ورجاله وبصغاره وبكباره، لقد صنع المغاربة معجزة وطنية سيضرب بها المثل في العالم. فاللهم احفظ
    هذا البلد.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    عالم الزلازل الهولندي يحذر: هزات و زلزال مرتقبة بين 8 و 10 ماي