بوح الأحد :توالي انتكاسات الطابور 5 وأحداث”السعيدية”تكشف حقيقة الانتماء للمغرب

بوح الأحد :توالي انتكاسات الطابور 5 وأحداث”السعيدية”تكشف حقيقة الانتماء للمغرب

A- A+
  • بوح الأحد : توالي انتكاسات الطابور الخامس و أحداث “السعيدية” تكشف حقيقة الانتماء للمغرب، منطقة الساحل ڨيتنام فرنسا الماكرونية، الحرس الثوري الإيراني يتضامن مع زيان و أشياء أخرى.

    أبو وائل الريفي
    خسائر المناهضين للمغرب لا تنتهي، وفضائحهم لا تتوقف، وعزلتهم تشتد. كم هي مثيرة للشفقة تلك المبررات التي يريدون بها إقناع ما تبقى من المغفلين الذين يرون واقعا مغايرا لما يتحدث عنه المغامرون والحالمون الذين اجتمعوا على مائدة متعفنة كلها حقد على المغرب والمغاربة.
    نسب مشاهدة ما يبثونه تتراجع لمستويات مخجلة، والمحتوى يتكرر بطريقة مملة تشعر المتابع باحتقار ذكائه واستغبائه من كثرة ما يتضمنه من مغالطات وأكاذيب ومعاداة لمشاعر المغاربة وقيمهم، والمطالب التي يطالبون بها غير واقعية وغير قانونية، والصراع بين مجموعاتهم على أشده. بأسهم بينهم شديد، يحسبهم، من هو غير مطلع على تفاصيل صراعهم، جميعا ولكن في الحقيقة قلوبُهم شتى، وكل واحد يريد استغلال الآخرين لقضاء مصالحه فقط.
    موضة هذه الأيام هي إلصاق فشلهم في كثرة السينيال الذي تتعرض له صفحاتهم وقنواتهم، وكثافة التعبئة المضادة لهم، وشدة الحرب عليهم، والمراقبة اللصيقة التي تحصي أنفاسهم، والتهديد والوعيد والتضييق الذي أصبحوا ضحية له. وكالعادة يطلقون الكلام على عواهنه دون أدلة مقنعة وهو ما يجعل الأتباع يصابون بالصدمة ويختارون الانسحاب الصامت دون ضجيج حتى أصبح هذا الحلف لا يتجاوز أصابع اليدين من المأجورين وبيادق الأجندات الأجنبية والمهووسين بمرض الزعامة والشهرة والباحثين عن الحصانة من المتابعات القانونية لأنهم ألفوا العيش فوق القانون وإلحاق الضرر بضحاياهم دون حسيب أو رقيب ولا قدرة لهم على الخضوع لأي قانون.
    مقابل هذا الإصرار على عدم الاعتراف بأن ما يعيشونه طبيعي وربيعهم تحول خريفا ومدة صلاحيتهم انتهت وحماتهم تخلوا عنهم، نلاحظ إصرارا غريبا على الاستمرار في الكذب والتضليل والحقد.
    حالة الإفلاس وواقع العزلة وشعور الحقد صار هو الموجه لسلوك كتيبة فري كلشي، ودائرة المستهدفين من طيشهم توسعت لتشمل حتى المغاربة بعد أن كان حقدهم على المخزن فقط. صاروا ينتقمون من المغاربة الذين لم يتجاوبوا مع دعواتهم. كيف يعقل أن يصمت هؤلاء عن جريمة نظام الكابرانات ضد مغاربة عزل؟ كيف يستساغ أن يكونوا محايدين تجاه السلوكات الاستفزازية لهذا النظام ضد المغاربة؟ ألا تعتبر هذه التجاوزات بمثابة “تسخينات” ما قبل الحرب التي يريد الكابرانات الانتعاش فيها؟
    لماذا لم يعلن لمرابط “الريفي” تنديده بجريمة الكابرانات وتضامنه مع ضحايا الاعتداء الغادر رغم أنهما يقتسمان معه الجنسية المغربية والفرنسية؟ لماذا تأخر المعطي الفرنسي عن التضامن مع الضحيتين وحين انفضح أمره وأراد الاستدراك لم يتخل عن حقده والسم الذي يجري في عروقه مجرى الدم؟ لماذا صمت البراح الذي أصابه الخرس في هذه الواقعة كما كان حاله حين صمت عن حرق القرآن الكريم؟
    يقدم المتصابي نفسه دائما فاعلا حقوقيا، ويطلق لسانه فقط ضد المغرب ومصالح المغاربة ولكنه بلع لسانه في واقعة قتل مغربيين من قبل عسكر الجزائر بطريقة غادرة وجبانة. ألا يعرف فؤاد وفريقه المتخصص في جلد المغرب كل أسبوع أن الحق في الحياة هو أسمى حقوق الإنسان وأن من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا؟
    يحسب للمغرب تأنيه وحكمته في التعامل مع هذه القضية لأنه لم يستبق التحقيقات ليعلن مواقف متسرعة دون تبين حقيقة ما حدث فعلا، ولم يفرط في تسييس قضية حقوقية وجريمة إنسانية بامتياز ليسقط فيما يريده الكابرانات. تكلف المجلس الوطني لحقوق الإنسان بإجراء التحقيقات اللازمة حول الحادث وتجميع المعطيات والاستماع للناجي من الاعتداء ولأفراد أسرتي الضحية ومن لا يزال جثمانه موجودا بالجزائر ومراسلة المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بالجزائر من أجل العمل على تمتيع اسماعيل الصنابي الموجود رهن الاعتقال بالجزائر بكافة ضمانات المحاكمة العادلة والعلنية والسماح لملاحظين دوليين بحضورها وضمان سلامته الجسدية والنفسية. لماذا لم نسمع لخديجة رياضي وعبد الحميد أمين وعزيز غالي مواقف مثل هذه؟ لماذا لم يدينوا بشكل رسمي ومبكر هذا الاعتداء على مغاربة عزل؟ لماذا لم يطالبوا بتحقيق دولي محايد حول ملابسات الاعتداء واستعمال الذخيرة الحية وعدم تقديم الإغاثة للضحايا؟ لماذا لم يطالبوا بتأمين المواطن المحتجز هناك؟ هل جمعيتهم تسمى حقا “المغربية” وتهتم بكل المغاربة، أم تتبنى قضايا دون أخرى ومواطنين دون غيرهم؟ أم تنتظر المقابل حتى تنخرط لأنها ألفت العطاء والمنح؟
    تأكدت ورطة العسكر الجزائري بتأخره ستة أيام عن الحادث لينشر بيانا أراده توضيحيا فإذا به أصبح دليل إدانة له. المبررات كانت واهية ودواعي إطلاق الرصاص الحي لم تكن مقنعة والاعتداء على الحق في الحياة لا يمكن البتة تبريره مما يجعل النظام الجزائري برمته أمام المساءلة والكل يترقب خطواته لتصحيح خطيئته وإيقاع العقاب اللازم على من يتحمل مسؤولية إزهاق أرواح بريئة والإفراط في معالجة ما يمكن أن يكون صدر من مواطنين ضلوا الطريق في منطقة يسهل أن يقع فيها هذا الخطأ ولا تستدعي كل هذا العنف الهمجي.
    فرنسا كذلك أمام اختبار حقيقي لمعرفة مدى دفاعها عن مواطنيها الفرنسيين أو تفضيل غاز الكابرانات. فهل ستنتصر لمواطنيها؟ وهل ستباشر تحقيقا مستقلا حول هذه الجريمة؟ وهل ستطالب بمحاسبة المتسببين في مقتل فرنسيين؟
    ستضاف هذه الجريمة إلى جرائم سابقة ارتكبها هذا النظام مثل تهجير آلاف المغاربة قسرا وطرد مزارعي نخيل مغاربة من الواحات الحدودية بدون مبرر. جرائم كلها تؤكد أن نظام الكابرانات يقابل اليد الممدودة للمغرب بتسخين الأجواء وإشعال الفتن ولم يتبق له إلا إعلان الحرب لتبرير فشله وهزائمه المتتالية والتغطية على حالة الانهيار التي تقترب منها دولته كلها بسبب فساد نخبة من النافذين الذين نهبوا كل ثروات البلاد ومنهم من هو مطلوب للمحاكمة بسبب جرائمه التي لن تتقادم.
    وضع هذا الحادث كذلك المنتسبين “للمجتمع المدني”، وأصحاب دعوات التقارب المغاربي، وحملة شعار “خاوة خاوة” أمام الاختبار. ألا تستحق هذه الجريمة التحرك العاجل وحشد التضامن وتوقيع العرائض المنددة بهذا التطور الخطير والذي أصبح يهدد المواطنين العزل؟ أليس هؤلاء مشمولون ب “خاوة خاوة”؟
    ولأن تبون وشنقريحة من خسارة إلى أخرى، ولأن مبادرتهم حول النيجر ولدت ميتة لأنها لم تتضمن الحد الأدنى من مستلزمات الحياد الذي يضفي الثقة على صاحب المبادرة فقد لفظها كل المعنيين بها، ويكفي ما صرح به حسومي مسعودو، وزير الخارجية في حكومة محمد بازوم، حين قال بأن “وجهة نظر الجزائر في وضع النيجر لا تهمهم”، و”الجزائر لم تشارك سابقا في شؤوننا، ونحن دولة عضو في مجموعة دول غرب أفريقيا إيكواس، وهي التي تدير الأزمة حاليا، وليست الجزائر، بالإضافة إلى أنها تنتمي لشمال افريقيا التي لديها طبيعتها الخاصة”. لقد كان هذا التصريح رصاصة قاتلة للمبادرة الجزائرية ومحاولات تبون استغلالها لمزيد من تقوية موقعه.
    لتحقيق انتعاش وهمي، يسعى أنصار الفوضى إلى استعمال تقنية التعسف في تفسير وقائع لا علاقة لها بالمغرب وإسقاطها على مغرب حقق انتقالا سلسا نحو الديمقراطية وأحاطه بكل ما يلزم من تعزيز آلياتها وضمانات استدامتها. يتوهم الحالمون الجدد أن الانقلابات يمكن أن تكون هي الربيع الذي يحلمون به والموجة الجديدة التي بشروا بها منذ فشل ربيعهم. ينسى “المغامرون الجدد” أن من أسباب مآسي القارة الافريقية، بعد الاستعمار ونتائجه، الانقلابات التي لم تتوقف والتي وصل عددها220 وتحتل بها الصدارة بين القارات. هل يمكن للانقلابات أن تكون طريقا إلى الديمقراطية؟ هل يمكن لديمقراطي متشبع بقيم الديمقراطية أن يستبشر بانقلابات عسكرية؟ هل صار المغامرون الجدد يتغاضون عن الوسائل غير الديمقراطية؟ هل هذه هي الأخلاق التي يدافعون عنها؟
    بهذه الأطروحات يتأكد أن “المغامرين الجدد” مستعدون لإحراق كل البلدان والتضحية بالشعوب لإرضاء نزواتهم السلطوية المريضة. المحرك لهؤلاء هو الحقد والدافع هو الفوضى والهدف هو الانتعاش وسط الطفيليات لأنهم لا يطيقون العيش في بيئة نظيفة.
    تستمر الكتيبة الزيانية في حالة شرودها. لا يعي هؤلاء التناقضات التي تحكم ما يصدر عنهم. شوقهم لمن يتضامن معهم يجعلهم يحتفون بتضامن من جمعية إيرانية تابعة للحرس الثوري تجهر بإصدار التضامن مع الشرطة الإيرانية. هل طمست بصيرة كل أنصار الكتيبة ولم يعد لديهم حاسة التمييز؟ هل زيان ضحية الإرهاب أم ضحية مراهقته المتأخرة؟ هل وصلت الهزيمة النفسية بهم حد الاحتفال بأي تضامن ولو من جهة مشبوهة وغير ذات صلة بحقوق الإنسان وتدافع عمن يخرق هذه الحقوق؟
    المطلوب من زيان المحامي، إن ما زال عنده حد أدنى من دراية قانونية وسياسية، وهو الذي يتابع أخبار العالم ويحللها ويحرص على نشر رأيه فيما يجري حوله أن يصحح هذا الخطأ ويتراجع عن هذه الخطيئة وإلا فهو يوافق عليها ويؤكد أنه مستعد لوضع يده في يد أعداء حقوق الإنسان وأعداء المغرب وأعداء كل الدول العربية لاستصدار تضامن لن يقدم أو يؤخر شيئا في ملفه الأخلاقي الجنائي الذي لا علاقة له بالإرهاب.
    يعيد هذا الاحتفال بتضامن الحرس الثوري وبمنظمة متعصبة مذهبيا إلى الأذهان الاحتفال بالجوائز التي منحت لبوعشرين والراضي وسليمان من منظمات غير موجودة إلا بالاسم ودون معرفة المتنافسين عليها ومعايير منحها لفلان دون غيره. هذا مثال آخر على حالة الهزيمة التي يعيشها أصحاب مقاولة فري كلشي.
    تعيد الكتيبة الزيانية أسطوانة مرض زيان الذي يعاني من “آلام حادة على مستوى ظهره وأذنه اليمنى ونقص حاد في السمع”. هل هذه الأمراض تستدعي العفو عنه؟ هل كبر السن عامل للعفو عنه؟ هل هو الشخص نفسه الذي يتابع الأخبار وينشر التحليلات ويتنبأ بالمستقبل؟ هل باستطاعته القيام بكل هذه الأعمال رغم وضعه الصحي “المتدهور” على حد وصف حوارييه؟
    ما يعانيه زيان من أمراض مرده إلى سنه المتقدم فللسن كذلك أحكامه. كان الأولى لزيان احترام شيبته ومقتضيات شيخوخته وتذكر الدعاء النبوي الذي كان يتعوذ فيه النبي من أرذل العمر. ها هو زيان في أرذل العمر لأنه طغى وتجاهل حقيقته وتفاخر بفحولته ولم يجد ناصحا أمينا من أتباعه الذين زينوا له سوء عمله ووسوسوا له بأنه مانديلا زمانه. الأكيد أن هناك مسجونين في وضع صحي أسوأ منه. والسؤال الذي لا يجيب عنه الأتباع رغم رفع التحدي في وجههم أكثر من مرة. هل هناك شيء ممنوع على زيان بينما يتمتع به غيره من السجناء؟ وبالمقابل، ما هي الأشياء التي يتوفر عليها زيان وليست في متناول غيره من السجناء؟ التحدي مرفوع دائما، وننتظر من “نواعري” الكتيبة أن يطلق العنان لقلمه وينور الرأي العام بهذا الخصوص، ويقنع المغاربة بعلاقة زيان بالإرهاب كما هو متعارف عليه في كل الاتفاقيات الدولية، ويشرح سبب الاحتفاء بتضامن منظمة شيعية متعصبة تابعة للحرس الثوري وتدافع عن دواعش وتصنفهم كمعتقلي رأي.
    ومن علامات الإفلاس الذي يعيشه الحالمون الجدد اجترارهم للرواية القديمة التي يتمنون حدوثها، وهي تراجع الإدارة الأمريكية عن الاعتراف بمغربية الصحراء. لقاء نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية جوشوا هاريس مع بن بطوش على هامش زيارة للمنطقة كانت فرصة ثمينة للحالمين الجدد لإعادة حلم مراجعة الإدارة الأمريكية لموقفها من مغربية الصحراء. هذه هي الخفة والتسرع الذي يتعارض مع صفة المحلل التي تتطلب الرزانة والموضوعية. الغريب أن هؤلاء جميعا تعمدوا كعادتهم التركيز على شكل اللقاء وتجاهلوا المضمون مع أنه كان يتضمن رسائل تأديبية وتحذيرية مباشرة لبن بطوش وعصابته.
    زيارة المسؤول الأمريكي زيارة عملية تبين أن قضية الصحراء المغربية صارت تحتل أهمية قصوى في الترتيبات المستقبلية في ظل التحولات التي يعيشها الساحل الإفريقي والتي تتطلب تخفيض كل عوامل التوتر لأنها تنعش الفوضى وينتعش فيها الإرهاب والجريمة والتهريب وتجارة الممنوعات. مضمون الزيارة يبين تأكيد المسؤول الأمريكي على “دعم الولايات المتحدة الكامل للعملية السياسية للصحراء”، وفي هذه العبارة رسالة قوية لعصابات البوليساريو التي تهدد بخرق اتفاق وقف إطلاق النار والعودة للحرب. ركزت كلمة المسؤول الأمريكي على ضرورة “الدعم الكامل لمبعوث الأمم المتحدة الخاص للصحراء الغربية ستيفان دي ميستورا في سعيه لتحقيق حل سياسي دائم” وهذا يتعارض مع التشكيك المتكرر للبوليساريو في حياد مجلس الأمن وتمردها على كل قراراته وتصريحاتها بأنها لا تعنيها ولن تلتزم بها. والأهم من كل ما سبق تأكيد المسؤول الأمريكي على ضرورة “التحلي بروح التسوية والواقعية”، وفي هذه العبارات المنتقاة بدقة ضربة قاصمة لبن بطوش ونظام الكابرانات لعلها توقظهم من أوهام حلول لم تعد تتوفر لها أدنى ضمانات التحقق.
    لنتذكر أن الإدارة الأمريكية حين اعترفت بمغربية الصحراء في الإعلان الثلاثي المشترك وصفت الحكم الذاتي بأنه حل واقعي وجاد وذي مصداقية “تعترف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على كامل إقليم الصحراء الغربية، وتجدد دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي الجاد والواقعي وذو المصداقية، باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع حول جهة الصحراء الغربية”. وهذه هي الصفات الملازمة لتوصيف كل الدول لمبادرة الحكم الذاتي حين تعترف بمغربية الصحراء كما كان حال اسبانيا وألمانيا واليابان وغيرهما.
    قد يكون بن بطوش ثقيل الفهم أو بليدا، وقد يغرر به الكابرانات كعادتهم، ولكن ليكن متأكدا أن المغرب بقدر ما يجنح للسلم فإن له القدرة على التصدي لكل حماقات عصابات البوليساريو كما حصل في الكركرات حين هربوا وتركوا نعالهم شاهدة على جبنهم، أو كما يحصل عند كل تهور لاختراق الحدود الفاصلة. وليس بعيدا عنا مصرع أبا عالي حمودي القيادي “البارز” في العصابة وعضو أمانتها وقائد ما تسميه الناحية العسكرية السادسة رفقة أربعة من مرافقيه في منطقة المحبس الحدودية.
    لهم أن يختاروا ما يشاؤون وحماة الجدار مستعدون للتعامل مع كل الخيارات، والدبلوماسية المغربية قادرة على كشف الحقائق في المنتظم الدولي وفضح كذب وأراجيف العصابة وحاضنتها.
    لو يتجنب “المغامرون” التسرع والخفة يكون أفضل لهم. زيارة المسؤول الأمريكي للرباط كانت مناسبة أخرى لتأكيد الاستمرارية في موقف أمريكا تجاه الصحراء المغربية، حيث تضمن البلاغ الرسمي الذي أصدرته السفارة الأمريكية عقب الاجتماع بأن الولايات المتحدة الأمريكية “تعتبر المخطط المغربي للحكم الذاتي حلا جادا وواقعيا وذا مصداقية”. أليست هذه هي نفس عبارات موقف إدارة ترامب حرفيا؟ يحق صراحة في هؤلاء جميعا الحديث النبوي “إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت”.
    زيارة المسؤول الأمريكي زيارة عمل وهي مضغوطة بالإكراهات التي تعيشها المنطقة وتلقي بظلالها على الحاضر والمستقبل القريب، ولذلك فهي مهمة للغاية ويميزها طابع الصراحة والوضوح تجاه كل أطراف النزاع.
    تتزامن هذه الزيارة مع زيارة أخرى لدي ميستورا للمنطقة بسبب اقتراب انطلاق جلسات مجلس الأمن في الشهر القادم لمناقشة تطورات الملف والنظر في تجديد ولاية المينورسو التي تنتهي أواخر أكتوبر. زيارة دي ميستورا إذن عادية تدخل في إطار ضرورات إعداد التقرير الدوري عن تقدمه في مهمته، وقد أتيحت له مهمة معاينة الوضع على الأرض ولقاء ممثلي ساكنة الصحراء ومشاهدة التحول الذي عرفته المنطقة تنمويا والاستقرار الذي تنعم به، وسيقارن الوضع مع المخيمات المملوءة بالرهائن والمحتجزين الذين تغتني على ظهورهم نخبة فاسدة من عصابة البوليساريو ورعاتهم. وحينها لكل حادث حديث.
    هل أصبحت افريقيا الساحل فيتنام جديدة لفرنسا؟ هذا هو السؤال الذي يطرح هذه الأيام في صالونات النقاش بين الفرنسيين. لعنة افريقيا تصيب فرنسا التي أصبحت قواتها منكسرة ووجودها منحصر وتتنقل من دولة إلى أخرى لتطرد من جديد إلى دولة ثالثة. صارت فرنسا الماكرونية أضحوكة هذه الصالونات.
    أصبح السفير الفرنسي بمثابة مهاجر غير شرعي، أي “حراك”. هذا هو ما صرح به حكام النيجر الجدد. هل هناك بعد هذا الإذلال ذل أكبر؟
    شرعت السلطات الفرنسية في محادثات سرية مع قادة الجيش في النيجر لترتيب سحب كل، أو بعض، قواتها من البلاد ونقلها إلى فرنسا أو إلى تشاد!! هذا يعني أن لا قدرة لفرنسا على الصمود وتصريحاتها في العلن كانت للاستهلاك فقط بينما هي في السر تتفاوض وهذا ما تتقنه إدارة ماكرون التي يسجل عليها أنها تفاوضت مع تنظيمات إرهابية ومنحتها فدية لإطلاق سراح رهائن وفتحت لها منصة فرانس 24 وهي التي تدعي أنها تحارب الإرهاب ولولاها لعم الإرهاب المنطقة ولم تعد دولها بتلك الحدود التي عليها اليوم كما صرح ماكرون بعظمة لسانه. أفعال تناقض الأقوال. هذا هو حال ماكرون.
    بإقدام فرنسا الماكرونية على التفاوض والشروع في الانسحاب الكلي أو الجزئي يتأكد أن فرنسا تستشعر حقيقة أنها في مواجهة شعب غاضب وناقم وساخط وليس في مواجهة قادة عسكريين انقلابيين معزولين عن الشعب، ويتأكد ثانيا أنها كانت كالعادة مخطئة في التقدير وهي تدعم نظاما لا يحظى بدعم شعبي لأنها تبحث فقط عمن يؤمن لها مصالحها، ويتأكد ثالثا أن دول الجوار “الإيكواس” لم يسايروا حماقات ماكرون ولم يوفروا له الغطاء لخوض حرب مدمرة للمنطقة كلها، ويتأكد رابعا أن فرنسا لم تحظ بالدعم الذي كانت تتمناه من شركائها الذين تركوها وحيدة ومعزولة لأنها هي من تتحمل المسؤولية في ما آلت إليه الأوضاع هناك وعليها دفع الثمن وحدها، ويتأكد خامسا أن فرنسا صارت في وضع أضعف تجاه الصين التي صارت تقترح وساطتها بين قادة الانقلاب وفرنسا وهذه ضربة لكل الفرنسيين، ويتأكد سادسا أن ماكرون صار في وضع انتخابي حرج بعد مراكمته للفشل في كل المنطقة وما يفوته على الدولة الفرنسية من فرص، ويتأكد سابعا أن خطاب ماكرون أمام السفراء ولد ميتا ولم يعمر طويلا وخاصة ما يرتبط بنجاح فرنسا في مواجهة الإرهاب. الأكيد اليوم أن المقاربة الفرنسية في محاربة الإرهاب يجب أن تدرس كأفشل التجارب لأنها ركزت على العمليات العسكرية ولم تستحضر الواجهات الأخرى التنموية والثقافية والدينية.
    ألا يستبعد بعد كل هذا أن تكون افريقيا فيتنام ثانية بالنسبة لفرنسا؟ ألا يجب أن نشكر افريقيا لأنها فضحت حقيقة فرنسا الكولونيالية؟ ألا يزال هناك شك أن ولايتي ماكرون كانت كارثية على فرنسا؟
    العنوان الآخر لفشل فرنسا الماكرونية هو استهدافها الممنهج والمتكرر لكل ما هو إسلام تحت مبرر حماية قيم الجمهورية والاعتراض المتزايد الذي يتسع من طرف الفرنسيين المعارضين لهذه الخطوات المتسرعة التي تضيق على الحريات الشخصية وتنتهك حقوق الإنسان. هل يحق لماكرون تفسير قيم الجمهورية على هواه؟ وهل يقبل أن تكون قيم الجمهورية أداة لتقسيم المجتمع الفرنسي بهذا الشكل؟ وهل مقبول أن تمنع قيم الجمهورية ارتداء العباءة بينما تبيح التعامل مع دول الخليج والاستفادة من ثرواتها؟
    الأصل في العلمانية أن تكون الدولة محايدة، لكن يبدو أن النموذج الفرنسي بات في أزمة حقيقية تؤسس لأصولية لا دينية متطرفة. هذا ما يتضح من منع الحجاب ثم العباءة ثم تعقب المتغيبين من التلاميذ في عيد الفطر ثم وضع عقبات في طريق الفرنسيين لعدم تعلم العربية. هذه كلها مؤشرات تؤكد أن ماكرون يسارع الخطى ليهدي فرنسا على طبق من ذهب لليمين المتطرف. وحينها لن ينفع الندم طالما أن عقلاء وحكماء فرنسا صامتين، وطالما أن مؤسسات حماية قيم الجمهورية وتقدير مصالح الدولة مغيبة.
    نلتقي في بوح قادم.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي