بوح الأحد: الجماعة تختار صمت القبور بعد ٱحتضان منبرها الجبهوي لحارق القرآن

بوح الأحد: الجماعة تختار صمت القبور بعد ٱحتضان منبرها الجبهوي لحارق القرآن

A- A+
  • بوح الأحد: الجماعة تختار صمت القبور بعد ٱحتضان منبرها الجبهوي لحارق القرآن، زيان يتوسل الإفراج للعودة لجلسات الإمتاع و المؤانسة، إفريقيا تشق طريقها خارج النفوذ الفرنسي و أشياء أخرى.

    أبو وائل الريفي
    أثرت في بوح الأسبوع الماضي واقعة إقدام الصفحة الحاضنة للهامشيين و”أنشطتهم” على نشر حوار للسويدي حارق القرآن الكريم. لم أرد حينها التفصيل واكتفيت بطرح أسئلة لعل في الإجابة عنها بوضوح من طرف كل المعنيين بهذه الواقعة إغلاق لهذا الملف بما لا يستفز شعور المغاربة. كان المعني الأول بهذه الأسئلة هم فؤاد والمعطي وممثل العدل والإحسان في برنامج “جلد المغرب في أسبوع”. تساءلت حينها هل يوافق الهامشيون على نشر الحوار عبر قناة اختاروا طواعية الظهور من خلالها؟ وهل ستخرج الجماعة مرة أخرى لتبني هؤلاء والدفاع عن سلوكاتهم؟ وهل يزكي ممثل الجماعة هذا السلوك بالصمت أو المكابرة أو التجاهل؟ وهل يرضي ريافة أن تحمل قناة مثل هذه اسمهم؟
    كنت أعلم الجواب مسبقا ولكنني افترضت حسن الظن وإمكانية حصول الخطأ والسهو وغلبت فرضية امتلاك هؤلاء جميعا شجاعة الاعتراف به والعودة عنه إلى الصواب، ولو على الأقل مداراة وعدم معارضة الشعور العام للمغاربة.
    بعدها تم حذف الحوار من الصفحة بدون اعتذار أو حتى تعليق، وبدأت “تابانضيت” المعهودة في النواعرية للبحث عن كيفية الالتفاف على الحقيقة والاستمرار في خداع المغاربة. وبالمقابل، بدأ الغليان وسط الأتباع الياسينيين مما اضطر القيادة إلى البحث عن كيفية التخفيف من الضغط الذي يزيد الجماعة عزلة عن أتباعها قبل المغاربة وهي التي تدعي أنها ضميرهم ولسانهم.
    وجدت الجماعة الخرافية نفسها بين مطرقة الأتباع وسندان النواعرية الذين تحرص على استمرار حبل الوصال معهم فابتدعت وصفة الانحناء للعاصفة بالصمت المطبق عما حدث والانسحاب المؤقت لممثلها احرشان عمر ريثما تهدأ الأمور ويعود لمهمته في اختراق اليسار بحثا عن الجبهة التي تحلم بها الجماعة دون مراعاة حجم التناقضات بينها وبينهم.
    وصفة القيادة العدلاوية وجدت ارتياحا لدى فؤاد المتخوف من انهيار برنامجه ومشروعه كما يحلو له أن يسميه وسط المقربين منه.
    هذه واقعة أخرى كشفت نفاق الجماعة الحريصة على الالتصاق بالطابع الدعوي والإسلامي بينما هي حركة متياسرة تستغل الدين فقط باعتباره زخما شعبيا ومحفزا للجماهير، كما كشفت حقيقة الخلافات والصراعات داخل قيادة الجماعة ومزايدات تيارات داخلها ضد تيارات أخرى، وفضحت سيطرة أقلية على شأن الجماعة والتصرف فيها كما يخدم مصالحها دون مراعاة لمشاعر الأتباع البسطاء ممن صدقوا الشعارات المرفوعة مثل “نحن جماعة تتوب إلى الله وتدعو الناس إلى التوبة” و”نحن جماعة تربية ودعوة” ونحن جماعة الإحسان” ونحن جماعة “محبة الرسول والقرآن”.
    لما احتجت الخارجية المغربية، بتعليمات من أمير المؤمنين محمد السادس، على الدولة السويدية واستدعت القائم بأعمالها بالرباط بسبب سماحها بالاستفزازات المتكررة لمشاعر أكثر من مليار مسلم في العالم لاذت الجماعة بالصمت ثم أخرجت أبواقها لتبخيس هذا الفعل الذي نحت منحاه جل دول العالم الإسلامي بعد ذلك لأن الاحتجاج هو الموقف الذي يليق بهذا الفعل الشنيع. كان المنطق يستدعي من الجماعة التي تدعي أنها تدافع عن الإسلام تثمين هذه الخطوة ومراسلة المتسببين في هذه الاستفزازات للكف عن معاداة الإسلام وبث الكراهية والعنصرية كما تفعل في قضايا أخرى من خلال مكتب علاقاتها الخارجية النشيط فقط في التواصل مع السفارات وممثليها للتحريض على المغرب وتشويه صورته وتبخيس انتصاراته وإنجازاته بتوصية من ممثل نظام الكابرانات في القيادة العدلاوية. في الحقيقة، لم تخيب الجماعة ظن المغاربة فيها لأنهم اعتادوا منها هذا التخاذل في المواقف التي يحتاجونها فيها، وتحكم في موقفها الحقد والعداء للمخزن على الانتصار للحق ومصلحة المغاربة بسبب الحسابات الخاطئة التي تحكم مواقفها دائما. ترى الجماعة دائما أن كل انتصار للمخزن خسارة لها ولا تكثرت لمصالح المغاربة ومصلحة الدعوة التي تدعي زورا الانتماء إليها والإسلام الذي تدعي الدفاع عنه. هنا تكشف الجماعة غربتها عن هذا المغرب وعزلتها عن المغاربة لأن تامغربيت ليست شعارا للمزايدة ولكنها أخلاق وسلوك.
    لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل كلفت الجماعة غلامها بناجح مول الكبوط بالدفاع عن منجب بعد سقطته وهو يلتمس الأعذار لسلوان موميكا ويصب حقده على الدولة المغربية التي كان مقتنعا أنها سحبت من أمثاله البساط بهذا التصرف الحكيم تجاه واقعة تحمل كل معاني العنصرية وعلامات التحريض ضد المسلمين. وكالعادة، اجتهد بناجح في المهمة لأنه أصبح مثل العميل المزدوج الذي يشتغل لمصلحة النواعرية داخل الجماعة.
    المفارقة الغريبة هي حالة التناقض التي طبعت حركة بناجح الفاشل في كل شيء والذي يعيش عالة على الجماعة ويتعيش من أموالها بدون حسيب ولا رقيب. بناجح الذي أصابه إسهال التدوين وهو يتضامن مع المعطي هو نفسه بناجح الذي أحجم عن التضامن مع “أخيه في الجماعة” عمر احرشان وتركه وحيدا بدون سند في مواجهة القصف من طرف الأتباع. هذا مثال آخر يكشف حالة الصراع وسط المربع الضيق لقيادة الجماعة. يتظاهرون أمام العلن أنهم على قلب رجل واحد بينما قلوبهم شتى، وصراعاتهم وتطاحناتهم في الخفاء لا حد لها. لماذا صمت بناجح ولم يتضامن مع احرشان كما فعل مع المعطي؟ أليس السبب في ذلك هوالتنافس بينهما على من يستأثر بتمثيل الجماعة في الإعلام ومع تيارات اليسار المتطرف؟ أليس الرغبة الجامحة لدى بناجح في أن يكون هو ممثل الجماعة في البرنامج الأسبوعي؟ أليس السبب هو تصريف حسابات قديمة تعود إلى زمن الحركة الطلابية؟ لا يمكن لبناجح أن يجيب عن هذه الأسئلة لأنه يعلم مسبقا أنها تفضح حقيقته، وهو كالعادة يتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي بانتهازية وانتقائية وبنظرة عوراء لا ترى إلا ما يخدم أمراضها النفسية وطبيعتها الحاقدة على المغرب.
    لا ينتظر من مول الكبوط إلا مزيدا من الحقد لأن اليأس بلغ به مبلغا لا يمكن لقيادة الجماعة تخيله. فشل بناجح في دراسته ولم ينل الإجازة إلا بالأقدمية وتساهل بعض الأساتذة معه، وفشل في الدراسات العليا رغم توسط قيادة الجماعة له لدى بعض النافذين حينها وقد يأتي الوقت لنفصل في هذا الملف، وفشل مهنيا لأنه بدون كفاءة ويقتصر فقط على أجرة شهرية من الجماعة نظير تدوينات “يقترفها” إرضاء للمساميم في القيادة من أمثال ممثل نظام الكابرانات. شخصية مركبة بهذا الخليط من الفشل واليأس والحقد لا يتصور منها غير هذه الرداءة والخفة والخسة، بل يمكنها أن تبيع حتى الجماعة لمن يدفع أكثر.
    كشفت هذه الواقعة كذلك نفاق احرشان ممثل الجماعة في قناة ريفيزيون وهو يختار الانحناء للعاصفة متظاهرا بالاحتجاج عن بث الحوار الفضيحة بينما هو في الحقيقة يجاري مؤقتا مشاعر المريدين ويتظاهر بالاستجابة لقرار القيادة ولكنه في الحقيقة يحافظ على مهمته في الإعداد للبرنامج لأنه يعلم أنه ركن أساسي في طاقمه الذي أصابه الإنهاك واليأس ويبحث عن تطعيم الفريق بعناصر جديدة لتفادي التوقف والدوران في دائرة مغلقة.
    كشفت هذه الواقعة كذلك حقيقة الوضع داخل الجماعة التي صارت محكومة بقبضة من حديد من طرف تيار “سياسوي” من أصحاب المصالح الشخصية مقابل دور “تبركي” للقيادة التاريخية التي تُختزل اليوم مهمتها في تكرار المتن الياسيني والوعظ والإرشاد دون أن يكون لها أدوار مؤثرة في صناعة القرار داخل الجماعة الذي تختطفه فئة المصلحيين. ويساهم في هذا الأمر انشغال الكثير من القادة التاريخيين بأمراضهم المزمنة ومشاكلهم العائلية وأسفارهم الخاصة.
    لن نجد وصفا لحال الجماعة اليوم سوى “الانتكاسة” و”الخذلان”. تيه إيديولوجي وإفلاس سياسي وفشل كل الرهانات وتقهقر تنظيمي وصراع تيارات وعزوف الأتباع وعزلة مجتمعية وفضائح متتالية وخسارة لكل الرصيد التاريخي ولن ينفع في التغطية على هذا الواقع التظاهرُ بالقوة وادعاء التماسك والتشبث بتحالفات وهمية مع بقايا النواعرية المحسوبين زورا على اليسار.
    مطبلو زيان أعياهم الانتظار، ويئسوا من الرهان على وهم “المرض المزمن”، ومن تأثير مقالات رضى الموقعة باسم لبنى الفرحة بوضع اسمها على ما لا تعي أبعاده. يتوهم أمثال رضى أن لخربشاته وقع وأن بإمكانها أن تضغط على الدولة للإفراج عن زيان الذي ما فتئ يوصل عبر الوسيط رغبته في مغادرة أسوار السجن بأي طريقة. هذه هي رسالة زيان المتكررة والتي ترفض لبنى نشرها من خلال المنشور الميت الذي ورثته عن زيان ويرفض رضى تضمينها في ما “يقترفه” من مقالات “يغرق” بها “الشقف” لزيان كما فعل مع بوعشرين وسليمان.
    على لسان لبنى، يرد رضى على هذا البوح، وكان الأولى به الاستفادة من نصيحته الذهبية. التحدي أمام الكتيبة الزيانية كلها أن تنشر الملف الطبي لزيان وتواريخ معاينته الطبية داخل السجن وما يتوفر عليه من تجهيزات في إقامته السجنية وما يستفيد منه من امتيازات. المغاربة ينتظرون معرفة هذه الحقائق ولهم أن يقارنوها مع أوضاع باقي السجناء ومع ما تضمنه المواثيق الدولية للسجناء من حقوق. ولهم أن يحكموا بعد ذلك. نحن في الانتظار.
    كعادة من ينطبق عليهم مثل “رمتني بدائها وانسلت”، تنعت الكتاتبية لبنى خصومها بالمطبلين وتتناسى ما تقوم به من تطبيل لزيان الذي تريد رفع مقامه إلى درجة نيلسون مانديلا متجاهلة التهم التي هو متابع بها وتكفي وحدها الرأي العام ليصنفه في خانة الشيخ المتصابي الذي يعيش مراهقة متأخرة. عميدة المطبلين هي لبنى وباقي الكتيبة التي تستعين، بأمر من زيان، بكتيبة اليوتوبرز في الخارج للضغط على المغرب ولكنهم يجدون صعوبة للإقناع بعدالة مطلب الإفراج بمبرر السن أو الوضع الصحي لأنها دفوعات فارغة ولأن ملف زيان واضح وتهمه مقززة وماضيه أسود ومهامه القذرة سارت بذكرها الركبان.
    لا يحتاج المغرب إلى التطبيل لأن إنجازاته تتحدث عنه. هل رومانيا امتهنت التطبيل للمغرب وهي تشيد به بعد الإفراج على مواطنها المختطف في بوركينا فاصو منذ 2015 بجهود استخباراتية مغربية؟ هل أوبرا وينفري تطبل للمغرب بعد زيارتها له؟ هل اختيار الأمين العام للأمم المتحدة قضاء عطلته في المغرب وتقاسمه صورا شخصية له في مواقع التواصل الاجتماعي تطبيل للمغرب؟ هل يمكن تصور الدلالة السياسية والضربة التي تلقاها نظام الكابرانات والبوليساريو من اختيار كوتيريس هذا؟ أليس فيه رد على من يدعي من هؤلاء جميعا أن المغرب دولة احتلال؟ هل يعقل أن يقضي أمين عام الأمم المتحدة عطلته في دولة محتلة؟ أليس هذا انتصار آخر لهذا المغرب الذي تكرهه لبنى وغيرها من النواعرية؟ هل يمكن لأمثال المعطي وبناجح ورضى شرح دلالات ذلك؟
    هل سانشيز وعائلته وسيكولين روايال وغيرهم من المشاهير والنجوم يطبلون للمغرب وهم يتقاسمون صور عطلتهم في المغرب على مختلف المواقع؟ قد تختار لبنى وغيرها الجواب السهل عن كل هذه الأسئلة ويبررون هذه الاختيارات بالطابع الخلاب للطبيعة في المغرب ولكنهم حتما يتناسون أن نعمة الاستقرار والأمن والبنيات التحتية والتجهيزات سبب أساس في اختيار هؤلاء للمغرب وجهة للراحة.
    يبحث تبون عن “الشو”، ويريد البقاء في دائرة الضوء لحسابات انتخابية محضة، ولذلك فهو يخترع كعادته كل سنة مونولوغا تحت مسمى اللقاء الإعلامي مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية. وبغض النظر عن معايير اختيار هذه المنابر ومدى تمثيليتها لكل الآراء في معالجة الشأن الجزائري، ومدى الحرية التي تتوفر للصحافيين المحظوظين ل”محاورة” الرئيس، يمكن استخلاص خلاصة وحيدة وهي أن تبون المسكين يتنفس فقط في هذه المناسبة لتفريغ ما في دواخله جراء الصمت المفروض عليه من طرف شنقريحة والكابرانات. ما يزال يحن تبون لزمن الحوارات الطويلة المليئة بالتمطيط والتكرار والاجترار والتبرير والدعاية والتضليل والنفخ. مونولوغ من ساعة و41 دقيقة كان عبارة عن لعبة مصنوعة على المقاس لتبون ومطبوخة أسئلتها مسبقا، ولكنه كان مناسبة للمقارنة بين البلدين والقيادتين.
    يتسول تبون من ماكرون برنامج زيارة يحفظ له ماء الوجه أمام الجزائريين، ويستجدي فرنسا بشأن ذلك بينما يرفض المغرب برمجة زيارة ماكرون للمغرب رغم تسريب شائعات بشأنها في أكثر من مناسبة. ينتظر تبون أن تجود عليه فرنسا ببرنامج من صنعها وتعطيه بعض الفتات ليتباهى به أمام الشعب الجزائري بينما تريدها فرنسا زيارة بروتوكولية سماها تبون “سياحية” وكررها خلال مدة قصيرة ثلاث مرات.
    رغم أهمية موضوع العلاقة مع فرنسا لم يخصص له تبون سوى أقل من دقيقتين كآخر سؤال ليوجه استعطافه المغلف كذبا بالتعالي إلى فرنسا قائلا بأن الزيارة ما تزال قائمة وهي التي كانت مبرمجة في ماي الماضي وأجلت ليونيو ولم يعد هناك حديث عنها بعد ذلك. فضح تبون نفسه وأهان الشعب الجزائري وهو يؤكد أن سبب التأجيل المتكرر هو فرنسا التي لم تحدد برنامج الزيارة وبين أن الندية والتكافؤ والاتفاق المشترك والوضع التشاركي لبرنامج الزيارة غائب عن كواليس هذه الزيارة. هذه صفعة أخرى للجزائريين بعد الإهانات المتوالية من فرنسا للجزائر حين سحب منها ماكرون علانية صفة الأمة وحين استباح سيادتها وهو يهرب مواطنة جزائرية من الأراضي التونسية كانت مطلوبة للعدالة الجزائرية.
    كان المونولوغ الرئاسي مناسبة للاعتراف رسميا بالفشل في مواجهة الحرائق التي تلتهم كل سنة آلاف الهكتارات، وعجز الدولة عن توفير طائرات متخصصة في إطفاء النيران، وكعادته نسبها ل”العصابة” ول”القضاء والقدر”. وشكل هذا اللقاء مناسبة أخرى فضح فيها تبون فشل السياسات المائية للدولة الجزائرية وهو يدعو الجزائريين إلى الصبر والتفهم والتماس العذر للدول حول ندرة المياه طالبا منهم أن يتعاملوا مع الدولة كأم حنون. يحرك تبون العواطف ويلعب بورقة الوطنية للتغطية عن العجز في توفير أبسط حاجيات الجزائريين. ظل تبون يتباهى طيلة الحوار بإنجازات الدولة في السكن وما شابه متناسيا أن المنجز في هذا المجال ضعيف مقارنة مع إمكانيات الدولة الجزائرية ومداخيلها في ولايته الرئاسية التي اتسمت بارتفاع لمداخيل مبيعات المحروقات، ولذلك فالتباهي على الجيران بأمثال هذه الإنجازات لن ينطلي على الجزائريين وهم يرون كل شيء في زمن تتيح فيه الشبكة العنكبوتية الاطلاع على الحقائق.
    تجلت “العقدة التبونية” في هذا المونولوغ من نظام الملكية في المغرب كالعادة في طريقة الخطاب والألفاظ والنبرة المستعملة لإيصال الرسائل. رغم الحرص على تصنع خطاب هادئ بعبارات منتقاة بصعوبة فضحت حقيقة تبون وهو يتحدث بصيغة مبتذلة عن أزمة العدس واللوبيا ويتوعد بعبارات هابطة من يريد إلصاق تهمة نقص هذه المواد به للتهرب من المسؤولية، ولن يجد كالعادة غير شماعة “العصابة” ليلصق بها هذا الإخفاق. هنا يبرز للجزائريين الفرق الكبير بين ملك يحترم شعبه ويصارحه ويتحمل مسؤوليته ويعلن في خطابه البدائل وخارطة الطريق للمستقبل وبين “رئيس” رهينة للكابرانات يمطط الكلام ويشتت الاهتمام ويبرر الفشل. نظام حاكم عاجز رغم إمكانياته عن توفير المواد الغذائية للشعب يستحق تقديم استقالته والاعتذار للشعب وليس اصطناع الأعذار وتشتيت المسؤوليات.
    نقطة الضوء الوحيدة في مونولوغ تبون هي التقاطه الإيجابي لليد الممدودة من المغرب وتكرار جلالة الملك بأن المغرب لن يكون مصدر سوء وشر للجزائريين. يسجل لتبون في هذا اللقاء أنه تراجع عن خطاب الوعيد تجاه المغرب ودق طبول الحرب حين صرح بأن الجزائر “لن تستخدم القوة مع أي من جيرانها مهما كانت الظروف”. هنا رجع تبون للعقل ويبدو أنه تلقى خطاب الملك الذي وصف العلاقات بين البلدين بأنها مستقرة ويحث أن تكون أفضل.
    قد تتعدد الأسباب الدافعة لهذا القول في هذه اللحظة، ولكن يبقى هذا تصرف حكيم لأن الحرب ليست نزهة، ولن تخدم مصالح الجزائريين، ولن يتصور هذا الشعب نفسه يخوض حربا بالوكالة ضد المغرب خدمة لمصالح عصابات البوليساريو التي صارت عبئا عليهم. كلام تبون عن عدم استعمال القوة ضد الجيران كان عاما في سياق خاص، وكان رسالة مقصودة وهي رد على خطاب الملك، وهو رد مختلف عن الردود على الدعوات المغربية في مناسبات سابقة. وهذه نقطة إيجابية.
    ما يحدث في النيجر خطير، وتداعياته لن تقتصر على دول الساحل وحدها، وضرره قد يتعدى القارة الإفريقية كلها لتنال منه الجارة أوربا نصيبا وافرا. تشترك الجزائر مع النيجر في شريط حدودي يفوق الألف كلمتر ونشوب حرب لا قدر الله قد يضاعف النزوح الجماعي داخل الجزائر التي تعاني قبل هذه الأحداث من أعداد من المهاجرين من دول الساحل الإفريقي تقدرها منظمات غير حكومية بحوالي 100 ألف مهاجر. ولعل هذا ما جعل شنقريحة يستفيق هذا الأسبوع من نومه ويصرح خلال زيارة عمل وتفقد إلى الناحية العسكرية الأولى بالبليدة بأن الجزائر مستعدة لمواجهة أي خطر يمس بأمنها مهما كان نوعه وحجمه.
    هنا يبرز حجم الفشل الفرنسي في افريقيا ومخاطر انعكاساته السلبية على أوربا كلها، ولذلك قلنا في أكثر من مناسبة بأن فرنسا الماكرونية صارت عبئا على حلفائها وعلى الشعب الفرنسي. تهور الدولة العميقة في فرنسا وخوفها من خسارة معاقلها قد يؤدي بها إلى ارتكاب حماقات في الساحل الإفريقي تورط كل حلفائها. تضغط فرنسا على الجزائر وغيرها لتشكل حليفا لها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذه المنطقة لحماية مصالحها الاستراتيجية. وهذا اختبار لجميع حلفائها في عالم مفتوح على كل الاحتمالات وقد تكون المواجهة في الساحل الإفريقي مؤشرا على ملامحه المستقبلية كما هو الحال في أوكرانيا كذلك.
    للأسف، فرنسا الماكرونية لا تعي كل هذه الصعوبات وتتجاهل كل العواقب دفاعا عن مصالحها بطريقة خاطئة مما يضعها أمام موجة كراهية شعبية في هذا الساحل الإفريقي وغيره. ما تزال الدولة العميقة تتصور أن منابرها الدعائية المسمومة قادرة على التأثير في شعوب المستعمرات الفرنسية سابقا وتتجاهل أنها لم تعد مصدر إخبار لهذه الشعوب التي انصرفت لمتابعة منصات إعلامية أكثر حيادا ومهنية. ضربة أخرى تلقتها فرانس 24 وإذاعة فرنسا الدولية هذا الأسبوع بعد إقدام سلطات النيجر على وقف بثها.
    تعزل فرنسا نفسها عن شركائها في رابطة الفرنكفونية وتتسبب في متاعب مجانية لحلفائها وترفع منسوب الكراهية لشعبها وتغامر بمستقبلها في هذا النظام العالمي الذي يتشكل من جديد. بالمقابل، أصبحت مؤسسات الدولة متخصصة فقط في إجلاء رعاياها في هذه الدول وسحب قواتها واستعطاف الدعم لخطواتها غير المحسوبة.
    نلتقي في بوح قادم

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي