ضاقت خياراتنا في الصحافة

ضاقت خياراتنا في الصحافة

A- A+
  •  

    في اللحظات المفصلية من التاريخ، تطرح أسئلة حاسمة أشبه بالقطائع المعرفية التي تحدث عنها غاستون باشلار في الابستيمولوجيا، مثل من نحن؟ ماذا نريد؟ أي أفق للعمل؟ اليوم نعيش في مهنة الصحافة ذات اللحظة التاريخية بكل قلقها ومخاضها ودوختها، ولعل سؤال “أي أفق للصحافة الوطنية في ظل المستجدات الحالية؟”، الذي كان محور الندوة المنظمة بالمعهد العالي للصحافة والاتصال بالرباط، يعكس حجم ما وصل إليه المشهد الإعلامي بالمغرب..
    نحن إذن في لحظة مفصلية: أي أفق لصحافتنا؟
    الحقيقة أنه لم تعد أمامنا خيارات كثيرة، هناك خيار من اثنين: إما تكريس العبث في الصحافة وأن نسير بهذه المهنة نحو موتها التدريجي والانتحاري، عبر تزكية الوضع الذي أدى إلى سوء أحوال ما يعتبر مرآة للمجتمع المغربي، بتزكية الريع، وغياب كرامة الصحافي والصراع على المناصب، وقبول وضعية الفوضى ما أنتج مقاولات هشة وبلا مقومات، وإضاعة الدعم العمومي بلا أي إستراتيجية لتقوية المقاولة الإعلامية في ظل الحكامة والشفافية.. وهذا ليس خيارنا في الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، لن نزكي وضع العبث، والاستمرار في ظل قوانين تزكي الوضع القائم وغير المشرف للصحافة الوطنية.
    ثم هناك خيار وقفة مع الذات، لتشخيص كل العيوب والأعطاب التي تشوب الصحافة الوطنية، على المستوى القانوني لا بد من قوانين جديدة تدعم المقاولة الإعلامية وتمنح المجلس الوطني للصحافة صلاحيات أكبر في التبليغ والتنفيذ وتُوسع من مجال تدخله حتى لا يصبح مجرد هيئة لمنح بطاقة الصحافة، والحديث عن التدبير الديمقراطي الحقيقي يتمثل في أن كل الفاعلين في مجال النشر والإعلام عليهم فهم أن التنظيم الذاتي للمهنة يمر من تغيير القوانين القائمة والقطع مع جشع رواد الماضي الإعلامي وإلا سنسقط في نفس المشاكل التي عرقلت انتخاب أجهزته، أما التسارع فقط لاحتلال المناصب فيه فهو إعادة تكرار بليد لذات الأخطاء التي أوصلت الهيئة إلى الباب المسدود، حيث كان التدخل الحكومي على سبيل الإنقاذ حتى ولو كان قاسيا، لأنه يعزز الحفاظ على بقاء مكتسب المجلس الوطني للصحافة، وهذا هو خيارنا الذي ندافع عليه في الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين.
    ألا يستحق المغاربة إعلاما وطنيا بمقاولات قوية قادرة على رفع التحدي والامتداد على المستوى العالمي وليس فقط المحلي، للدفاع عن القضايا الحيوية للمملكة وإخبار الناس بما يدور في مجالهم؟ أليس من حق الصحافيات والصحافيين أن يعيشوا في أجواء مهنية مريحة تحفظ كرامتهم واستقرارهم الاجتماعي وتقف سدا منيعا ضد كل أشكال الفساد والرشوة وشراء الذمم؟ هل يمكن أن تكون لنا صحافة قوية بمقاولات شفافة ومهيكلة بدل الجرائد التي لا توظف إلا مدير نشرها الذي هو مدير ورئيس تحرير وصحافي ومصور وتقني…؟
    إن ادعاء أن الأزمة القائمة اليوم هي بين الحيتان الكبيرة والحيتان الصغرى، هو نقاش مغلوط وكاذب، نحن في الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين مع المقاولة المهيكلة سواء كانت صغرى أو متوسطة أو كبيرة، بل مقاولة شفافة فيها الحد الأدنى من شروط الهيكلة التي تضمن لها النمو والاستمرار وحتى الانتقال من حال أصغر إلى حال أكبر، هذا هو التحدي الذي نرفعه، نحن ضد دكاكين التسول التي تهضم حق الصحافيين في الشغل، وحق الصحافيين في أجر محترم يحفظ كرامتهم ويجعلهم مستقرين في حياتهم الاجتماعية، بدل أن يجدوا أنفسهم في أرذل العمر رفقة أسرهم بلا تقاعد ولا ضمان اجتماعي ولا معاش ولا أي شيء… هذا هو الأفق الوحيد ليكون لنا إعلام يستحقه المغاربة ويكون هو بدوره جديرا بهذا الوطن…أما صحافة التبزنيس بباطرون بورجوازي ومقاولة بئيسة يبدع صاحبها في التقليد وباصطياد الهمزة وترويج الأكاذيب والمغالطات فلا مكان له في الصحافة التي نطمح لها…وبه وجب الإعلام.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الدواجن بالمغرب : إنتاج 782 ألف طن من اللحوم البيضاء و 6.9 مليار بيضة سنويا