بوح الأحد: التقرير السنوي للخارجية الأمريكية ، مغربية الصحراء في صلب المكاسب،

بوح الأحد: التقرير السنوي للخارجية الأمريكية ، مغربية الصحراء في صلب المكاسب،

A- A+
  • بوح الأحد: التقرير السنوي للخارجية الأمريكية ما له و ما عليه، مغربية الصحراء في صلب المكاسب، فرنسا تغازل أمراء الإرهاب الدولي، عودة الجزائر إلى بيت الطاعة الفرنسي و أشياء أخرى

    أبو وائل الريفي
    كما كان منتظرا، لجأ “الحياحة” إلى أسلوب التجاهل تجاه كل ما يهم الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، بينما اختار شركاء مقاولة فري كلشي التطبيل لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية وبما تضمنه حسبهم من خروقات حقوقية في المغرب، ولم يكلف نفسه أحد عقلائهم أن يضع التقرير في إطاره الطبيعي ويبحث عن الجديد والمهم بين ثنايا فقراته.
    وزارة الخارجية الأمريكية جهة سياسية خاضعة للسلطة التنفيذية ومقاربتها لأي موضوع تكون وفق هذه المسلمة التي سيتيه من لا يستحضرها في أخطاء فادحة. هي ليست مؤسسة حقوقية محايدة تشتغل وفق آليات حقوقية متعارف عليها وتستقي معطياتها وفق الطرق المعتبرة حقوقيا وتتفاعل مع الدول المعنية بما جمّعته عنها من معطيات وتنتظر ردودها لإدراجها وتترك لقارئ التقرير الحرية في تبني ملاحظاتها أو تبني أجوبة الدولة المعنية. والحقيقة أنه لا يحق للخارجية الأمريكية سلوك هذا المسلك لأنه تدخل في شؤون سيادية لدول مستقلة وهي غير مخولة لذلك لأن هناك آليات أممية تقوم بهذه المهمة ومؤطر عملها باتفاقيات بشأنها.
    التقرير تقليد سنوي يهدف إلى تمكين صانع القرار في البيت الأبيض من رؤية كاملة ليكون على علم بما يروج في العالم بالنسبة لدولة تتوسع بشكل مبالغ فيه في تقدير حدود أمنها القومي، وهو ينضاف إلى تقارير موضوعاتية أخرى كثيرة تنسج على نفس المنوال مثل تقرير الحرية الدينية وغيره. كان الأولى مقارنة التقرير حول المغرب بنفس التقارير حول دول أخرى، وهو ما لم يتم للأسف من طرف “الحياحة” الذين يحترفون النواح في كل وقت وحين. الإدارة الأمريكية نفسها لا تقوم بهذه المقارنات لأنها ليست هدفا عندها بقدر ما تهدف إلى وضع صورة كاملة أمام الرئيس لاتخاذ القرارات ورسم حدود العلاقات. وهذا التقرير بالضبط ليس إلا عاملا ضمن عوامل أخرى متعددة ستحدد تعامل الإدارة الأمريكية مع غيرها. لذلك لا يمكن فهم مضمون التقرير دون استحضار واقعة وجود وزير الخارجية بوريطة في أمريكا رفقة بلينكن بالتزامن مع صدور التقرير. هذه وحدها تدحض كل الاستنتاجات الخاطئة التي دبجها الحياحة حول هذا التقرير.
    التقرير صادر عن سلطة سياسية وهدفه سياسي وهو نوع من ترضية خواطر تيار “تقدمي” داخل الحزب الديمقراطي الحاكم الذي ساهم بقسط في فوز بايدن والذي كان متوقعا من البداية أنه لن يستطيع الوفاء بكل التزاماته تجاهه، وقد رأينا كيف تتأرجح العلاقة بين التيارين بين السكون المؤقت والتوتر وخاصة ما يرتبط بالقضية الفلسطينية والتضييق على بعض نواب هذا التيار في الكونغرس. غاية هذا النوع من التقارير الإبقاء على نوع من الانسجام الحزبي والوفاء للخط المألوف عن الإدارات الديمقراطية التي تهتم بالأوضاع الحقوقية ولكنها صارت في وضعية متناقضة منذ طفت على السطح نقائص ديمقراطية عدة في الدولة الأمريكية وخروقات حقوقية بالجملة في المجتمع الأمريكي دون حل وأحيانا بحلول ترقيعية لا تضع حدا لانتهاكات حقوقية صارت متكررة. الإدارة الأمريكية غير مؤهلة لإعطاء دروس في الديمقراطية وحقوق الإنسان ليس فقط بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان في مناطق كثيرة من العالم ولكن أساسا بسبب عدم تجاوبها مع اتفاقيات دولية ترفض التصديق عليها وبسبب المؤاخذات على تعاملها السلبي والتمييزي مع كثير من الخروقات الحقوقية داخل الدولة الأمريكية. من يغفل هذه الملاحظة يريد أن يصور البيت الأبيض أستاذ العالم في حقوق الإنسان وملَكا طاهرا غير مدنس بالخطايا الحقوقية، ويضع الإدارة الأمريكية في مرتبة لا تدعيها هي نفسها.
    منهجية صياغة التقرير وطرق استقاء المعلومات وعدم الإلمام بخصوصيات كل دولة وضعف الاطلاع على تشريعاتها وعدم استحضار الأوراش الإصلاحية المفتوحة في الدول المعنية ووتيرة التطور الذي تحرزه كلها نقائص تفرغ التقرير من محتواه الحقوقي وتضعف قوته في الاستدلال به في منتديات دولية حقوقية. والأولى للإدارات الأمريكية تجنب نشر هذه التقارير التي لم يعد بمقدورها تحقيق الأهداف القديمة التي أنشئت من أجلها والاكتفاء بوضعها أمام صانع القرار لتؤخذ بعين الاعتبار كمدخل من مدخلات السياسة الأمريكية تجاه العالم. هذا أقصى ما يمكن للتقرير أن يصل إليه. مضى زمن الهيمنة الأمريكية التي تبتز بها الدول الأخرى بهذا النوع من التقارير أو بتقارير أذرعها الإعلامية والحقوقية والعالم اليوم مفتوح على خيارات أوسع وأقطاب متعددة وإمكانيات أرحب.
    لم يعد بمقدور أمريكا تخويف الدول أو التحكم في أجندتها التشريعية وسياساتها العمومية، ولم تعد الدول بذلك الخوف الذي كان من قبل حيث ترتعد فرائصها وهي تترقب إطلالة هذا النوع من التقارير كل سنة لتتلقى تنقيطا من إدارة العم سام وكأنها الحَكَم العادل المخول بمنح شهادة حسن السلوك.
    يثق المغرب جيدا في خطواته وسياساته ويعي جيدا التطور الذي يعيشه ويعرف نقطة الوصول وخط السير إليها وما يلزمه باستحضار تام للإمكانيات المتاحة والحفاظ على الانتقال الهادئ والمتدرج والواثق. تعي كذلك الإدارة الأمريكية، وكل المؤسسات الدولية، هذا التقدم وصارت على دراية أكبر بنجاح هذا النموذج المغربي في تحقيق التغيير في ظل استمرارية تحافظ على الاستقرار داخل الدولة والمحيط ولا تغامر بقفزات مجنونة في الهواء تكون لها انعكاسات خطيرة تتجاوز الدولة إلى المحيط كله. وقيادات الحزب الديمقراطي يعون هذا الكلام جيدا لأنهم جربوا ذلك في فترة ظنوها ربيعا عربيا ثم اكتشفوا أنه كان الهدوء الذي أتى بعاصفة ما تزال المنطقة العربية تعاني من تداعياتها.
    لا تستحق الكثير من مضامين التقرير التي يعتبرها البعض انتقادات حقوقية للمغرب المناقشة لأنها مهزوزة من أساسها بحكم أنها مواقف سياسية وآراء تحترم بغض النظر عن صحتها أو خطئها. ما يهم المغرب أن كل تلك الوقائع التي عليها ملاحظات الخارجية الأمريكية تمت وفقا لقوانين صادق عليها ممثلو الشعب المغربي ومشهود بتوافقها مع التشريعات الدولية، وكل العقوبات صادرة عن سلطة قضائية تتمتع بالاستقلالية التي تخول لها إصدار الأحكام بدون الخضوع لأي ضغوط من أي جهة كانت وبناء على أدلة مادية ووجه بها المتابعون الذين استفادوا من كل حقوقهم في المحاكمة العادلة كما تكفلها كل الاتفاقيات، وحتى ما يمكن اعتباره خروقات فإن مؤسسات الدولة تباشر فيه تحقيقات بشكل فوري وتصدر فيه القرارات اللازمة ولا يتمتع فيها أي واحد بحصانة ضد العقاب.
    يضخم الحياحة من مفعول هذا النوع من التقارير الروتينية لأن ذلك ينسجم مع عادات اللطم وبروفات الدراما ومهرجان النواح الذي يريدون طبع المغرب به، ولكن سرعان ما يكتشف القارئ انتقائيتهم وحقدهم وتدليسهم. لا يمكن لهذا النوع من التقارير أن يغير من جدول عمل المغرب أو حتى التأثير على ترتيب أولوياته أو التسريع بالإنجازات إرضاء لمدبجيه ودون الأخذ بعين الاعتبار ظروف المغرب وإمكانياته وخصوصياته. الأهم هو أن المغرب انخرط منذ مدة طويلة في مسلسل إصلاحي متدرج والجميع يشهد بنجاحه وتقدمه. الأهم هو أن المغرب قطع مع الانتهاكات الجسيمة وأصبح الكل يتمتع بحقوقه طيلة كل مراحل المحاكمة.
    لم نشاهد أحدا من هؤلاء الحياحة يعترف بخطأ ادعائه سحب إدارة بايدن الاعتراف بمغربية الصحراء. لم يُرد الحياحة الانتباه أن التقرير شمل المغرب بصحرائه وتمت الإشادة بالتقدم الديمقراطي والحقوقي والاجتماعي والاقتصادي المنجز في تلك الرقعة من التراب الوطني. لماذا هذه الانتقائية إذن من طرف هؤلاء؟ ألم يكن من الأجدى تثمين هذا الإنجاز؟ ألا يعتبر هذا مؤشرا على النجاحات الدبلوماسية للمغرب؟ ألا يعتبر ضربة موجعة أخرى للبوليساريو وحاضنتها؟ ألا يمكن اعتباره رسالة للمنتظم الدولي حول هذا النزاع الذي عمر طويلا؟ أين من كانوا يتحدثون عن موقف مختلف للديمقراطيين عن الجمهوريين بخصوص مغربية الصحراء؟
    ربح المغرب رهان الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، ونال الإشادة من العالم كله بخطواته التعميرية والتنموية والديمقراطية في تلك المنطقة، ويحظى مقترحه حول الحكم الذاتي بتقدير المنتظم الدولي كله. وللإشارة فهذا المقترح هو الذي يرفضه البوليساريو ونظام الكابرانات وأنفقوا الغالي والنفيس مما لا طاقة للمغرب به ولكنهم فشلوا في وأده وبقي صامدا ويحظى بالتقدير والإشادة ويتسع عدد الدول والمنظمات التي تراه الحل الأمثل الذي يحافظ لكل الأطراف على مصالحها ويغلق نقطة توتر لا ينتعش فيها إلا الإرهاب والجريمة والتهريب وتجارة البشر والمخدرات.
    مرة أخرى، يكشف الحياحة حقيقتهم المعادية للمغرب وحقدهم على المغرب وتفشل جهودهم لتبخيس إنجازات المغرب لأن حججهم واهية ومنطقهم فاسد وأهدافهم خبيثة.
    وبمناسبة الحديث عن الخبث، فإنه لا يمكن ترك حوار تبون مع خديجة بن قنة على قناة الجزيرة وسط هذا الأسبوع يمر بدون وقفة تأمل في توقيته وأسلوبه ومدى مهنيته والجدوى منه في هذا التوقيت بالذات.
    حوار بدون مناسبة أو هو، إن شئنا الدقة، حوار غيب المناسبة يقدم خدمة إعلانية لتبون لتلميع صورته. حوار أجرته صحافية جزائرية بدت طيلة الحوار بعيدة عن المستوى المطلوب في الصحافي المهني الذي هيأ أسئلته بناء على حاجيات المشاهدين والقضايا المثارة في المجتمع وانتظارات الرأي العام. حوار تجاهل الشأن الداخلي الجزائري حيث استغرق الوقت كله في الحديث عن قضايا دولية فلم يخصص من عمر اللقاء، الذي قارب نصف ساعة، إلا دقيقتين للحديث عن الشأن الجزائري الداخلي.
    بدا تبون مرتبكا ومهزوزا وحريصا على تزيين فترة حكمه بإنجازات ولو اقتضى ذلك الكذب، أو ما يمكن تسميته بالدارجة “السكوبي”، ولو أن تبون أعطاه اسما مهنيا أهداه للجزيرة كأول قناة تنقل عنه “سْكُوبّا” إعلاميا. ادعى تبون أن الجنرال فرانكو سنة 1964 اقترح على الجزائر منحها الصحراء الغربية ولكن الجزائر رفضت، وطبعا لم يعزز ادعاءه هذا بأدلة أو حتى شهادات لمؤرخين مشهود لهم بالنزاهة. طبعا لم تكلف الإعلامية، المكلفة بمهمة تلميع صورة تبون، نفسها عناء مطالبة تبون بما يؤكد هذا السكوب الذي فاق الخيال العلمي واكتفت بالانبهار فقط.
    الحيز الضيق للشأن الداخلي الجزائري استغله تبون لاتهام المعارضة بالعمالة للخارج وتلقي أموال من الخارج وكيل التهم لأمنستي.
    الغريب أن تتجاهل المحاوِرة التعديل الحكومي وأسبابه ودلالاته والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الشعب الجزائري وإخلاف تبون لكل وعوده الرئاسية، وما يتداول من صراع داخل قصر المرادية ورغبة في التخلص من تبون بسبب فشله. والأغرب أن تتجاهل المحاوِرة الكلام المرسل لتبون حول قضايا كثيرة، وخاصة حين يتهم حكومة اسبانيا بأنها عقدت الاتفاق مع المغرب واعترفت بمغربية الصحراء في السر حيث قال بإن “اسبانيا انحازت في ملف الصحراء الغربية بتصرفات سرية لا تعفيها من مسؤولياتها”. يتصور المسكين تبون أن اسبانيا جمهورية موز لا مؤسسات فيها. لماذا لم يتحرك البرلمان الإسباني إذن بعد نشر محتوى رسالة سانشيز لجلالة الملك؟ ولماذا لم تتحرك باقي مؤسسات الدولة إن كان محتوى الاتفاق مع المغرب مضرا بمصالح اسبانيا؟ ولماذا صمتت باقي مكونات الحكومة التي قد لا تكون على وفاق مع حزب سانشيز؟ ولماذا كانوا حريصين على نجاح القمة الثنائية بين البلدين ولو اقتضى الأمر غيابهم عنها؟ تصرفات من يعتبرهم تبون والكابرانات أنصارهم بهذه الطريقة ضربة للنظام الجزائري ودليل على أن موقف اسبانيا تجاه المغرب كان موقف كل مؤسسات الدولة الإسبانية ولذلك فقد أخطأ تبون حين قال في حواره “نعتبر موقف إسبانيا بخصوص الصحراء موقفا فرديا من حكومة سانشيز”.

  • مرر تبون على خديجة بن قنة، وعلى الجزيرة أساسا، مغالطات لا يصدقها مبتدئ في السياسة. اعترف تبون في حواره باستمرار الجزائر في تزويد اسبانيا بالغاز وأقر أن الكمية عرفت زيادة رغم الخلافات وهو ما يتناقض مع ما قاله في نفس الحوار حين قلل من استمرار علاقات الجزائر مع اسبانيا قائلا “المبادلات التجارية بين الجزائر وإسبانيا مستمرة وأغلبها من القطاع الخاص بين البلدين”. هل التزويد بالغاز وبتلك الكميات عمل قطاع خاص؟
    وهذه مناسبة لتذكير سمبريرو الإسباني بالالتفات إلى ما يخدم شعبه وتنويره حول هذه التصريحات العدائية لتبون لمؤسسات الدولة الإسبانية عوض أن يغلب على تغريداته الانتصار لنظام الكابرانات. سمبريرو المنتشي بحكم ابتدائي نسي أن مرحلة الاستئناف تنتظره وأن المغرب وراءه حتى يعترف بأنه يكذب ولا دليل عنده لاتهام المغرب بالتنصت على هاتفه. زمن ادعاء البطولات ولى إلى غير رجعة وما على سمبريرو وأمثاله إلا نشر الدليل وإلا فإن “جرجرته” إلى القضاء هي الحل.
    وهي مناسبة كذلك لتذكير خادمه لمرابط المرفوع عنه القلم أن يغير من طريقته ويبحث عن مواضيع أخرى قد توفر له مداخيل الأدسنس لأن قضايا المغرب لم تعد جذابة بعد أن اكتشف الكل كذبه وفبركاته.
    ولأن حبل الكذب قصير، فإن تبون اعترف في حواره بوجود وساطات من دول شقيقة لكن الجزائر رفضت. هذا يعيدنا لما سبق أن صرحت به الرئاسة الجزائرية حين نفت وجود وساطات بين المغرب والجزائر. هل نسيت المحاوِرة هذا التصريح؟ أم أنها لم ترد إحراج رئيسها؟
    اعترف تبون بأن عودة السفير الجزائري في فرنسا إلى مهامه وشيكة معللا ذلك بمصالح الجالية الجزائرية في فرنسا. وطبعا كانت المحاوِرة لتبون مغيبة ولم تذكره بأن المهام الإدارية تقوم بها القنصليات وأن ما يقوله تحايل وتغليط للرأي العام واستخفاف بالجزيرة ومهنيتها. مشكلة تبون أنه يتناقض مع نفسه دائما ويتناسى أن سفير الجزائر في اسبانيا استدعي قبله بمدة طويلة ولم يعد رغم وجود جالية جزائرية ومصالح جزائرية في اسبانيا. والمثير أن عودة السفير الجزائري لمهامه في باريس تتم خلال مدة قصيرة من الاحتجاج وبدون اعتذار فرنسي عما اعتبرته خارجية لعمامرة حينها تدخلا غير مقبول وتطاولا على مؤسسات الدولة الجزائرية. هل كل هذه التناقضات غابت عن الصحفية الجزائرية ومعدي الحوار الإشهاري لتبون؟ المنطق يستبعد ذلك ويفتح الباب أمام فرضيات أخرى.
    في منطق تبون العالم كله في توافق مع الجزائر باستثناء المغرب وحكومة إسبانيا. تبون الذي يعفو عن إساءات فرنسا للشعب الجزائري وخرقها لسيادته وتدخلها في شؤونه، وتبون الذي يستمر في إمداد اسبانيا بالغاز ويزيد من الكمية رغم ما يعتبره هو أخطاء ارتكبتها في حق الجزائر، هو نفسه الذي يعتبر بأن علاقاته مع المغرب وصلت مرحلة اللاعودة ويصر على إغلاق الحدود وإيقاف كل أنواع التعاون مع المغرب. هل هذا الكلام مقنع؟ هل يرضي الجزائريين؟ هل هذا هو حسن الجوار؟ وهل هذا هو الانتماء العربي والإسلامي؟ ألم يتطلب سؤالا من المحاورة الجزائرية لكشف تناقضه؟
    مصيبة تبون أنه وصف علاقة الجزائر مع المغرب باللاعودة بينما وصف العلاقة مع فرنسا بالمتذبذبة. هل يمكن مقارنة إساءة ماكرون وفرنسا للشعب الجزائري باليد الممدودة من المغرب للجزائر؟ وطبعا هذا لم يثر محاوِرة تبون وقناة الجزيرة العربية التي تضع في خطها التحريري وحدة الوطن العربي كموجه لسياستها التحريرية ولكنها وفرت لتبون منصة أطلق منها سيلا من الاتهامات والأكاذيب على المغرب بدون مبرر.
    ولأن تبون يشعر بالضغط والحرج تجاه اليد الممدودة من المغرب والإشارات الإيجابية والرسائل المتكررة من المغرب فإنه يعبر أن موقف بلاده رد فعل فقط. والحقيقة أن الخطوات العدائية كلها مصدرها هو نظام الكابرانات بدءا بإغلاق الحدود والأجواء وإيقاف تشغيل أنبوب الغاز عبر التراب المغربي والتضييق على مشاركة المغرب في بطولة الشان وغيرها من الاستفزازات التي كان نظام الكابرانات البادئ فيها. وطبعا كانت المحاوِرة لتبون سلبية وغير مهنية لتضع النقط على الحروف لأن وظيفتها كانت تلميع تبون وتصويره كزعيم له القدرة على الوساطة بين روسيا وأوكرانيا وادعاء أنه لا يعلن عن هذه الوساطات حتى يرى الناس ثمارها.
    حالة العداء المرضية التي أظهرها تبون للمغرب ليست إلا خدمة بالمناولة يسديها نظام الكابرانات لفرنسا ظنا منها أنها بهذه السياسات تلوي عنق المغرب وتضعفه. فرنسا والجزائر ضحايا التحولات المتسارعة التي لم يتوقعاها ولم يستعدا لها. ماكرون أصبح عنصر توتر في فرنسا وكل المؤشرات تدل على أنه أضعف رئيس عرفته الجمهورية الخامسة وأنه بعجرفته وخفته يتجه إلى إسقاط هذه الجمهورية باختياراته الخاطئة وسياساته المتهورة.
    سبق في هذا البوح التحذير من حوار فرانس 24 مع أبو عبيدة يوسف العنابي زعيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” ودلالاته السلبية وعلاقة ذلك بالصحفي الفرنسي الأسير أوليفييه دوبوا ومؤشرات صفقة كانت تلوح في الأفق. هذا الأسبوع تم الإفراج عن الرهينة الفرنسي المحتجز في مالي منذ 2021 بوساطة من النيجر دون ذكر تفاصيل للرأي العام. إنه اللعب بالنار إن كان الإفراج مقابل فدية أو تساهل مع الجماعات الإرهابية وستبدي الأيام ما هو متستر عنه اليوم.
    الاستعمال المتكرر والمبالغ فيه للمادة 49 إضرار بفلسفة الدستور والعقلنة البرلمانية وتشويه لروح الدستور وإغلاق للمشهد التنافسي عبر مؤسسات الدولة الرسمية. هذا ما يفسر تفضيل المحتجين للشارع وعرقلة سير بعض المرافق العامة حتى أصبحت باريس مركز قمامة ومكان تجمع للمتظاهرين غير الراضين عن طريقة تدبير شؤونهم غير الديمقراطية. لم ينجح ملتمس الرقابة وهذا كان منتظرا ولكن فارق التسعة أصوات رسالة للماكرونيين بأن فشلهم تعدى المجال الحزبي إلى تهديد استمرارية الجمهورية الخامسة.
    نجح ماكرون في توحيد كل الطيف السياسي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وقدم هدية لخصوم الديمقراطية والجمهورية الخامسة، ولا تساهم سياساته إلا في عدم الاستقرار وعرقلة الاستثمار. لنتذكر احتجاجات أصحاب السترات الصفراء أسبوعيا والتي لم توقفها إلا جائحة كورونا. ها هو المشهد يتكرر بصورة أخطر.
    شعبية ماكرون في الحضيض وسياساته تجر فرنسا إلى الوراء والتخلص من حكمه صار مطلبا جماهيريا قد يقود إلى اعتماد وسائل الشارع.
    قلنا مرارا أن فرنسا أكبر من أن تحكم بأمثال ماكرون الذي لم ينجح إلا في خلق عداوات مجانية واصطناع توترات مجتمعية تضعف فرنسا في زمن تتشكل فيه أقطاب كبرى صار يصعب على فرنسا أن تكون ضمنها.
    نلتقي في بوح قادم.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الرباط : بوريطة يستقبل شقيق رئيس المجلس الرئاسي الليبي والوفد المرافق له