بوح الأحد:أفعال الدولة العميقة الماكرونية تعري تناقض الأقوال و الأفعال

بوح الأحد:أفعال الدولة العميقة الماكرونية تعري تناقض الأقوال و الأفعال

A- A+
  • هدية على طبق من ذهب تلك التي أهدتها اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي لمنظمة العفو الدولية نهاية الأسبوع الماضي بطنجة. المناسبة كانت جلسات الاستماع التي نظمتها هذه الهيأة لكل من له إفادات علمية، وأركز على عبارة علمية، بإمكانها تقديم توضيحات بشأن برمجية بيغاسوس. قد يبدو لمن يساوره شك أن المغرب أقدم على خطوة “انتحارية” بالنظر إلى طبيعة الجهة الداعية لهذه المبادرة، فهي مؤسسة دستورية ورسمية ونتائج المبادرة محسوبة رسميا على الدولة المغربية ويجب أن يكون لها ما بعدها. وقد تبدو الخطوة للبعض الآخر شجاعة وثقة واستعداد لكل النتائج.
    لإنعاش الذاكرة فقط، نذكر بأن المغرب تبادل مراسلات رسمية مع أمنستي منذ سنتين وفند دعواها حين قالت بأنها راسلت السلطات المغربية قبل نشر تقريرها المتحيز ضد المغرب لإدراج رأيها في التقرير حيث طالبها بتزويده بعناوين الجهات المرسلة إليها طلبات الرأي قبل النشر فتبين أنها مراسلات لجهات لا علاقة لها بالموضوع وعلى عناوين قديمة، ثم بعد ذلك راسلها رسميا يطلب منها تزويده بأدلة مادية وعلمية لاستنتاجاتها بتورط المغرب في استعمال بيغاسوس والتنصت على الغير، وما زال إلى حد الآن لم يتوصل بأي رد.
    لا شك أنها فرصة لأمنستي أن تتوصل بدعوة من هيأة دستورية لتقديم رأيها داخل المغرب لاستدراك تماطلها، بل إنه مخرج جيد لها من ورطتها إن كانت لها حسن نية ورغبة في كشف الحقيقة دون حسابات أخرى، وقد تكون هذه مناسبة لأمنستي لقطع الشك باليقين، وخاصة أنها استفادت من فترة زمنية طويلة ومن ركام من المنشورات حول الموضوع لاستكمال عناصر جواب علمي مقنع للرأي العام يحفظ لها المصداقية، إن كان ما يزال لها نصيب منها.
    للأسف، ضيعت أمنستي الفرصة وأخلفت الموعد، وأكدت أنها أطلقت اتهاماتها الجزافية بدون دليل حين اقتصر ردها في عين المكان على الترحيب بالدعوة واستحسانها وبأنها لا تتوفر على المعطيات التقنية للرد على تساؤلات اللجنة، واكتفت بمحاولة ربط الاتصال مستقبلا بين اللجنة وأمنستي الدولية في لندن ومختبر سيتيزن لاب. ألم يتشاور فرع المغرب مع المركز في لندن قبل قبول الدعوة؟ لماذا لم تدل أمنستي بما لديها من حجج تدين المغرب كما تدعي؟ هل هناك مناسبة أفضل من هذه لإفحام الرأي العام؟ هل ما يزال لبعض جهات الاتهام للمغرب ما تصر به على أباطيلها بعد هذا التحدي؟
    نضيف هذا التهرب من المواجهة إلى تستر المنابر الفرنسية التي تبنت الاتهامات للمغرب وراء شكليات قضائية عتيقة لتجنب الإدلاء بأدلتها أمام القضاء الفرنسي مع أن أخلاقيات المهنة وقوانين النشر في البلدان المتقدمة تلزمها بنشر أدلتها ولو بشكل إرادي وبعيدا عن القضاء حفاظا على مصداقيتها واحتراما لقرائها ودرءا للشبهات التي صارت تلاحقها كمؤسسات رهينة للدولة العميقة في فرنسا.
    نضيف كذلك إلى ما سبق حالة الرعب التي يعيشها سمبريرو بعد كشف كذبه على المغرب وادعائه دون دليل تنصت المغرب على هاتفه ببرمجية بيغاسوس. هذا ما أكدته الخبرة الإسبانية وليس جهة أخرى، وما زلنا ننتظر أن يخرج ليدحض هذا الكلام وأن يبلغه هذا التحدي زبائنه المدمنين على هذا البوح.
    كان علينا انتظار أزيد من سنتين لتتهاوى هذه “القلاع” واحدة تلو الأخرى بفضل صمود المغرب وثقته في قدراته واحترافية تدبيره لهذه الهجمة الجبانة التي كان على دراية منذ بدايتها بحقيقتها وخلفياتها ومن يقف وراءها وأسباب اختيار توقيتها وموضوعها وخلفيات الكومبارس الذين كانوا وقودها من طوابرية الداخل والخارج. لم تنجح هذه الخطة في إسكات المغرب وإخضاعه وتخويفه ببعبع “حقوق الإنسان” و”سلطة الإعلام” لأنه طور مناعة مضادة لسمومها بتشريعاته وسياساته وشفافيته ومصداقيته وتعاونه مع كل الآليات الدولية التي تشتغل في هذا المجال.
    أمنستي لا خبرة لها في الموضوع، و أدوات التأثير المملوكة للدولة العميقة في فرنسا لا شجاعة لها لنشر الحقيقة للرأي العام، والقضاء الفرنسي يتمسك بشكليات كان يمكنه تجاوزها حرصا على نشر الحقيقة، وسمبريرو يستنجد ولا منقذ له ويرى حبال الحقيقة تطوقه من كل جنب. وأقصى ما يقوم به الطوابرية هو التشكيك بدون أدلة في الشهادات والخبرات العلمية التي تفضح هؤلاء جميعا.
    الحقائق صارت واضحة الآن أكثر من السابق، ولذلك قلت في بوح سابق بأن نار بيغاسوس ستحرق كل من اقترب منها بدون دليل.
    لا حل اليوم أمام كل دوائر الاتهام التي نشطت خلال الحملة ضد المغرب إلا بسط أدلتها للرأي العام إن لم تقتنع بأنها ملزمة بتقديمها للمغرب. لا حل أمامها إلا مصارحة الرأي العام بالحقيقة لأن ساعة الحساب اقتربت ولن تنفع بعد اليوم سياسة الهروب إلى الأمام والتهرب من صلب الموضوع والاختباء وراء شكليات القانون أو افتعال قضايا هامشية لتعويم الحقيقة وتتويه الرأي العام.
    ولأن الطوابرية هم حطب كل هذه المعركة الخاسرة ومجرد أعوان تنفيذ يؤدون الخدمة بالمناولة فقد أتت إليهم الأوامر لاعتلاء المنصة وتصدر الواجهة من جديد لتخفيف العبء على محركيهم.
    في هذا السياق يمكن فهم خطوة المعطي مول الجيب وصبيه والمتصابي فؤاد وحفيد بوشتى الجامعي وولد زيان وولد لكبيرة. هؤلاء أصبحوا ممجوجين وعمالتهم للدولة العميقة في فرنسا فاحت رائحتها الكريهة واستقواؤهم بالخارج لم يعد يحتاج إلى دليل، ولمد يد العون إليهم لا بأس أن تتولى وكالة البروباغندا الفرنسية الرسمية الترويج لخطوة التنفيس هذه وتتكفل بالترويج منابر لوموند ولوفيغارو وما شابههما من “المناشر” التي تتحكم فيها الدولة العميقة في فرنسا (هذه هي الحقيقة هي مناشر وليست منشورات)، وهو تحكم تواترت بشأنه الحقائق حتى أصبح الحديث عن استقلالية وسائل الإعلام الفرنسية موضوع تنكيت من قبل الشارع الفرنسي بعامته ونخبه.
    حبل الكذب قصير، ولسوء حظ ماكرون فإن هذا التجييش الإعلامي الفرنسي ضد المغرب يتم بالتزامن مع ندوته الصحفية عشية جولته الإفريقية. قال ماكرون بأن “إرادته هي المواصلة والمضي قدما في تعزيز علاقات بلاده مع المغرب والتغلب على الخلافات وبأن جلالة الملك يعلم هذا وبأن العلاقات الشخصية ودية نافيا أن تكون للحكومة الفرنسية علاقة بما يحدث في البرلمان الأوربي وحملة التنصت ضد المغرب”. أصبح التلاعب بالألفاظ وتنميق العبارات لمداراة الحقائق أسلوبا مفضوحا لدى ماكرون وينبغي للمستمع إليه البحث عن الحقيقة في ما لم يقله أو في دلالة العبارات المنتقاة في خطابه. يبعد ماكرون التهمة عن الحكومة الفرنسية في شأن يخص البرلمان الأوربي وهذا تحصيل حاصل ولكن التدليس يكمن في تجاهله لمكونات هذه الحكومة التي بادرت للحملة ضد المغرب وحشدت لها الدعم واستفرغت الجهد لاستصدار توصية ضده. لم يبرئ ماكرون حزبه ونوابه بل عتم على ذلك بتبرئة الحكومة وكأنها تشكلت بمعزل عن أحزاب وتيارات داعمة لها. حصر العلاقة مع المغرب في دائرة “العلاقات الشخصية” لا يليق برئيس جمهورية مثل فرنسا تتحدث عن دولة مؤسسات وهو أدرى بأن جلالة الملك حدد معايير علاقة الدولة المغربية مع غيرها ولم يقرنها بشخصه بل بمصالح المغرب والمغاربة. هل فعلا لا يملك ماكرون قدرة على توجيه عمل نواب حزبه؟ هل وصل به الضعف إلى هذه الدرجة؟ لماذا لم يستعمل نفوذه على وسائل الإعلام التابعة للدولة العميقة لإيقاف الحملة الظالمة ضد المغرب كما فعل بشأن قضايا أخرى مثل التقاعد وحذف مرور إعلامي لزعيم القبايل؟ إنه النفاق والغموض والتعويم الذي يترك المجال للتأويل حتى يمارس ماكرون أسلوبه الرخيص في الابتزاز والضغط. لم يصل ماكرون إلى ما يبحث عنه في المغرب ولن يصل، وما عليه إلا التخلي عن “التنوعير” والاعتراف بأخطائه تجاه المغرب وتصحيحها والاعتراف بالأمر الواقع وحق المغرب في تحديد شركائه ومجالات شراكاته بما يؤمن مصالحه وجودة الخدمات العمومية التي يطلبها المغاربة. مضى زمن الريع الاستعماري ومخطئ من لا يزال يتعامل مع الحاضر بأدوات الماضي.
    من أهم تصريحات ماكرون اعترافه ضمنيا بأخطاء فرنسا الاستراتيجية في القارة الإفريقية حين قال بأن إفريقيا “ليست منطقة نفوذ”، وأنه يجب على بلاده الانتقال “من منطق المساعدة إلى منطق الاستثمار”، والعمل على “بناء علاقة جديدة متوازنة ومتبادلة ومسؤولة” مع دول القارة الإفريقية، مبشرا بأن هذا “التحول سيبدأ في الأشهر المقبلة عبر حضور أكبر في القواعد العسكرية لشركائنا الأفارقة”، ومتعهدا بأن تبذل فرنسا “مزيدا من الجهد على صعيد التدريب والتجهيز”. هو يعرف، ومعه حاشيته، أن العطار لن يصلح ما أفسده الدهر، وأنه غير مرحب به، وأنه تنتظره لحظات عصيبة في هذه الزيارة بدأت قبل الزيارة وأثناءها على شكل موجة احتجاجات ضد وجوده في افريقيا.
    تعول فرنسا على المغرب ليفتح له أبواب افريقيا الموصدة في وجهها ظنا منها أن المغرب منافس لها ويحل محلها في مراكز نفوذها التاريخية. تخطئ فرنسا قراءة التحولات الاستراتيجية في المنطقة، وتؤكد أنها لم تفهم حقيقة الشعور الإفريقي تجاه سياساتها الكولونيالية. الشرط الأساس أمام فرنسا هو مراجعة رؤيتها كاملة واتخاذ خطوات عملية لتحقيق مصالحة مع دول القارة، وحينها لن تجد صعوبات.
    من اطلع على التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية حول الإرهاب يدرك فضيلة الاعتراف التي لا توليها فرنسا اهتماما. صدر التقرير يوم 27 فبراير ويقع في 330 صفحة تقدم نظرة تفصيلية على بيئة مكافحة الإرهاب في العالم خلال عام 2021. يعد التقرير مكتب مكافحة الإرهاب ويقدم سنويا للكونغرس ويكون من المدخلات الرئيسية للسياسات والبرامج والموارد التي ستخصص لبناء القدرة على مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء العالم.
    يؤكد التقرير ما دأب المغرب على تكراره حين ينص بأن “التوترات الإقليمية بين المغرب والجزائر تشكل عقبة أمام التعاون الثنائي والإقليمي لمكافحة الإرهاب، ويؤكد على أن للولايات المتحدة والمغرب تاريخ طويل من التعاون القوي لمكافحة الإرهاب، ويعترف للمغرب بمواصلة التخفيف من مخاطر الإرهاب ومواجهة تهديدات الخلايا المتفرقة ويشيد بنجاحه معبرا على أن المغرب لم يشهد أي حوادث إرهابية خلال 2021 وبأن عدد الاعتقالات كان أقل مما كان عليه الأمر في السنوات السابقة قبل جائحة كوفيد، وبأنه اعتمد استراتيجية شاملة تعطي الأولوية للتنمية الاقتصادية والبشرية، إضافة إلى الإشراف على المجال الديني والترويج لتفسير المذهب المالكي الأشعري للإسلام السني حيث جرى تطوير منهج تعليمي لحوالي خمسين ألفا من الأئمة والمرشدين الدينيين. ولم يفت التقرير تسجيل تعاون المغرب القوي مع الشركاء الأوربيين، وخص بالاسم بلجيكا وفرنسا وهولندا، لإحباط التهديدات الإرهابية المحتملة في أوربا.
    شهادة اعتراف أخرى للمغرب بوفائه بالتزاماته ومصداقية مؤسساته ونجاعة سياساته.
    كان الكل ينتظر تضامن البرلمان الأوربي مع سعد لمجرد قياسا على تضامنه مع عمر راضي وغيره، ولكن كشفت هذه الواقعة الطابع المتحيز والمسيس لقرارات هذه المؤسسة التي صارت تشكل عبئا على الاتحاد الأوربي ومصدر تشويش على سياساته وشراكاته وعامل توتر مع شركائه. ما الفرق بين قضية سعد لمجرد وغيره؟
    لست هنا في موقع تبرئة سعد لمجرد أو الدفاع عنه. من تثبت عليه التهمة يجب أن يؤدي الحساب فما جعل القانون إلا ليطبق شرط أن يصدر عن جهة قضائية مستقلة ومحايدة، ولكن ازدواجية المعايير تفضح الحقوقيين والإعلام والقضاء الفرنسيين. لنلجأ إلى منطق المقارنة بموضوعية ولكل واحد أن يستنتج ما يراه الحقيقة.
    لقد أدان القضاء الفرنسي بعد متابعة طال زمنها بست سنوات لما رجح عنده من أنه اغتصاب أو محاولة اغتصاب. لنتساءل عن أدلة الاتهام التي يحوزها القضاء. لن نجد أكثر من رواية المشتكية وشهادات غير دقيقة لبعض عمال الفندق. لم يأخذ القضاء الفرنسي بشهادة لمجرد عن الحادث رغم أنه أنكر بشدة حدوث اغتصاب أو حتى محاولة الاغتصاب. الحكم الصادر عن القضاء الفرنسي هو أشبه بحكم القضاء المغربي على عمر راضي وسليمان الريسوني وربما أقل منه. ولنتذكر أن دفاع المشتكية ضد لمجرد طالب بسجنه 20 سنة.
    ترى لو عرضت قضايا عمر راضي وسليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين على القضاء الفرنسي كيف سيكون حكمه؟ هل سيبرئ ذمتهم؟ أم سيشدد العقوبة عليهم؟ وهل كان لمجموعات فري كلشي أن تشكك في القضاء الفرنسي؟ وتقود حملات ممنهجة للتشكيك في مؤسسات الدولة الفرنسية؟
    الأدلة ضد عمر راضي هي اعترافه بوجود علاقة مع المشتكية به وإن فسرها بطابع الرضائية، وهي شهادة مالك البيت وزوجته، وهي أقوال المشتكية التي أدلت بكل ما تتوفر عليه من أدلة يمكن أن تثبت بها تعرضها للاغتصاب وهي أقوى حجية من الأدلة ضد سعد لمجرد. ومن أهم الأدلة فرار الشاهد الذي يمكن أن يبرئ راضي أو يدينه خارج المغرب بطريقة غير شرعية رغم أنه زميل لهما معا. ما الذي منعه من الإدلاء بشهادته إذن أمام المحكمة؟ ما الذي يجعله يفضل العيش “حراكا” في تونس على الإدلاء بشهادته أمام القضاء؟ والأهم من كل ذلك أن المشتكية بعمر راضي صحافية لم يعرف عنها سوابق.
    الأدلة ضد سليمان أقوى لأنها ترتبط بوقائع مادية لم يدل بما يفندها بل إن سليمان كان يراوغ ويتهرب ولم يتعاون مع جهات التحقيق. الأدلة تسجيلات أثبتت صحتها خبرة علمية ومبادلات مكتوبة وموثقة ومكالمات هاتفية يطالب فيها سليمان من ضحيته عدم إبلاغ زوجته بالموضوع.
    والأدلة ضد بوعشرين أكثر من أن تحصى مقارنة مع سابِقَيْهِ، وهي تسجيلات بالصوت والصورة تثبت ساديته، وهي علاقة سلطة رئاسية له على عاملات في مؤسسته، وهي حالة التعدد وكثرة المشتكيات ضده، وهي مراوغته وهروبه عن الموضوع وعدم تعاونه مع جهات التحقيق، وإصراراه على الإنكار رغم تواتر الأدلة ضده.
    هل كان يمكن للقضاء الفرنسي أن يبرئ هؤلاء جميعا؟ هل كان لهذا القضاء أن يتجاهل شهادات المشتكيات؟
    كان يمكن لسعد لمجرد ومحبيه وهم بالملايين أن يؤسسوا لجان التضامن وقيادة حملات إعلامية وحقوقية بطريقة أقوى من مجموعات “فري كلشي” البئيسة. لماذا إذن الترحيب بحكم القضاء الفرنسي واستنكار أحكام القضاء المغربي؟
    هي تقريبا نفس التهم ونفس الأحكام ونفس الأدلة، ولكن محاولات التسييس وسياسات التضليل تريد التأثير على القضاء المغربي لأهداف لم تعد تخفى على أحد اليوم. ومنطق القبيلة والعشيرة هو الذي يحكم تحركات جمعيات الريع الحقوقي التي انفضح أمرها وهي تسرب مضمون جلسة الاستماع لعمر راضي ضدا في ضحيته ودون الأخذ بعين الاعتبار ما سيسببه لها ذلك من معاناة نفسية ومجتمعية.
    لماذا تسكت المنظمات الحقوقية والطوابرية عن هذه الازدواجية؟ لماذا لم يتضامن البرلمان الأوربي مع سعد لمجرد ضد القضاء الفرنسي الذي اكتفى بأقوال المشتكية كدليل رئيسي لإدانة سعد لمجرد؟
    هذا مثال آخر للتأكيد على أن الاستهداف السياسي للمغرب هو محرك هذه الحملة الظالمة التي تدعي زورا الدفاع عن حقوق الإنسان بينما تصمت عن التنكيل بحقوق الإنسان في فرنسا وتونس والجزائر. أين هي المنظمات والتنسيقيات المغاربية من قرار الحل الظالم للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان؟ لماذا لم تتناول تصريحات قيس العنصرية بما تستحقه من تنديد من قبل الحقوقيين الذين لا يفوتون فرصة ضد المغرب؟
    نختم هذا البوح بحصة الاسترخاء التي صار ينظمها بشكل دوري حارس قصر المرادية تبون ويسميها اللقاء الإعلامي الدوري مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية. هو لقاء مع صحفيين اثنين مرتبةٌ أسئلته وأجوبتُه مسبقا يلعب فيها المحاوران دور ممرر الكرات لتبون حتى يسددها في مرمى فارغ. ومع كل هذا الترتيب يخطئ المسكين إصابة الهدف ويجعل من نفسه مهزلة أمام العالم.
    يعيش تبون في جزائر أخرى وفي حالة شرود عن الواقع وتحجب عنه تقارير البلاد من طرف الكابرانات. هذه هي الحقيقة التي يستنتجها من سمع تصريحه حول غياب نقابات إعلامية في البلاد مما جعل المجلس الوطني للصحفيين الجزائريين يستغرب تصريحه ويذكره بوجود نقابات مهنية تنشط على أرض الواقع ولا تجد الآذان الصاغية من قبل وزارة الاتصال التي لا تشركها في النقاش الدائر حول إثراء مختلف قوانين الإعلام.
    صار تبون مريضا بمتلازمة “السبق” الجزائري في كل شيء حتى أنه زايد على الأوروبيين بأن بعض ديمقراطياتهم، مثل البرتغال واسبانيا واليونان، ولدت في الجزائر. يبدو أن رد الفعل على نفي ماكرون صفة الأمة كان مبالغا فيه عن تبون وجعله يصاب بهذه المتلازمة.
    أكد تبون مرة أخرى أنه أبعد أن يكون عن رجل الدولة الحكيم حين طفق يوزع التهم على مؤسسات المجتمع المدني والإعلام ويصفها ب “طابور خامس بالجزائر يتشكل من خبارجية وعملاء” وبأن “ولاء الخبارجية لبعض السفارات أكثر من ولائهم للجزائر” وبأن “الكثير من المنظمات غير الحكومية تابعة لأجهزة مخابرات أجنبية” وبأن هذه المنظمات “تتجاهل ما يحدث بفلسطين وتحول الحبة إلى قبة في دول أخرى”. هذا هو تبون الذي يدغدغ مشاعر الجزائريين ويستعديهم على منظمات جزائرية متاجرا بالقضية الفلسطينية.
    لو كان تبون صادقا ويدير دولة مؤسسات لتمت مطالبته بتحريك الدعوى ضد هذه المنظمات أو الاعتذار عن هذه التصريحات، ولكن نظام الكابرانات يطلق التهم للاستهلاك والتخويف ودغدغة المشاعر والتهرب من المحاسبة عن ثروة يديرها لشراء ولاءات وضمان استمرار الحكم ورضى القوى الخارجية وزعزعة استقرار المنطقة.
    هذه هي الحقيقة.
    نلتقي في بوح قادم.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الداكي يوقع على مذكرة تفاهم بين رئاسة النيابة العامة بالمغرب ونظيرتها الروسية