بوح الأحد: مواجهة فرنسا على المكشوف، لقد ٱنكشف المستور و ٱحتضان جماهيري واسع

بوح الأحد: مواجهة فرنسا على المكشوف، لقد ٱنكشف المستور و ٱحتضان جماهيري واسع

A- A+
  • لم يكد حبر توصية البرلمان الأوروبي العدائية للمغرب يجف حتى سارعت فرنسا إلى مكافأة النظام الجزائري. حل رئيس أركان العسكر الجزائري شنقريحة بفرنسا بداية الأسبوع ليدشن عهدا جديدا عنوانه دعم فرنسي مطلق للنظام العسكري وانتصار لطرف داخل جهاز العسكر قاد العشرية السوداء في الجزائر. لقد كانت هدية فرنسية “ثمينة” تلك التي تلقاها نظام الكابرانات بهذه الزيارة توقيتا ومضمونا وسياقا، ولو أنها لم تكتمل بالتقاط باقة من الصور كان يتمناها شنقريحة بقصر الإليزيه. وهي بالمناسبة أول زيارة رسمية لقائد جيش جزائري لفرنسا منذ 17 عاما، إضافة إلى استقباله في الإليزيه من طرف ماكرون، ولن تفيد في شيء التحفظات التي لا يمكن أن يخطئها مراقب من طرف الرئاسة الفرنسية حتى لا تحمل الزيارة تلك المعاني التي يطمح إليها شنقريحة.
    استقبال ماكرون لشنقريحة رسالة واضحة لا دلالة لها سوى الدعم غير المشروط لجناح خالد نزار ومجموعته التي قادت الجزائر خلال عشرية دموية ضيعت على البلاد فرصا كثيرة وأزهقت فيها أرواح بريئة وشردت فيها أسر وأديرت فيه الجزائر بالحديد والنار وارتكبت فيها كل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وهي مكافأة لشنقريحة وتبون بعد الضغوط الفرنسية لإسقاط نظام قايد صالح والتي كان ماكرون جزءا من أجندتها. ومن مكر الصدف هذه المرة أن آخر زيارة لرئيس أركان جزائري إلى فرنسا كان الزائر فيها هو قايد صالح عام 2006. وهذه مناسبة لفضح نفاق فرنسا كما كشفتها تصريحات مسؤولين جزائريين في مقدمتهم قائد الأركان قايد صالح حينها والتي كانت كلها اتهام لفرنسا بمحاولة التدخل للتأثير في المرحلة الانتقالية لما بعد بوتفليقة، وكذلك تأخر فرنسا في تهنئة تبون بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2019، والتصريحات العدائية لماكرون ضد الجزائر التي نفت عنها صفة الأمة ورفضت الاعتذار لها عن جرائمها البشعة ضد الشعب الجزائري وغضت الطرف عن كل انتهاكات النظام الجزائري لحقوق الإنسان.
    ماذا استجد في الجزائر حتى تنقلب فرنسا بهذه الدرجة على مواقفها القديمة؟ أو بالأحرى ماذا استجد في فرنسا حتى يقع هذا التحول غير المبرر سياسيا وأخلاقيا؟ والأدهى والأمر أن فرنسا التي تقدم نفسها راعية حقوق الإنسان والحريصة على احترامها والشديدة الغيرة على قرارات الاتحاد الأوروبي هي من تتجاهل كل القرارات التي تدين النظام الجزائري وانتهاكاته لحقوق الإنسان.
    لنتذكر أن التقرير السنوي للاتحاد الأوروبي بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية عبر العالم (يونيو 2020) عبر عن قلقه من وضع حقوق الإنسان في الجزائر، وأن البرلمان الأوروبي سبق أن أصدر أكثر من قرار وتوصية حول تدهور حقوق الإنسان في الجزائر ولا سيما حالة الصحفي خالد درارني في نونبر 2020، إضافة إلى قرارات أخرى في أبريل 2015 ونونبر 2019 كلها إدانة للجزائر. كما تجدر الإشارة أن قرارا من هذه القرارات تم اعتماده من طرف البرلمان الأوروبي بأغلبية 669 نائبا ومعارضة 3 نواب فقط. فلماذا تجاهلت فرنسا كل هذه القرارات ولم تفعل مقتضياتها لو كانت أحرص على حرمة البرلمان الأوروبي ومصداقية مؤسسات الاتحاد الأوروبي؟ ولماذا تتساهل مع الجزائر رغم أن القرارات همت مجالات حقوقية حساسة جدا مثل قمع نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين والاحتجاز التعسفي للنشطاء السلميين المنتمين للحراك والنقابات وانتهاك الحق في المحاكمة العادلة وتشديد الخناق الأمني على الحريات وتزايد حالات التعذيب في مراكز الشرطة وحجب المواقع الإلكترونية وفرض الرقابة على البرامج التلفزيونية.
    لنتذكر أن في الجزائر شعب القبايل الذي يطالب بتقرير المصير منذ عقود، وكافأه الرئيس ماكرون بتدخل تعسفي خارج نطاق القانون والشفافية في آخر لحظة لمنع مرور فرحات مهني زعيم القبايل على قناة سي نيوز بعد وصول المعني للبلاتو ومباشرة آخر الاستعدادات للحلقة. لماذا كل هذا التدخل في الخط التحريري لقناة خاصة؟ ولماذا لا تنتصر فرنسا لحق الشعب القبايلي في تقرير مصيره أو على الأقل تتبنى موقفا محايدا كما تدعي في حالة الوحدة الترابية المغربية؟ لماذا لا تتذكر فرنسا المسؤولية المعنوية لها تاريخيا وهي القوة المستعمرة للجزائر ل 130 سنة وخرجت من الجزائر دون أن تسوي وضعية القبايل فيها؟
    لنتذكر أن الظرفية التي تم فيها استقبال شنقريحة بقصر الإليزيه تميزت بإجراء تعسفي غاية في الخطورة تمثل في حل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان التي تشتغل في هذا المجال منذ 1985. ألم يثر هذا القرار ماكرون وفريقه ويستفز قناعاتهم الحقوقية إن كانت منسجمة وتتشرب من قيم الجمهورية الفرنسية؟
    كم هو عدد الجمعيات الحقوقية العاملة في الجزائر؟ وماذا عن التعددية الإعلامية في الجزائر؟ ألا يستفز كل هذا الإدارة الفرنسية الحريصة على تقديم دروس في حقوق الإنسان للغير؟
    هل يمكن مقارنة وضع المجتمع المدني بالجزائر مع المغرب؟ هل يمكن لفرنسا تجاهل مساحات الحرية ومكاسب التعددية التي تميز الحقل الحقوقي في المغرب؟
    لنتذكر كذلك حالة الرفض التي طبعت رد فعل الجزائر بعد قرارات البرلمان الأوروبي السابقة، حيث وصفتها وزارة الخارجية حينها بالجسارة والوقاحة، وبأن لهجتها “عدائية وتحمل عقلية أبوية تعود للحقبة الاستعمارية تجاه الشعب الجزائري وخياراته السيادية”، وبأنها تضمنت “إهانات للشعب الجزائري ومؤسساته”، مهددة ب”مراجعة العلاقات مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي كلها” واصفة النواب بأنهم “ذهبوا إلى حد منح أنفسهم، دون عفة ولا حياء، الحق في مطالبة البرلمان الجزائري بتغيير القوانين التي اعتمدها نوابه بكل سيادة”، بل اتهمت البرلمان كله بأنه “أكد باستجابته لإيعاز البرلمانيين المحرضين، أنه يعمل بشكل مفضوح للترويج لأجندة الفوضى المقصودة التي سبق للأسف تنفيذها في العديد من الدول الشقيقة” وبأنه “لا يمكن لأي مؤسسة أوروبية التدخل بهذه الطريقة الفظة وغير المقبولة في شؤوننا الداخلية”. هل نسيت فرنسا كل هذا؟ أم أن الحاجة للغاز الجزائري أنست فرنسا كل ما سبق؟
    سيبقى الاستقبال الذي حظي به شنقريحة في فرنسا سبة في جبين فرنسا لأنه يتعارض مع قيمها، ويفضح نفاقها ويكشف ازدواجيتها وأنانيتها. فرنسا التي تحرك كل أدواتها لإدانة المغرب هي نفسها التي تتنكر لمبادئها وتستقبل قائدا عسكريا في نظام عسكري ينكل بشعبه ضاربة عرض الحائط مبادئ الاتحاد الأوروبي في أنانية مقيتة وعدم مراعاة لجيرانها. صفقات التسلح وتأمين احتياجاتها من الغاز أعماها عن قيم الجمهورية ومبادئها والتضامن الأوروبي. الرغبة الانتقامية من المغرب أعمتها عن كل منطق وجعلتها تتبنى معايير مختلفة لأنها غير مستعدة لتقبل مغرب “يشق عصا الطاعة” وينوع شراكاته ويوسع مجالات تعامله ويحقق اختراقا افريقيا ترى فيه تهديدا لمصالحها.
    كل المؤشرات تشير إلى أن فرنسا تتدهور من سيء إلى أسوأ، وأنها ضيعت افريقيا بسبب سوء تدبيرها وتمسكها بنفس الأساليب القديمة، وتسببت للغرب في خسارات كبيرة انتبهت إليها أمريكا وغيرها من الحلفاء بعدما أصبحت هذه القارة مطمعا لروسيا والصين وتركيا.
    آخر مظاهر الفشل الفرنسي هي تلقي الإدارة الفرنسية طلبا من المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو يمهلها شهرا فقط لسحب القوات الفرنسية الخاصة من البلاد، وهو ما يعني فسخ اتفاق 2018 المتعلق بوضع القوات الفرنسية في بوركينا فاسو. الفشل في هذه الدولة الإفريقية يعيد إلى الأذهان فشلا مماثلا في مالي وانسحابا مذلا للقوات الفرنسية منها بعد فشلها في دعم السلم هناك ومحاربة الإرهاب ودعم الاستقرار.
    فرنسا لم تعد، عند غالبية المستعمرات الإفريقية السابقة، شريكا ذا مصداقية، وهو ما يجعل أغلب هذه الدول تبحث عن شراكات جديدة ومسارات تنموية مختلفة لتلك التي اعتمدتها طيلة عقود ماضية. وأول الطريق لإنجاز هذه الخطط الجديدة هو القطع مع الإرث الفرنسي لغة وثقافة وقيما ونموذجا تنمويا، وهذا ما لا تستسيغه الدولة العميقة في فرنسا وتواجهه بمنطق كولونيالي وكأن هذه الدول ما تزال مستعمرات فرنسية.
    من يتابع كواليس توصية البرلمان الأوروبي ضد المغرب يلمس بوضوح اليد الخفية لفرنسا وراءها. فرنسا مستاءة من المغرب لأنه يسرع من وتيرة تفعيل منظومة التعاون جنوب جنوب، ويؤلب ضدها، كما تظن توهما، دولا افريقية عديدة ويفتح أمامها بدائل أخرى، وصار يضايقها اقتصاديا بوجوده الحيوي في قطاعات استراتيجية في دول افريقية عديدة، ويحظى أداؤه الاقتصادي داخلها بمصداقية وترحيب رسمي وشعبي وهو ما يغيظ فرنسا التي عجزت، رغم سبق الوجود وطول التجربة، عن حيازة هذه الثقة. تريد فرنسا تحميل المغرب نتائج فشل سياساتها وترى فيه محرضا ضدها ومستهدفا لمصالحها ومنافسا شرسا لها ينبغي أن لا تقوم له قائمة. لذلك، تستعمل فرنسا كل إمكانياتها لإضعاف المغرب وإشغاله وإلهائه بملفات أخرى للتشويش على أدائه. أطلقت فرنسا ضد المغرب كل أدواتها بدءا بالإعلام الفرنسي الذي صار شغله الشاغل هو استهداف المغرب، ثم منظماتها التي تسمى كذبا “غير حكومية” بينما هي في الحقيقة أذرع للدولة العميقة في فرنسا. وحين تأكد لها فشل كل تلك الأدوات استعملت مؤسسات الاتحاد الأوروبي المتاحة لها مثل البرلمان الأوروبي، الذي لم يعد في الحقيقة مشرعا للأوربيين واكتفى بلعب دور مجموعة ضغط للدول الكبيرة في الاتحاد، ظنا منها أن توصية غير ملزمة من مؤسسة تفتقد للمصداقية والصلاحيات قادرة بقرار عدائي غير مؤسس على وقائع سليمة وقراءة منطقية للقانون على تهديد المغرب وجعله يخضع للابتزاز.
    تخطئ فرنسا ومعها من يسايرها من قوى الاتحاد الأوروبي في مقاربتها هذه، ويضيع البرلمان الأوروبي جهده ووقته وإمكانياته في هذا المسار الاستفزازي للمغرب لأنه لم يعد ذا مصداقية بعد أن فضح انحيازه لأعداء المغرب وكشف عداءه لمصالح المغرب، ولذلك فتحقيقاته لم تعد ذات قيمة بالنسبة للمغرب، وما عليه إلا أن يبحث لاسترجاع جزء من مصداقيته عن طرق أخرى أكثر نجاعة وعلى حساب دولة أخرى غير المغرب. يمكن القول الآن أن أي تجمع معادي للمصالح العليا للمغرب أصبح هدفا مشروعا يجب مواجهته بكل الوسائل المتاحة بشكل استباقي لإبطال استهدافه، وأهم وسيلة هي المواجهة الاستخباراتية التي تحد مسبقا مفعول كل من يستهدف الوحدة الوطنية والترابية للمغرب. أصبح هذا حقا مشروعا وهدفا يحتل الأولوية لتأمين مصالح المغرب ووحدته.
    أصبح البرلمان الأوروبي مؤسسة تتصرف بشكل يتناقض مع القوانين المؤسسة لها حين يستنكر على المغرب مقاضاة سمبريرو أمام القضاء الأوروبي/ الإسباني ويدرج اللجوء إلى القضاء ضمن خانة الاستفزازات والتحرشات. هل لا يثق سمبريرو في قضاء بلده؟ هل لا يثق البرلمان الأوروبي في استقلالية القضاء الإسباني؟ هل وصل الضرب تحت الحزام بفرنسا حد التعريض بجارتها اسبانيا واتهام قضائها؟
    قلتها في بوح الأسبوع الماضي بأن فرنسا وراء هذا القرار، وبأنها ستكون أكبر الخاسرين منه، وبأنها ستدفع ثمنا باهظا بعده. وهو ما تؤكده اليوم كثير من القرائن.
    اكتشفت فرنسا سريعا أن هذا القرار لم يشكل حدثا كما كانت تظن، وأن السحر انقلب على الساحر حين لم تنضم اسبانيا إلى هذه اللعبة لأنها استوعبت خلفياتها وفهمت مغزاها ووعت أنها مستهدفة أساسا بها وأكبر متضرر من تداعياتها السلبية عليها حيث ستتركها دول الاتحاد كالعادة في مواجهتها لوحدها ولن تتجاوز في التضامن معها قرارا لا يسمن ولا يغني من جوع وحزمة مساعدات تجعلها تحت رحمة الدول الكبيرة في الاتحاد. لن يشكل هذا القرار حدثا، ولن يكون له أثر ووقع على المغرب، ولن يفسد العلاقات المغربية الأوروبية التي ستبقى ذات طابع استراتيجي ولكن وفق مقاربة مختلفة تميز بين دول الاتحاد الأوروبي حسب جديتها واحترامها لسيادة المغرب وعدم تدخلها في شؤونه الداخلية.
    لم يعد التعامل مع دول الاتحاد الأوروبي كوحدة منسجمة لائقا لأنهم ليسوا على مستوى واحد تجاه المغرب، ولذلك يلزم التمييز بين دول الاتحاد على هذا الأساس. تميز الرد المغربي على القرار الطائش بحكمة ومعاملة بالمثل دون تجاوز، وهذا هو المطلوب. ويمكن لكل متابع محايد مقارنة تفاعل المغرب والجزائر ليرى الفرق بين دولة تحترم شركاءها وتحرص على الوفاء بالتزاماتها وبين نظام الكابرانات الذي قال في مؤسسات الاتحاد الأوروبي ما لم يقله مالك في الخمر.
    انتهى مفعول التوصية الأوروبية مباشرة بعد إصدارها، ولم تؤثر على ما هو مبرمج في علاقات المغرب مع دول أوربية وفي مقدمتها اسبانيا التي نحن على أبواب قمة ثنائية معها. تعي اسبانيا أن علاقاتها مع المغرب ذات بعد استراتيجي ولم تعد تثق في شركائها الأوروبيين بالقدر الكافي ولذلك فهي أحرص على علاقات ثنائية أوثق مع المغرب لأنها خبرت مصداقية المغرب ووفاءه لالتزامات الشراكة، وهي في موقع يجعلها على إحاطة تامة بخلفيات هذه التحرشات بالمغرب وبأنها مستهدفة بها كذلك. لنقلها صراحة بأن فرنسا تناور للاستفراد بالمغرب وتضع نصب عينيها تعكير صفو العلاقات الثنائية مع اسبانيا وغيرها من الدول، وتريد توريط اسبانيا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي في عداء مع المغرب لإخضاع هذا الأخير وتبقى هي وكيله الحصري. وهذا ما لن يتم أبدا وصار جزءا من الماضي غير القابل للتكرار.
    لا يمكن النظر لهذا القرار الأوروبي بمعزل عن تحولات عميقة تعيشها المنطقة، وفي مقدمتها الجولة الإفريقية لسيرغي لافروف والتي توجد ضمنها زيارة مبرمجة للمغرب لتعزيز التعاون الثنائي. هذا ما لا تستسيغه فرنسا التي تنظر بعين الريبة لهذا النوع من العلاقات فلا تجد غير منطق المناورات والضغط دون تقديم بدائل وتفهم التحولات المتسارعة التي تعطي الحق لكل الدول في تنويع شراكاتها.
    أيتام فرنسا من الطوابرية وصبيان شنقريحة أصابهم الهوس. الخدمة الدعائية “التحياح” التي يتولونها بنظام المناولة بينما الصياد يمسك بجهاز التحكم عن بعد لم تسفر عن نتائج رغم النشاط الاستثنائي الذي طبع خرجاتهم. حفيد بوشتى الجامعي بوبكر الذي يحركه الحقد على المغرب لم يدع منبرا إعلاميا معاديا للمغرب إلا وحل عليه ضيفا مرددا نفس الكلام المشروخ القديم مزينا بتوابل الحقد مع الحرص على تغيير الصفة فقط. عشنا لنسمع تقديم بوبكر الجامعي على منبر فرنسي كأستاذ للعلاقات الدولية!! أين دَرَسَ بوبكر العلاقات الدولية ليدرّسها للغير؟ هل يملك الشجاعة ليدلي بشهادة تخول له حمل هذه الصفة؟ هل هذا النوع من الإعلام مهني ويحترم متابعيه حين يمنح هذه الصفات بدون ضوابط؟ ما نعرفه عن بوبكر أنه خريج المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات بدبلوم يكافئ شهادة الإجازة. فهل هذه الشهادة والتخصص يخولان له تدريس العلاقات الدولية؟ وهل تؤهله هذه الشهادة للتدريس في معهد جامعي؟ ولماذا تصمت فرنسا عن هذا الخرق؟ ولماذا تتعمد هذه المنابر التعسف على صفات أكاديمية لها حرمتها؟
    الجواب واضح. كل شيء يجوز لتلميع الفتى المدلل للفرنسيس لأنه خادم مطيع.
    طوابري آخر أظهر رخصه، رغم أن اسمه يوحي بعكس ذلك، وهو ينزل إلى الحضيض مؤولا بعمى بصيرة وحقد دفين حادثة لسيارة أمن مع الطرامواي للتشفي في المغرب الذي ينتسب إليه. فضح هذا الطوابري خفته ونزقيته أمام من كان يحترمه ولم يضر المغرب شيئا. المعطي مول الجيب وماما خديجة وفؤاد العاطل وجدوا ضالتهم في هيأة فري كلشي ولم يفتهم الركوب على قرار غير ملزم فاستعانوا بخدمات كبيرهم غولدشتاين لعله يخفف عنهم ما نزل. يظنون أن توصية البرلمان الأوروبي ستصيب المغرب بارتباك أو تجعله يهن أو يضعف ويستسلم للضغوط والابتزاز. ويظنون أن أسلوب التجييش بكثرة الملفات كاف لإكساب المصداقية لادعاءات واهية. حالة الفراغ التي يعاني منها هذا التجمع المناهض للمغرب هي التي جعلتهم يكملون ما سموه ندوة صحافية بالنكت والتهريج وكأنها حلقة من حلقات جامع الفنا مع تقدير أصحاب الحلقة في هذا الأخير لأنهم يقدمون منتوجا مطلوبا وذا قيمة مادية ولامادية لا غبار عليها.
    لو كان البرلمان الأوروبي محترما لنفسه، ولو كانت هيومان رايتس منطقية مع ذاتها، ولو كانت أمنستي ومراسلون بلا حدود منظمات غير حكومية فعليا لتعاملوا بمهنية وحيادية وموضوعية مع تلك الادعاءات ولعاملوا بتوازن مختلف أطرافها فاستمعوا للضحايا واطلعوا على الأدلة التي بحوزتهم وحوزتهن. للأسف، غاب كل هذا عن تقاريرهم فلم يعد بالإمكان الاطمئنان لكل خطواتهم.
    يحل الطوابرية لأنفسهم الكذب والتعامل الانتقائي مع المعلومات فلا يبرزون إلا ما يخدم أجندة أسيادهم، ويبيحون لأنفسهم التعسف في التحليل لاستخلاص كل ما يسيء للمغرب ظنا منهم أن لهم بعض تأثير على المغاربة. سيكتشف هؤلاء الحاقدون، كما حصل مرارا، أنهم معزولون عن المغاربة ولا يفقهون أحوال هذا المغرب العصي على التطويع. ويمكنهم التأكد من ذلك بمراجعة نسبة متابعي ندوتهم رغم الاستعانة بخدمات موقع زيان وتجييش بناجح لمريدي الجماعة بدعوى تبني الرفاق لملف باعسو.
    من أهم ما اكتشفناه في هذا الأسبوع تماسك نسيجنا المجتمعي لأن استفزازات مثل هذه تستنهض الأمة بكل مكوناتها. يبعث على الارتياح هذا الحجم من الثقة في قدرات المغرب على مواجهة كل المؤامرات التي يتعرض لها. صار المغاربة على دراية أن المغرب في موقع قوة وله من أدوات المواجهة ما يستطيع به كسر كل مؤامرة ضده، وأن حاجته للاتحاد الأوروبي لا تقل عن حاجة الاتحاد إلى الشراكة معه، وأن المساعدات الأوروبية ليست صدقة أو إحسانا ولكنها أقل بكثير مما يستحق المغرب كدولة جوار لهذا الاتحاد وأنها مقابل طبيعي للكثير من مقتضيات هذا الجوار. يعي المغاربة أن لخيارات كل دولة كلفة وهم مستعدون لها وما على كل المؤسسات إلا أن تكون في المقدمة بحرص على تأهيل ذاتها وتأمين الاستمرارية في أدائها واعتماد منطق الفعل دون الانحصار في ردود الأفعال.
    الجبهة الداخلية للمغرب قوية وموحدة ولن يضرها حالة النشاز والتغريد خارج السرب التي تطبع الطوابرية والمساميم الذين يحلمون بإضعاف المغرب حتى يتقووا هم على حسابه وينعموا بصنبور الريع الذي ألفوه في زمن مضى. وعدا مني أن حلمهم سينقلب إلى كابوس.
    رغم حكمة الرد المغربي وحرصه على أن يكون متناسبا فإنه كان قويا وواضحا ورسالته وصلت لمن يهمه الأمر، وتصريف مقتضياته شرع فيه عمليا. وهذا هو الأهم.
    ليس هناك قوة بمستطاعها استباحة سيادة المغرب والتدخل في شؤونه وانتهاك استقلالية مؤسساته. كل من يشكل تهديدا لمصالح المغرب ووحدته يضع نفسه في خانة الاستهداف من طرف المغرب في الحدود التي يؤمن بها المغرب مصالحه ووحدته. لم يناضل المغاربة من أجل استقلال منقوص أو سيادة مجتزأة. ليكن هذا واضحا ومفهوما للجميع.
    نلتقي في بوح قادم.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    فلسطين: المغرب يستنكر اقتحام باحات المسجد الأقصى من طرف المتطرفين وأتباعهم