العنف في أماكن الفرجة

العنف في أماكن الفرجة

A- A+
  • العنف في أماكن الفرجة

    كيف أصبحت أمكنة الفرجة والتسلية مكانا للعنف والكلام الخاسر الذي لاتراعى فيه لا حرمة ولا ذمة؟ لم وصل بنا الحال إلى هذا المستوى المنحط، عنف لفظي وجسدي في مدرجات الكرة وفي مهرجانات فنية، في جل مدننا أصبحت المقابلات الرياضية والمهرجات الفنية، خاصة تلك التي تجذب جمهورا من الأطفال والمراهقين، مناسبة لتجلي نوع من العنف الذي لم نعتده كمغاربة بيننا، إذ الأمر يتعلق في نهاية المطاف بأمكنة للفرجة وللتسلية والتثقيف والترفيه عن النفس، هل تعود أسباب ذلك إلى التربية وانحطاط القيم؟ أم إلى ضغط نفسي تتعرض له أجيال جديدة ضائعة وغير مؤطرة من المراهقين والأطفال لم يعودوا يجدون من مجالات للتعبير عن أنفسهم ليفجروها في ساحة المهرجانات الفنية وعلى مدرجات الملاعب الرياضية وعلى جنباتها وفي الأحياء المجاورة للمركبات الرياضية أيضا بشكل عنيف ومنحط؟

  • هذا الأسبوع فقط شهدت بعض مدرجات كرة القدم عنفا وتخريبا، أما الكلام الساقط الذي يتم تداوله بصوت عال في المدرجات أو في الأحياء التي يمر منها مناصرو الفرق الرياضية، فحدث ولا حرج، في ذات الآن حج الآلاف من الشبان اليافعين لحفل الرابور طوطو بالرباط، هذا الأخير تلفظ بكلام لا يليق بفنان في حضرة الصحافة وافتخر بكونه يتعاطى الحشيش أمام الملأ، ولم يسلم حفل مهرجان البوليفار من هذا الكلام النابي، مع حديث عن عنف واغتصاب، وكانت السلطات المعنية قد نفت تلقيها أي شكاية في موضوع حدوث اغتصاب، لكن لا أحد يستطيع أن ينفي ما راج من كلام خادش للحياء، نحن لا نريد أن نعالج القضية من وجهة أخلاقية بل فقط نحاول أن نفهم أجيالا واسعة من أبنائنا أصبحت حتى في أماكن الفرجة تحتفل بشكل ساقط، ونريد أن نتساءل من يتحمل مسؤولية هذا العنف المتزايد الذي غزانا بشكل ملفت للانتباه ويدق ناقوس الخطر؟ هل الأمر يتعلق بسوء تربية وسط الأسر؟ أم بقصور في وظائف باقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية من المساجد إلى المؤسسات التربوية والتعليمية حتى وسائط الإعلام والجمعيات والمنظمات المؤطرة لليافعين…؟

    في كل الأحوال لن تكون المقاربة الأمنية كافية لحل مشكل يتمدد بشكل سرطاني في شوارعنا وفي مدارسنا وفي سلوكات أجيال جديدة من أبنائنا تعبر عن فرحتها بالعنف والكلام المنحط، لذلك إذا فهمنا الأسباب والدوافع المحركة لكل أشكال الانحراف في أماكن الفرجة، سيكون سهلا معالجة الظاهرة بتضافر كل أذرع المجتمع والمؤسسات المعنية لتجاوز هذه الآفة.

    وفي تقديري الكل يعتبر مسؤولا عن تدهور الذوق الفني وسيادة العنف اللفظي والجسدي في أماكن الفرجة خاصة، لقد تخلت الأسرة عن وظائفها في التنشئة الاجتماعية وأصبحت ترغب فقط في التخلص من أبنائها لترميهم بيد المدرسة أو الشارع بلا متابعة ولا مراقبة، منسحقة تحت متطلبات الأجيال الجديدة وغلاء كلفة الحياة، تسارع الأسر اليوم للتخلص من ثقل أعباء أبنائها في الشوارع، كما أن روح الفردانية التي أصبحت سائدة في الأسر المغربية جعلت كل واحد من أفراد الأسرة كما لو أنه يعيش في جزيرة معزولة، كما أن المؤسسة التعليمية انحرفت عن أدوارها ولم تعد فضاء للتربية حقا والتنشئة الاجتماعية، أجل الأساتذة يبدو كما لو أنهم يقضون ساعاتهم كأجراء في القسم وانتهى الأمر، وكل واحد باغي غير يدوز سربيسو بخير وعلى خير، كما أن شيوع وسائط التواصل الاجتماعي، سمح لأبنائنا بالابتعاد عنا، إنهم منغمسون مع الآخرين الذين يمنحونهم صوتا ويتبادلون معهم اللايكات والتقاسم، ولا أحد بإمكانه تخليق فضاء مفتوح لتداول خليط من المعلومات المفيدة والمدمرة، أضف إلى ذلك تراجع الذوق الفني لدى الأجيال الجيدة الميالة لموسيقى الصخب وأغاني الكلمات النابية كما لو أنها تشكل لهم أداة للانتقام من إهمال مجتمع أو تفكك أسرة أو فقط الإحساس بالضياع والقهر.. لذلك فكلنا معنيون اليوم لمحاربة هذا الانحطاط الأخلاقي والعنف اللفظي والجسدي المستشري بيننا في تجمعات الفرجة خاصة.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    المتفرج الأمريكي يكتشف تاريخ المغرب الحديث من خلال فيلم “خمسة وخمسين”