البعمري..قراءة أولية لانعكاسات الحرب الر.وسية-الأ.وكرانية على المنطقة المغاربية

البعمري..قراءة أولية لانعكاسات الحرب الر.وسية-الأ.وكرانية على المنطقة المغاربية

A- A+
  • نوفل البعمري يكتب ..قراءة أولية لانعكاسات الحرب الر.وسية-الأ.وكرانية على المنطقة المغاربية

    بعيدا عن المواقف التي قد تكون متباينة من الحرب الروسية الأوكرانية خاصة بالنسبة للتوازنات التي ستفرزها هذه الحرب من حيث تداعياتها على أوروبا والغرب في عدة مستويات مالية، اقتصادية، سياسية في ظل تصعيد متبادل بين الجانب الأوروبي-الأمريكي الذي أعلن عن عقوبات اقتصادية على روسيا، و من الجانب الروسي من جهة أخرى التي أعلنت على جعل الترسانة النووية في حالة تأهب قصوى. و انطلاقا من هذا الوضع العام الدولي الذي أفرز تباين الرؤى لتطورات الأزمة الحالية دولياً، فإنه و أمام معطى تداخل المصالح الدولية و تشابكها فلابد و أن تكون لها انعكاسات و آثار على منطقتنا، المنطقة المغاربية، على أنه و لنكون أكثر دقة فعندما نتحدث على المنطقة المغاربية فنحن نقصد بالتحديد المغرب و الجزائر، و تداعيات الأزمة عليهما و على علاقتهما في ظل الوضع الدبلوماسي الجامد الذي تسبب فيه النظام الجزائري بدفعه للعلاقة مع المغرب إلى القطيعة بإعلانه قطع العلاقة الدبلوماسية مع المغرب، إيقاف تدفق الغاز لأوروبا عن طريق المغرب و حظر الطيران المغربي فوق التراب الجزائري… و هي كلها مؤشرات كانت تُفيد أن هذا النظام يبحث عن الاصطدام مع المغرب، و يريد جره لمستنقع الحرب و هو ما ظل المغرب يتجنبه حفاظا على أمن المنطقة و سلامة شعوبها.

  • في ظل هذا الوضع العام الذي تشهده شمال إفريقيا فإن قراءة انعكاسات الصراع الروسي-الغربي على المنطقة المغاربية نخص بالذكر علاقة المغرب بالجزائر، تدفعنا لأن نطرح سؤالا مباشراً، هل النظام الجزائري مازال يبحث عن الحرب مع المغرب؟

    و قبلها لابد من التساؤل حول تمركز كل من المغرب و الجزائر في الخارطة الجيوسياسية الأوروبية-الأمريكية في ظل هذه التطورات؟

    هنا لابد من التمييز بين علاقة كل بلد مع الغرب من جهة و روسيا من جهة أخرى:

    – بالنسبة للمغرب فهو و إن كان بلدا حليفا تقليديا للولايات المتحدة الأمريكية تجمعهما علاقات تاريخية تشمل مجالات اقتصادية، سياسية و دبلوماسية وصلت للاعتراف الأمريكي الواضح بمغربية الصحراء، كما أنه بالنسبة لحلف النيتو فهو حليف و شريك استراتيجي متقدم يُعتبر المغرب هو الشريك الوحيد من خارج أروبا الذي يحضى بهذه الصفة و بهذه الأفضلية في التعامل، كما أن الترسانة العسكرية المغربية هي حديثة أمريكية و أوروبية الصنع حصل عليها المغرب انطلاقا من الدور الكبير الذي يقوم به في حفظ السلام بالمنطقة و من العلاقة المتقدمة التي تجمعهما معه، فإنه و رغم ذلك اختار التموقع في حياد استراتيجي بقراره الدبلوماسي عدم المشاركة في جلسة التصويت على القرار الذي أصدره مجلس الأمن.

    – بالنسبة للجزائر، فهي بالمقابل حليف استراتيجي لروسيا، تمتلك الترسانة التي تسلمتها منذ العهد السوفياتي ثم الروسي، كما أن هذا النظام تجمعه اتفاقات سرية لزرع مرتزقة الفاغنر الروس بالمنطقة خاصة الساحل، و قد اختارت الجزائر التموقع مع المحور المتحالف مع روسيا من خلال الامتناع عن التصويت على القرار.

    هذه المقارنة البسيطة تجعل عمليا الجزائر تتخندق مع المحور الروسي كما كانت سابقا مع الاتحاد السوفياتي،بحيث أن مسارها على مستوى تموقعها الدولي مختلف عن المغرب، فموقع كلا البلدين التاريخي و الدولي يجعلنا نعود لمسألة سؤال الحرب في المنطقة الذي ظلت تلوح به الجزائر، و نطرحه في ظل الموقف الغربي من الحرب الروسية على أوكرانيا، هل الجزائر اليوم عازمة كما كانت في السابق على الدخول في حرب مع المغرب؟!

    إذا كان الجواب واضحا قبل الأزمة الحالية التي يعيشها الغرب في علاقته بروسيا يتجه نحو القول بنعم، على اعتبار أن الجزائر كانت مستعدة للدخول و جر المغرب لحرب معها لأسباب داخلية بالأساس، فإن إعادة طرح السؤال اليوم يحيل على جواب آخر، جواب يجعلنا نقول معه يستحيل أن يغامر النظام الجزائري مهما كانت حماقاته في ظل هذه المتغيرات الجيواسترانيجية التي يعيشها العالم خاصة الغرب، بإعلان أحادي الجانب الحرب على المغرب لعدة أسباب منها:

    – أي قرار بالحرب اليوم من عدمه يجب وضعه في سياق التحولات الحالية التي يشهدها العالم، إذ الغرب في ظل هذا السياق سينظر لأي تحرك عدائي عسكري من الجزائر تجاه المغرب كتهديد مباشر له، و امتداد لجبهة عسكرية روسية في المنطقة على غرار ما تقوم به في أوكرانيا على حدود أوروبا الشرقية، أي على مشارف أوروبا من جهة شمال إفريقيا التي لا تبعد إلا كيلومترات قليلة عن أروبا خاصة جانبها المتوسطي.

    – العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا على روسيا، هي نفسها ستطال و أكثر منها في حال كان هناك أي تحرك عسكري جزائري في المنطقة لأنه سيُكيف على أساس أنه تهديد لأوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية، و امتداداً للصراع الذي تشهده أوروبا في جانبها الشرقي، مما سيعرض النظام الجزائري لحصار اقتصادي و عقوبات صارمة، حازمة في حقه وفي حق رموزه خاصة و أن الجنرالات الجزائريين لهم أرصدة تقدر بملايير الدولارات في البنوك الأوروبية.

    – النظام الجزائري استنزف الثروات الطبيعية التي يمتلكها خاصة من الغاز و النفط، كما أن رموزه قد “التهموا ” كل العائدات المالية من بيع الغاز و هو ما جعل الدولة الجزائرية تعيش أزمة اقتصادية خانقة لن تستحمل معها أي حصار اقتصادي و لو جزئي، أو أية عقوبات اقتصادية مهما كان حجمها خاصة في ظل ما يبديه الغرب من صرامة مع أي تهديد محتمل له خاصة إن كان من جهة جنوب أوروبا في المنطقة المتوسطية.

    لهذه الأسباب يمكن القول بأن النظام الجزائري قد وعى جيدا هذه التحولات و هو ما جعله لا يصدر أي بيان حول الحرب الحالية عكس المغرب، و سيكون اليوم أكثر من ذي قبل متجنبا الدخول في أي حرب أو محاولة دفع المنطقة لأي توتر إقليمي لأن ذلك سيتم التعامل معه من طرف أوروبا و الغرب عموما كتهديد مباشر لهما، و امتدادا للتحرك الروسي في المنطقة، و سيُعرض الدولة الجزائرية لرد قد يكون صارما من طرف الولايات المتحدة الأمريكية و حلف النيتو اللذين كان الفضل لروسيا في إعادة توحيدهما من جديد من خلال بعث فكرة المصير الجماعي للغرب في مواجهة مختلف التهديدات التي قد تواجهها خاصة النووي، بحيث أن أي تحرك جزائري سيُكيف كتهديد مباشر لهما.

    و إذا كنا من هذا المنطلق نقول أن الخيار العسكري الذي ظلت تلوح به الجزائر تجاه المغرب، قد أصبح مستحيلا و نسبة وقوع الحرب قد أصبحت معدومة، فإنه في مستوى آخر يجب طرح السؤال حول مصير أنبوب الغاز، فهل سيظل النظام الجزائري على موقفه الرافض تمديد أروبا بالغاز عن طريق المغرب؟

    الجزائر اليوم ستكون أمام خيارين،لا ثالث لهما:

    – إما أن تختار الجزائر أن يظل أنبوب الغاز الذي يمر من المغرب في اتجاه أوروبا معطلا في حال طُلب منها إعادة تشغيله من طرف الغرب، و ظلت على نفس موقفها الحالي، و هو ما ستعتبره أوروبا تضامنا مع روسيا و إعلان عن سلوك عدائي تجاه الغرب عموما، و اصطفاف مع بوتين في الحرب الاقتصادية التي تعتبر امتدادا للحرب التي تجري في الميدان، و ستنظر الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا للجزائر من هذه الزاوية و من هذه الاصطفافات التي تحدث اليوم، و بذلك سيكون هذا النظام قد أعلن العداء للغرب!!

    – أو ستختار الجزائر بالمقابل موقفا عقلانياً، في حال ما كان هذا النظام يتمتع به، و سيقرر إعادة تشغيل أنبوب الغاز الذي يمر من المغرب في اتجاه أوروبا لتعويض النقص الذي سيحصل في ظل العقوبات التي ُفرضت على روسيا اقتصاديا، و ستكون مناسبة لتوطيد العلاقة الطاقية مع الغرب عن طريق المغرب، و التراجع عن كل المواقف العدائية تجاهه و التي إذا ما استمرت-المواقف العدائية- ستؤدي إلى انهيار المنطقة أمنيا، بهذا سيكون النظام الجزائري قد استوعب مختلف المتغيرات الجيواستراتيجية التي يشهدها العالم اليوم، و تكيف معها بشكل يحمي فيها مصالح المنطقة ككل.

    ما يجب أن نستنجه اليوم من خلال قراءة التأثيرات الجيواستراتيجية على المنطقة، هو أن النظام الجزائري في مفترق الطرق خاصة و أنه لم يصدر لحدود اللحظة أي بلاغ يوضح موقفه من الحرب الروسية-الأوكرانية، سيكون عليهم الاختيار بين طريق الواقعية السياسية أو طريق “الغباء”الجيواستريتيجي هذا الخيار الأخير الذي سيؤدي بالجنرالات الجزائريين إلى أن ينتهي بهم المطاف نحو الهاوية و سيكون مصيرهم مرتبط بشكل مباشر بما سيحدث من تطور للأزمة الروسية-الأوكرانية، عكس المغرب الذي له اختيارات دبلوماسية واضحة عبر عنها في بلاغ وزارة الخارجية الذي كرس وعيه بمختلف المتغيرات العميقة التي يشهدها العالم، و الذي يظل خياره هو الخيار العقلاني مثله أيضا قراره بعدم المشاركة في جلسة التصويت على القرار الذي أدان روسيا في خطوة تعبر عن استقلالية قراره الدبلوماسي و أن قربه الاستراتيجي من الغرب لم يجعله أداة من أدواته، و ما على النظام الجزائري إلا أن يحذو حذوه فيه، و أن يتعاملوا بذكاء مع المصالح الحقيقية للشعب الجزائري، و الانخراط مع المغرب في خيار التعامل بواقعية مع المتغيرات التي تشهدها العلاقات الدولية من منطلق حماية مصالح الجزائر أولا و مصالح شعوب المنطقة المغاربية، و هو ما سيجعلهم قريبين من المغرب، و سيضعون الدولة الجزائرية على سكة الطريق الصحيح نحو حل كل المشاكل العالقة في المنطقة المغاربية على رأسها قضية الصحراء المغربية التي مع هذه المتغيرات التي تصب كلها نحو تبني دولي و وعي عالمي بفكرة دعم سيادة الدول على كامل أراضيها و وحدة شعوبها.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    المتفرج الأمريكي يكتشف تاريخ المغرب الحديث من خلال فيلم “خمسة وخمسين”