الخالدون والتافهون

الخالدون والتافهون

A- A+
  • قدَر هذا البلد أن يُنجب الشُّجعان والوطنيين الصادقين، والذين يَبذلون كل جهد في نكران تام للذات وفي صمت وبلا إشهار، ولا ينتظرون جزاء ولا شكورا، في الحواضر كما في القرى، بين النساء كما الرجال، بين الشيوخ كما الشباب، ما حفظ لهذا البلد عزّته وشموخه، هم مواطنون كانوا يوجدون في مصالح الدولة، في جمعية أو في قرية نائية، أو امرأة في أحد المداشر وسط الجبال، أو في مؤسسات عديدة داخل وخارج المغرب.. أحبوا هذا البلد، وأخلصوا له النيات وضحوا بكل ما عندهم، بالقليل أو الكثير، ليظل المغرب على أحسن صورة، موحدا ومستقرا، متعددا ومنسجما، وحدته في تنوعه وغناه في تعدد روافده الإثنية والبشرية والثقافية… لتظل المملكة الشريفة قوية في محيطها وقادرة على تجاوز أزماتها وما يصيب كل جسد حي من مشاكل ومخاطر.. رحم الله محمد الخامس والحسن الثاني على ما بذلاه من غالي ونفيس من أجل تحرر هذه البلاد وصمودها واستقرار مؤسساتها، ورحمة الله على عبد الكريم الخطابي، الزرقطوني وعلال بن عبد الله، موحا أو حمو الزياني وماء العينين… وباقي الشهداء والمقاومين، رحم الله علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي وبوستة وعلي يعتة وبنزكري…. ولائحة الفضلاء بلا حدود، وغيرهم ممن ماتوا في صمت وظل الناس في كل مكان يذكرون بَذلهُم وعطاؤهم لوطنهم، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر..

    في الماضي كما في الحاضر، مثل هؤلاء هم الذين يصنعون مجد المغرب، ويحفظ لهم المغرب والمغاربة ما قدموه من خدمات جليلة وفي صمت دون أن يتقاضوا على نضالهم وصمودهم لا صدقة ولا جزاء ولا استفادة من ريع.. وهؤلاء كثر بيننا اليوم، ويوجدون في قلب مؤسسات الدولة كما يوجدون في المجتمع المدني، في الحكم كما في المعارضة، وبهم يسمو المغرب اليوم ويتقدم ويظل رافعا رأسه بشموخ لا تطأطئه النوائب والخطوب..

  • لكن وجد بيننا أيضا الخونة وحثالة التاريخ، كما مع الروكي بوحمارة والدمية بن عرفة، لدينا اليوم طابور خامس لا يعجبه أن يتقدم المغرب ولا أن يتحول إلى قوة إقليمية صاعدة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بعضهم قلبه مع علي وسيفه مع معاوية، وبعضهم يظل يأكل الغلة ويسب الملة، يستفيد من الريع ويطالب بمحاربته، يقتات من أوكار الفساد ويطالب بفضح الفساد.. ألا إنهم هم المفسدون في الأرض، نحن لا نحشر في خانة الطابور الخامس المعارضين الصادقين الذين يدافعون عن وطنهم ويطمحون أن يكون أحسن مما هو عليه اليوم، ولكنهم لا يغمسون سكاكينهم في جراح بلدهم ويتباهون نكاية بمطباته، لأنهم صادقون ونزيهون ومنسجمون في سلوكهم وفي قناعاتهم، وهم كثيرون وبهم عزة هذا الوطن واستقراره وتطوره الديمقراطي وتنافسه السلمي بين مختلف الفرقاء في المجتمع…

    ما يحز في نفسنا، هو أن الخونة الذين قصدتهم لهم شَبه بجلدتنا وبشرتنا، كبروا على هذه الأرض وتنفسوا هواءها وشربوا ماءها، واحتضنتنا كما احتضنتهم سماؤها وشمسها، لكنهم يختلفون عنا، في خلو قلبهم من “ريحة تامغربيت”، هؤلاء الذين تخالهم واحدا وقلوبهم شتى، لأن كل واحد منهم له مصلحة في ألا يتقدم المغرب، وأن لا يظل بلدا مستقرا وآمنا، ويرون أنه في كل “تقربيلة” فائدة له، وأنه حتى لو انفصمت عرى الدولة وانقلبت الأرض سافلها على عاليها، سيكون الوضع أحسن مما هو عليه اليوم.. هؤلاء المنافقون الذين لا تجمع بينهم لا روابط إيديولوجية ولا انتساب سياسي ولا وحدة فكرية ولا مرجعية دينية، إذ تضم “الروحانيين” (من التروحين) والراديكاليين الملحدين، و”بزنازة” النضال الحقوقي كما “ثوريو الويب” الباحثون عن الشهرة والمال.. يريدون إطفاء نور الوطن، والله حافظه.. وها هو المغرب يحقق الانتصار تلو الانتصار، ويقدم رجلا ويتلوها بالأخرى دون تراجع، لأن كفة المخلصين لروح تامغربيت الذين يشدون بالنواجذ على وطنهم ومؤسساتهم، غلبت كفة الطوابرية الذين منوا ولا زالوا بانتكاسات غير مسبوقة وما زال العاطي يعطي.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي