جدل جواز التلقيح بين الحرية والضرورة

جدل جواز التلقيح بين الحرية والضرورة

A- A+
  • أثار قرار الحكومة اعتماد جواز التلقيح لولوج الفضاءات العامة ومقرات الإدارات والمؤسسات التعليمية والاستشفائية جدلا لا زالت تداعياته قائمة بيننا، لن نلتفت هنا لأصحاب نظريات المؤامرة، الذين يعتبرون سن جواز التلقيح هو من أجل الإلهاء وخلق نقاش هامشي بدل الالتفات إلى المشاكل الحقيقية للبلد، أو بكونه من حيث السياق والمناسبة، جاء لتمرير قانون المالية، أو غيرها من الترهات التي لا يصدقها العقلاء، وإنما يهمنا هنا حقا الاعتراضات التي تملك الكثير من الوجاهة الحقوقية، من مثل أن المغرب اعتمد حرية الاختيار في التلقيح بدل إجباريته، فكيف يتم تحويل الاختياري إلى إلزامي؟، أو أن اعتماد جواز التلقيح ستكون له انعكاسات اقتصادية واجتماعية… هذه الاستدلالات والحجج التي اعتمدها أطباء وحقوقيون وغيرهم ممن لا يمكن التشكيك في تماسك وجهة نظرهم من الناحية الحقوقية الصرفة، لهم الحق في التعبير عن رأيهم، هذا هو المغرب الذي نريد، مغرب مختلف ومتعدد ولكن في إطار تماسك اجتماعي قوي.. لكن دعونا نجادل العقلاء ممن بدا لنا أن رأيهم هو الأسلم فيما يخص اعتماد وثيقة التلقيح في إطار الحرية والاختيار، وبين الحق في الصحة العامة لكافة المواطنين وواجب الدولة في حماية حياتهم؟

    نحن مع الإقرار بأن مبدأ فرض جواز التلقيح يمس الحياة الخاصة وحرية اختيار الأفراد، لكن السؤال الذي لا يطرحه هؤلاء، هو هل كان اللجوء إلى فرض إلزامية التوفر على وثيقة جواز التلقيح خيارا بين خيارات عديدة، أم ضرورة باعتباره الخيار الأوحد والأمثل لخلق المناعة الجماعية والعودة إلى الحياة الطبيعية، هذا النقاش هو نفسه يعيدنا إلى حالة الطوارئ والحجر الصحي العام، ألا يمس بأقدس حقوق الإنسان من حرية الحركة والتنقل وحرية الاختيار، والحق في التعليم والشغل؟ ألم يكن هو الخيار الوحيد والسلاح الفعال للحد من انتشار الوباء وحفظ الصحة العامة للمواطنين، ولو أن لذلك آثارا عميقة على الاقتصاد الوطني وعلى نفسية الناس وعلى إنهاك أفراد السلطات العمومية التي سهرت على تطبيق قانون الطوارئ والحظر الشامل؟

  • لا يمكن أن نسمح ببعض الحقوق ونغض الطرف عن أخرى، الحكومة لجأت إلى ضرورة الإدلاء بوثيقة جواز التلقيح، بعد أن لاحظت أن المواطنين لم يعودوا يُقبلون على التطعيم ووجود نوع من الاستهتار في الحياة العامة، لا كمامات ولا تباعد اجتماعي ولا التزام بالتدابير الوقائية، والعديد من المغاربة اعتقدوا أننا «قطعنا الواد ونشفو رجلينا»، والعالم كله يقرع أجراس الإنذار ببروز متحور جديد للفيروس القاتل، فأيهما أسهل: حرية الاختيار في التطعيم، وبالتالي الحرية في عدم الإدلاء بجواز التلقيح، أم ننتظر حتى يتفشى الوباء من جديد ونعود لحظر جزئي أو كلي لم يعد لا المغاربة ولا جسد الاقتصاد ولا الإنهاك العام الذي تعرضت له الأطر الصحية يتحملهما؟ أيهما أخف الضررين وما الأشد انتهاكا لحقوق الإنسان: التطعيم الذي يعتبر حتى اليوم الحل والعلاج الوحيد، وبالتالي الإدلاء بجواز التلقيح مثل الإدلاء ببطاقة التعريف الوطنية، أم هو السماح بحرية الأشخاص في عدم التطعيم، وبالتالي احتمال إصابتهم بالعدوى ونقل الفيروس القاتل وإضرار حتى الملقحين منا بدعوى الحرية؟ ما الأقل ضررا انتهاك حرية اختيار التلقيح من عدمه أم تفريط الدولة في حماية الصحة العامة؟

    جواز التلقيح في رأيي المتواضع هو اليوم مثل آلات «السكانير» في المطارات التي تلزمنا بالتجرد من ملابسنا وأحزمة السراويل وأحذيتنا للسماح لنا بالعبور، وهو انتهاك صارخ لحق الإنسان في الحياة الخاصة والحميمية، وبين الحماية من الإرهاب والحفاظ على الحياة، نحن اعتدنا الذهاب إلى المطار والتجرد من بعض ملابسنا وأحذيتنا بحرية، ولا نشتكي، لأن الحق في الحياة أسبق من الحق في حرية الاختيار، نفس الشيء مع حمل جواز التلقيح ومع مبدأ التطعيم، إذا كان سيحفظ الصحة العامة ونعود تدريجيا إلى الحياة العادية، لنمارس حقوقنا بمنطق الاختيار لا بعنف الضرورة..

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الدارالبيضاء تستعد لاحتضان النسخة الثالثة من التظاهرة MOROCCO MALL JUNIOR PRO