بوح الأحد: دولة شنڭريحستان تقطع العلاقات في رحلة البحث عن حرب مع المغرب..

بوح الأحد: دولة شنڭريحستان تقطع العلاقات في رحلة البحث عن حرب مع المغرب..

A- A+
  • بوح الأحد: دولة شنڭريحستان تقطع العلاقات في رحلة البحث عن حرب مع المغرب، أفغانستان أول الغيث بداية التنافس بين القاعدة و داعش على أرض الميدان وأشياء أخرى

    أبو وائل الريفي

  • أسبوعا بعد آخر يبين حكام الجزائر أن ليس للحمق عندهم حدا. كل أسبوع يخبئ نظام الجنرالات تصرفا أحمق من سابقيه. لقد كان واضحا أن الجزائر تتجه نحو قطيعة من جهة واحدة تجاه المغرب، ولذلك لم يكن مستغربا قرار قطع العلاقة الذي اتخذ منذ مدة على أعلى مستوى بين الجنرالات ويُبحث له فقط عن مسوغات وظرفية يمكن من خلالهما إقناع الجزائريين به. وجه الغرابة إذن لم يكن في القرار في حد ذاته فقد كان منتظرا، ولكن الغرابة تمثلت في المبررات التي تم على أساسها اتخاذ القرار والطريقة تم بها إعلانه. لقد كان لزاما لتبرير القرار النبش في التاريخ واستدعاء وقائع بقراءة مضللة ومتعسفة لتكون متناغمة مع قرار اتخذ بدون أسباب حقيقية ويلزم لعمامرة أن يجد له مسوغات ولو بتزوير التاريخ. لذلك لوحظ نوع من التكلف والعناء في تصريحه لأنه أجهد نفسه  لتبرير ما لا يبرر، والمثير للسخرية أن لعمامرة ردد بشكل ببغاوي أن المغرب استعمل منظومة “بيڭاسوس” للتجسس على 6000 رقم جزائري، كأن القرار في الجزائر يصنعه آلاف الجزائريين وكان على لعمامرة أن ينور الرأي العام ويكشف أسماء 5999 من صناع القرار في الجزائر خارج شنڭريحة، فحتى لعمامرة ليس و لن يكون من صناع القرار في الجزائر لأن شنڭريحستان لا يصنع القرار فيها إلا واحد يمثل المؤسسة القابضة فعلا بزمام الأمور والباقي كومبارس وجزء من الديكور.

    كان واضحا على محيا لعمامرة مشاعر متناقضة، فهو من جهة في حالة انتشاء لأنه حقق حلم الانتقام من عدو تاريخي ينغص عليه عمله في كل المنتديات الدبلوماسية التي يكون طرفا فيها رغم الجولات المكوكية التي يقوم بها وحشر أنفه في أكثر من ملف، ومن جهة أخرى بدا محرجا بسبب ضعف الحجج والمبررات والأسباب التي كان يقدمها أمام الصحافيين والتي لا تستدعي جميعها قرارا بهذا الحجم.

    لعمامرة الذي فشل في تولي منصب مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا بعد رفض الولايات المتحدة ترشحه بسبب عدم حياده يحاول اليوم أن يجد لنفسه موطئ قدم في الأزمة الليبية، خصوصا أن أهم المفاوضات التي تمت بين الفرقاء الليبيين تم تنظيمها في المغرب، ولذلك فهو يسابق الزمن لقيادة وساطة في الملف الليبي نهاية الشهر ضدا في وساطة المغرب التي سبقته بسنوات وحققت إنجاز اتفاق الصخيرات الذي كان له فضل في الحد من الكثير من التداعيات السلبية بين الليبيين والذي ما يزال مرجعا لكل المنتظم الدولي. لعمامرة هذا صار شغله الشاغل هو المغرب، وكل هاجسه اتباع خطوات المغرب بممحاة تعجز حتى الآن عن محو أثر الدبلوماسية المغربية. وكان الأولى به الانتباه لمطبخه الداخلي وهو يرى الهزائم المتوالية التي يمنى بها هو وجبهته الانفصالية في المنتظم الدولي بعد تزايد أعداد المعترفين بمغربية الصحراء وارتفاع عدد القنصليات في الصحراء المغربية وتراجع دول، كانت محسوبة على المحور الجزائري، عن الاعتراف بجمهورية الوهم. وليعوض عن خسارته كان يلزمه اتخاذ قرارات متطرفة مثل قطع العلاقة مع المغرب.

    ولأن الحمق لا حد له، فلا يمكن تصور قرار آخر بعد قطع العلاقة إلا إعلان الحرب على المغرب، وبهذا ستتحقق نبوءة شنقريحة، كبيرهم الذي علمهم الحقد والتزوير، الذي أوصى في أكثر من مناسبة بالاستعداد لمواجهة “العدو الكلاسيكي” والتفاخر بأن الجزائر هي أقوى دولة في المنطقة. للأسف، فعسكر الجزائر لم يتخلص بعد من هذه العقيدة الفاسدة المفسدة للجوار.

    كشف لعمامرة وجنرالاته أنهم رهائن للماضي الذي دونوه بمداد الحقد والتزوير ومن محبرة الكذب على المغرب الذي كان خير سند للمقاومة الجزائرية. إنه التحليل البئيس لنخبة حرب الرمال التي لا تتصور المغرب إلا عدوا وتعاني مركب نقص تجاهه ولا تتصور وجودا مريحا لها إلا بإضعاف المغرب. للأسف، يصدق على هؤلاء مَثَل الذي كذب الكذبة وصدقها ويريد من الجميع تصديقها، ربح رهان الاستقرار ومحاربة الجريمة والإرهاب والتنمية والشراكة مع الاتحاد الأوربي وغيره لن تنجح فيه دول جنوب المتوسط إلا مجتمعة، وهذا سر إصرار المغرب على تفعيل الاتحاد المغاربي. 

    وكشف لعمامرة وجنرالاته أنهم في حالة إنكار للواقع وجهل بمقتضيات المرحلة التي يمر منها العالم والتي تستدعي تكاثف جهود الجميع والتعاون لربح رهان الاستقرار والتنمية. تجاهل حكام الجزائر كل المعطيات الجيوسياسية التي تتهدد المنطقة مساهمين في إضعاف جهود التصدي للجريمة والإرهاب وغيرهما من التهديدات بقرارهم قطع العلاقات.

    وكشف لعمامرة وجنرالاته جهلهم بالمستقبل والآفاق التي تنتظر المنطقة وينتظرها شركاؤها لأن أبسط مطلع على تحديات المستقبل لا يمكنه الإقدام على خطوة مجنونة مثل هذه.

    لم يعلم لعمامرة، ومن أمره بتلاوة قرار قطع العلاقة مع المغرب من الجنرالات، أن قرارهم ليس إلا رصاصة طائشة سترتد عليهم قبل أن تصيب غيرهم. إنه قرار بدون تبعات وجدوى. فليس هناك علاقات ذات بال أصلا حتى يتم قطعها. هي علاقات محدودة في حدها الأدنى، والمتضرر منها أساسا هم مواطنو البلدين الذين يعيشون في المغرب والجزائر. وإعلان القرار لم يكن يستحق تلك الهالة وتنظيم ندوة صحافية وانشغال كل الإعلام الجزائري بنقلها حيث بدا لعمامرة خلالها يمطط الإجابات على نفس الأسئلة بصيغ متعددة وكأنه حريص على إطالة زمن الندوة من أجل لا شيء. وهذا لا يصدر إلا عن من يعيش فراغا حقيقيا ويوهم نفسه أمام عدسات المصورين بانتصارات لا يستوعبها إلا خياله الواسع. لقد خانت العبارات لعمامرة واختلطت عليه الصفات حتى بدأ ينهل من القاموس الحربي رغم أنه دبلوماسي قبل كل شيء، ولذلك فالمبررات والمفردات التي تم بها الإعلان كان يلزم أن تصدر عن جنرال وليس عن دبلوماسي.

    ومرة أخرى، يقدم المغرب الدرس لحكام الجزائر في أخلاقيات وجماليات التعامل الدبلوماسي وسلوك رجال الدولة من خلال بيان وزارة الخارجية الذي تميز بالإيجاز والدقة والأناقة وحسن انتقاء العبارات. في مثل هذه المواطن “خير الكلام ما قل ودل” ولكن لعمامرة وريث مدرسة “الإسهال في الكلام” لن يستوعب هذا ولو عاش قرنا بعد ذلك.

    قرار الجزائر متسرع ولو أنه اتخذ بعد طول تفكير وتشاور بين حكام الجزائر، ومبرراتها غير مقنعة لأن القرار اتخذ مسبقا وكان فقط يبحث له عن مبررات، وهو خطوة لتضليل الداخل وإلهاء الجزائريين وشغل أنظارهم عن الفشل الذريع في تدبير شؤون البلاد التي تغرق في المآسي. للأسف لم يتخلص جنرالات الجزائر من نظرية المؤامرة. هم لا يتصورون استقرارا للأوضاع داخل الجزائر إلا بصناعة عدو وهمي، وألفوا توحيد تناقضاتهم الداخلية باستعداء المغرب. ولكن هذه المرة خانتهم الأسباب ولن تنطلي مبرراتهم على الجزائريين وعلى المنتظم الدولي لأن الزمن غير الزمن ووسائل التواصل تتيح للرأي العام الاطلاع على الحقائق من خلال مصادر أخرى غير إعلام الدعاية الحربي الذي يمسك بزمامه الجنرالات.

    بدا القرار متناقضا حين تحدث لعمامرة عن عدم تضرر مواطني البلدين من قطع العلاقة متناسيا أن قطع العلاقة في حد ذاته ضرر لما يثيره من تشنج العلاقات وتشكيل حالة رهاب قد تستغل لتأزيم الوضع وقد يذهب ضحية الشحن أشخاص لا ذنب لهم. كيف لن يتضرر مواطنو البلدين من خطوة انفرادية يريد لعمامرة صناعة شكلها وحدودها. الحقيقة أن ما لن يساهم في إلحاق ضرر بمواطني البلدين هو الرد المغربي وطريقة تعاطيه مع التهور الذي طبع قرار حكام الجزائر. وعلى هذا المستوى، لا يمكن للجزائريين والمنتظم الدولي إلا الاطمئنان لأنهم خبروا المغرب عبر التاريخ ويثقون في حكمة الملك محمد السادس وصدق سياسة اليد الممدودة للجزائر. هم واثقون جدا من عدم انجرار المغرب نحو أجندة الجنرالات الحربية.

    لو كان المجلس الأعلى للأمن في الجزائر مقتنعا بالمبررات ومتأكدا من صدق الاتهامات التي أطلقها ضد المغرب لأعلن عن الأدلة. ويعجب المرء حين يرى هذه النبرة الوثوقية في كلام تبون ولعمامرة حول اتهام رشاد والماك بالتسبب في الحرائق في منطقة القبايل مع العلم أن لا اعتقالات جرت هناك ولا محاكمات نصبت ولا أحكام نهائية صدرت. غريب هذا المنطق الذي يطبع سلوك حكام الجزائر. ألا يجب على حكام الجزائر مواجهة المغرب بالأدلة على تورطه في تمويل ودعم الماك؟ لماذا لا يحرج حكامُ الجزائر المغربَ إذن أمام اتحاد المغرب العربي والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وكل المنتظم الدولي بتقديم هذه الأدلة؟ لماذا لم تتخذ الجزائر خطوات ضد قيادات الماك ورشاد الموجودة في أوربا طالما أن بحوزتها أدلة؟

    يعلم الجميع أن قيادات من رشاد نشيطة في سويسرا وفرنسا وبريطانيا، ويعلم الكل أن الماك موجودة في باريس ومنها أعلنت سنة 2010 تشكيل حكومة مؤقتة لمنطقة القبائل يرأسها فرحات مهني. لماذا لا تطالب باعتقال هذه القيادات إذن؟ هل يظن عاقل أن الجزائر ستتأخر عن المطالبة بهؤلاء المتورطين من الدول التي يقيمون فيها لو كانت لديها أدلة قانونية؟

    لو كانت تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي حول الجزائر هي السبب، فلماذا لم تحتج الجزائر رسميا ضد حكومة تل أبيب؟ أليس منطق الأشياء يستدعي احتجاجا رسميا ضد ممثل إسرائيل عوض اتهام بوريطة بتوجيه تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد ضد الجزائر؟ ألهذا الحد وصل الخوف من المغرب إلى حد تصويره كمتحكم في تصريحات وزير إسرائيلي؟

    إن هذا الإقحام لموضوع إسرائيل في خطوة قطع العلاقة مع المغرب ليس إلا رد فعل خائب على الهزيمة المدوية التي تلقاها لعمامرة حين قاد حملة فاشلة ضد عضوية إسرائيل في الاتحاد الإفريقي كعضو مراقب وهو الذي كان يظن أن باستطاعته النجاح وكأنه يملك مفاتيح الاتحاد الإفريقي. وإقحام إسرائيل في هذه الخطوة محاولة فقط لاستدرار التعاطف الشعبي ومساندة بعض الدول التي تعادي إسرائيل والظهور بمظهر المدافع عن الحق الفلسطيني. والملاحظ أن هذا الرهان فشل كذلك لأن الربط كان غير منطقي ولأنه كان يلزم الاحتجاج رسميا على إسرائيل بسبب تلك التصريحات التي تراها الجزائر متحاملة عليها. ولو كانت الجزائر جدية في عدائها لإسرائيل لكانت قراراتها وسلوكها واحدة تجاه كل المتعاملين مع إسرائيل. فلماذا تتوسط بين مصر وإثيوبيا والسودان في أزمة سد النهضة إذن وكلها دول مطبعة مع إسرائيل قبل المغرب؟ ولماذا لم تقم بنفس الخطوة تجاه الأردن والإمارات كذلك؟

    يتضح الآن أن كل المبررات والأسباب المعلنة من قبل حكام الجزائر واهية، ولذلك ينبغي البحث عن الأسباب في غير المعلن عنه. ولن تخرج هذه الأسباب عن عدم قدرة لعمامرة وفريقه وأسياده عن مجاراة التفوق الدبلوماسي المغربي في كل القضايا، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية حيث تُمنى الدبلوماسية الجزائرية وصنيعتها البوليساريو بهزائم متتالية في كل الواجهات، وتتجلى كذلك تلك الأسباب في فشل الرهان الجزائري على تحول موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من مغربية الصحراء مما جعلها تفقد صوابها وتتسرع باتخاذ قرار قطع العلاقات لتهديد المنتظم الدولي بتداعيات تفكك المنطقة في ما يخص ملفات الإرهاب وانتشار الجريمة. أما الأسباب الداخلية فتتجلى في التغطية على حالة الفشل في تدبير شؤون البلاد والتجاوب مع انتظارات الجزائريين والوفاء بالوعود التي قطعها تبون للحراك الشعبي الذي سماه بعظمة لسانه مباركا قبل توليه الرئاسة، وتتجلى في حالة الانحباس التي يعيشها نظام العسكر وحالة العقم التي تصيبه منذ سنين حيث صار متخلفا عن طموحات الجزائريين لأنه متقوقع في الماضي ومصر على قراءة التاريخ ب”المقلوب” ولم يتخلص من الأحقاد ومرتاح لسياسة الهروب إلى الأمام عند كل مشكلة.

    لقد ألف حكام الجزائر تصدير أزماتهم الداخلية إلى الخارج واصطناع عدو وهمي لتقوية جبهته الداخلية، ولكنهم تناسوا أن هذا حل لم يعد صالحا الآن لأن الشعب الجزائري صار يرى الواقع بعيون أخرى ويتلقى الحقائق من مصادر أخرى، وحتى إن نجح هذا الحل  فمفعوله مؤقت وسرعان ما سيستفيق الرأي العام ليسائل حكام الجزائر عن الفشل المتراكم وهم المفتقدين لأبسط مقومات العيش الكريم.

    الكرة الآن في ملعب النخب من البلدين للعب دورها الحقيقي لتجنيب المنطقة تداعيات التهور الجزائري الذي يفتت المفتت. وقد عبرتُ في بوح سابق، وكنت أتوقع هذه المآلات، عن دور المجتمع المدني في الإبقاء على رابطة الاتحاد المغاربي وتقليص كل التداعيات السلبية التي يمكن أن تترتب عن قرار جنرالات الجزائر الذي اتخذ من طرف واحد بمبررات واهية وفي ظرفية غير مناسبة وأعلن عنه بطريقة تفتقد للياقة وكانت أشبه بقرار إعلان حرب وليس مجرد قطع علاقات دبلوماسية.  

    نترك الشأن الجزائري وحماقات حكام الجزائر لننتقل إلى الشأن الأفغاني الذي لن يقتصر أثره على أفغانستان والمنطقة وحدها. ما يحدث في أفغانستان سيطبع العالم مستقبلا وفي المدى القريب.

    بعد أسبوع على سيطرة طالبان على كابل، وبعد انكشاف اتفاقات قبلية جرت تحت الطاولة وفوقها، يتضح اليوم أن المشكلة ليست في مبدأ الانسحاب ولكن في توقيته وطريقته. مبدأ الانسحاب كان منتظرا منذ سنين ولكن توقيته كان متسرعا وطريقته كانت مذلة وصيغته الأحادية كانت مضرة لحلفاء أمريكا قبل غيرهم وخادمة لأحلاف أخرى.

    لقد طفا على السطح طيلة هذا الأسبوع سوء التفاهم بين أمريكا وشركائها الغربيين حول آخر أجل للانسحاب والخوف من انفراد كل طرف بمواقف تجاه طالبان لأن من شأن هذا تقوية نفوذهم بلعبهم على تناقضات الدول ومصالحها الفردية. باريس ولندن وبرلين يطالبون بتمديد الإجلاء إلى ما بعد 31 غشت وأمريكا تعلن وفاءها لهذا التاريخ وطالبان تعتبر التمديد خط أحمر. هذه أول انتكاسة للتحالف الغربي. لقد وصل الأمر بألمانيا، الخائفة على مصالحها ورعاياها، إلى حد تصريح المستشارة ميركل أمام البوندستاغ بأن “طالبان حقيقة واقعة في أفغانستان” وأن “هذا الواقع الجديد مرير لكن علينا مواجهته”، ولكن مع أمريكا ووراءها حيث قالت بأن سلطات بلادها ستواصل عمليات الإجلاء من أفغانستان ما دام ذلك ممكنا، ولكن ذلك لن يكون ممكنا إلا مع الولايات المتحدة الأمريكية.

    قد تنجح هذه الدول في ترحيل مواطنيها الغربيين وقواتها، ولكنها حتما لن تتوفق، في حدود هذا الأجل، في ترحيل الأفغان المتعاونين والمتعاقدين معها والمهددين مستقبلا. وهذه رسالة سلبية لكل من يتعاون مع هذه الدول مستقبلا وتسليمهم لطالبان. لا يمكن التعويل على وفاء طالبان بوعودها الآن بتوفير ممر آمن للمدنيين، وهو مطلب الدول السبع، الذين يريدون الرحيل من أفغانستان لأن الوفاء بهذا الوعد رهين بميزان القوى مستقبلا والذي سيصبح لصالح طالبان التي ترى من الآن أن هذه سياسة لإفراغ البلاد من الكفاءات وتعتبر أن ذلك سعي لإفشال نظام حكمها. وبعيدا عن ترحيل الأفغان والأجانب يطرح خطر المعدات والأسلحة الأمريكية والغربية الموجودة هناك والتي يمكن سقوطها في يد طالبان ومن شأنها منحها تفوق عسكري إقليمي غير مضمونة نتائجه. ولأن قادة الدول الغربية أعلنوا أنهم سيحكمون على طالبان من خلال أفعالها وأنهم لا يثقون في وعودها فإن عنصر الزمن والانتظار يلعب لصالح طالبان التي تتقوى يوما بعد آخر وتربح المساحات وتوطد أركان حكمها بعد التعيينات الجديدة في المناصب الحساسة في البلاد. ما الضمانة  المتوفرة لإخراج كل السلاح الغربي من أفغانستان في ظل هذا الأجل القصير جدا والذي جعل مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان يصرح بأن عملية الإجلاء معقدة وخطيرة، وجعلت بايدن يوصي مستشاريه بوضع سيناريو للتمديد في حالة الاضطرار إليه. لماذا لم يؤخذ بعين الاعتبار مبكرا مطلب باقي الشركاء الذين فوجئوا بهذا التاريخ الذي لا يناسبهم؟ أليس هناك تخوف من الخضوع للابتزاز الطالباني في حالة الرغبة في التمديد بما يمَكن طالبان من اشتراط بعض الشروط التي تقويهم أكثر من قبيل الإفراج عن الأرصدة المالية المجمدة والاعتراف بنظامها وإمارتها؟ ألا يمكن فهم اللقاء السري بين مدير المخابرات الأمريكية ورئيس المكتب السياسي لطالبان في هذا السياق؟ إنه اللعب بالنار ووضع المنطقة كلها أمام المجهول. قلت هذا منذ أول يوم وهاهو يتأكد يوما بعد آخر. وقد كان يمكن الوصول إلى انسحاب بطعم الانتصار لو أحسن اختيار التوقيت والطريقة وقد كانت بالمتناول لو انفتحت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على فاعلين آخرين وخبرات أخرى ولكنها وضعت بيضها كله في سلة القطريين.

    قد تعيش أفغانستان بعد هذا الانسحاب المتسرع حالة فراغ قاتلة يستغلها خصوم الناتو والغرب والعرب لصناعة واقع جديد في المنطقة، وقد بدأت ملامحه من الآن في ظل الدور الإيراني النشط هذه الأيام لتوظيف ورقة الحدود لتقوية دورها تجاه أفغانستان متجاهلة الخلاف المذهبي والطابع التكفيري لطالبان ومغلبة مصلحتها الاستراتيجية في المنطقة مع الاستعداد للعب ورقة الأقليات الأفغانية في إيران من خلال توظيف “فيلق فاطميون الأفغاني” الذي كان له دور كبير في سوريا بعد 2012 واكتسب خبرة ميدانية لا يستهان بها هناك. وللإشارة ففيلق فاطميون هذا يتكون في غالبيته من الأفغان اللاجئين في إيران والذي تقدر وكالة غوت اللاجئين عددهم بنحو ثلاثة ملايين لاجئ أفغاني على الأراضي الإيرانية، وقد نجحت إيران في تشكيل ميليشيا مذهبية منهم بسوء استغلالها لمآسيهم الاقتصادية والاجتماعية ورغبتهم في تسوية أوضاعهم غير القانونية في الإقامة على التراب الإيراني. وهذا يذكرنا كذلك بتصريحات للحكومة الأفغانية السابقة حول التخوف من مساعي إيرانية لجر البلاد إلى الفتنة الطائفية من خلال تنظيم الحشد الشيعي الأفغانية الذي ترعاه إيران في أفغانستان. كما أن إيران بدأت من الآن اللعب على ورقة شعب الهازارا وهم أقلية شيعية اثني عشرية تتحدث الفارسية تعيش في أفغانستان. وبالمقابل، تلعب الهند ورقة أحمد شاه مسعود في ولاية بانجشير لقيادة تمرد ضد طالبان لتقوية موقعها في نظام الحكم المرتقب بعد الانسحاب ولتكون لها حصة تؤثر بها على مستقبل أفغانستان وولاءاتها إقليميا، وروسيا والصين كذلك لا تخفيان استعدادهما لربط علاقات جيدة مع نظام طالبان رغم التحفظات الشكلية التي تعبر عنها التصريحات الرسمية. وطبعا النفوذ الباكستاني حاضر بقوة بحكم الارتباطات الوثيقة تاريخيا ومذهبيا مع طالبان. ولأن الأمر مصالح، ومصالح فقط، لا علاقة لها بالدين والمبادئ فإن تركيا أوردغان التي استبشرت بسيطرة طالبان وأعلنت رغبتها منذ البداية في الانخراط في الإشراف على أمن مطار كابل والمساهمة في إعادة إعمار البلاد سرعان ما تغيرت لهجتها بعد توصلها برسالة من طالبان تفيد أنها هي كذلك معنية بإجلاء قواتها. وحسب ما تسرب فإن حاجة طالبان لا تعدو أن تكون دعما فنيا تركيا لتشغيل المطار فقط. هذه الرسالة كانت كافية لينقلب أوردغان على نفسه ويعلن أنه يتعامل مع رسائل طالبان ب “تفاؤل حذر وأفعالها وليس أقوالها هي ما سيحدد شكل المرحلة القادمة في البلاد”. هذه كانت أكبر ضربة تلقاها أوردغان في أفغانستان والمستقبل وحده سيبين هل قلبه على أفغانستان أم هو لعابه فقط الذي يسيل على صفقات إعادة الإعمار. وهذه مرة أخرى رسالة للبسطاء الذين يتصورونه خليفة المسلمين والذين تنطلي عليهم جعجعة الشعارات والتصريحات التي يراد بها فقط مصلحة تركيا ولو كانت على حساب مصالح شعوب أخرى. 

    الآن وقد بدأ التنافس بين القاعدة وربيبتها داعش على الأرض من أجل إلحاق آخر الهزائم بالقوات الغربية في أفق إعادة أرض أفغانستان إلى سابق عهدها كأرض لتفريخ الجهاديين من أجل إعادة توجيههم إلى خارج أفغانستان إيذانا بفشل أمريكا التي اختارت أن تنسحب وتتنكر لكل التزاماتها السابقة في إطار مكافحة الإرهاب.

    أكبر هزيمة يمكن أن تمنى بها قوات ودول ليست هي الهزيمة العسكرية ولكنها الهزيمة النفسية والإعلامية لأن تأثيرها يطال معنويات الجيوش والشعوب وقادة الدول. وللأسف تتجه الأمور نحو هذا الاتجاه بطريقة تدبير الانسحاب من أفغانستان والمستفيد ليس هو الشعب الأفغاني ولا أفغانستان بقدر ما سيستفيد من الوضع قوى متطرفة تتحين الفرصة لتغرق أفغانستان في حرب طائفية وتدخل المنطقة في دوامة عنف وعنف مضاد. وقى الله بلادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن. ودام العز للمغرب ولقادته الذين يدبرون العلاقة مع جنرالات الجزائر بحكمة وصبر نفس عز أن تلقاه عند مسؤولين آخرين. حقا لا يستطيع تحمل حماقات حكام الجزائر إلا راسخ في الحكمة والصبر وصاحب قشابة واسعة ونظرة مستقبلية تجعله لا يلتفت إلى هذه التصرفات الصبيانية لأن عينه على المستقبل. ولا شيء غير المستقبل.

    والمستقبل هو أن الجزائر ستصحو، عاجلا أم آجلا، من غفوتها التي طالت للأسف، وسترى أنها أضاعت جهودا ووقتا كان الأولى أن تصرفها لبناء اتحاد مغاربي وتستثمرها في تحسين جوارها مع المغرب الذي لن يكون إلا حاميا لوحدتها وشعبها ومصالحها. عقيدة المغرب الراسخة هي أن جزائر موحدة وقوية مصلحة مغربية قبل أن تكون مصلحة للجزائر. 

    هذا هو المغرب الواضح سيحمي حدوده داخل أراضيه، و هو قادر على إفشال كل المخططات التي تستهدف ٱستقراره و تطوره، فالجزائر تصورت أن المغرب معزول لكنها أخطأت التقدير لأن العلاقات المغربية الإسبانية يتم إعادة بنائها على أسس جديدة وما على الجزائر إلا أن تنتظر مفاجآت في القريب العاجل ستشكل لها صدمة تعري كل حساباتها السابقة واللاحقة.

    ومن راهن على تدهور العلاقات المغربية الفرنسية من خلال باطل بيڭاسوس تيقن اليوم أن فرنسا الرسمية أعلم من غيرها بحقيقة الحملة الكاذبة وخفاياها بعد أن أخرس المغرب الجميع واحتفظ لنفسه بأوراق الضربة القاضية والتي سيلعبها في الوقت المناسب أمام القضاء الفرنسي. فأين هم غلمان بيڭاسوس، لقد خرسوا جميعا وخرس معهم تجار الجنائز والأكفان بعد أن فشلت كل مخططاتهم وبارت وعادت الأمور إلى حجمها الطبيعي.

    إنه المغرب الصامد، المغرب القوي، المغرب الذي يراكم الانتصار بعد الانتصار في الوقت الذي يحصد خصومه وأذنابهم في الداخل الخيبات تلو الخيبات ويراكمون الهزائم بعد أن فشلت كل رهاناتهم بفعل صلابة الرجال الذين لا يؤمنون إلا بالمغرب وقوة المغرب وعزة المغرب، وما النصر إلا من عند الله.

    نلتقي في بوح آخر

     

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الشرطة القضائية بتنسيق مع الديستي توقف شقيقين يشكلان موضوع مذكرات بحث