بوح الأحد: عودة الرئيس الجزائري إلى أساطير الأولين في حوار من محبرة الماضي،..

بوح الأحد: عودة الرئيس الجزائري إلى أساطير الأولين في حوار من محبرة الماضي،..

A- A+
  • بوح الأحد: عودة الرئيس الجزائري إلى أساطير الأولين في حوار من محبرة الماضي، أرقام الهاتف الثابت تفضح حملة بيڭاسوس المخدومة، وقف إضراب سليمان يعيد الملف إلى حجمه الطبيعي وأشياء أخرى
    أبو وائل الريفي
    بالقدر الذي صنع خطابُ العرش الأخير الحدثَ فإن حوار تبون كان باهتا ولم يستحق من وكالات الأنباء والرأي العام اهتماما رغم أن السياق كان يستدعي ذلك. ترى ما هو السبب؟
    بدا الحوار ثقيلا ومتصَنعا استُعمل فيه الصحافيان المحاوران ك”أرانب حوار” (قياسا على أرانب السباق) دورهما مساعدة الرئيس على تبليغ رسائل جنرالات العسكر وتذكيره بها في حالة الشرود عن الموضوع. ولذلك لم يستحق التداول الإعلامي الواسع لأن رسائله كانت خارج السياق وغير مرتبطة بالواقع ولا تتجاوب مع مطالب الجزائريين وتتجاهل الأولويات التي تحتاجها البلاد. ومصير حوار بهذه المواصفات هو النسيان السريع لأن الواقع لا يرتفع ولأنه حوار أشبه بالفاست الفود الذي لا يحتاج وقتا وجهدا للهضم، وقد غطت الحرائق التي عرفتها البلاد وتفشي انتشار الوباء على كل تطمينات الرئيس للجزائريين لأنهم اكتشفوا مرة أخرى عجز الدولة وفشلها رغم الإمكانيات المالية التي تتوفر عليها من عائدات النفط والغاز. وهذه مناسبة لتعزية كل مكونات الشعب الجزائري في مصابهم جراء هذا الحريق وتمنياتنا أن تتغلب البلاد على موجة الحرائق التي يتسع نطاقها في منطقة المتوسط هذه الأسابيع وتستلزم تكثيف الجهود والتعاون بين دول الجوار. وهنا تظهر استباقية الخطاب الملكي وصحة المعطيات التي ارتكزت عليها دعوته الجزائر لفتح الحدود وتطبيع العلاقات بين البلدين. وكم بدا ملكنا كبيرا مرة أخرى وهو يعطى تعليماته لوزيري الداخلية والخارجية للتعبير لنظيريهما الجزائريين عن استعداد المغرب لمساعدة الجزائر للتصدي لموجة الحرائق. في كل مرة يظهر المعدن الأصيل للملك ورقيه عن الحسابات الضيقة. فماذا كان رد تبون؟
    توجه الرئيس تبون إلى الشعب الجزائري بخطاب مفاجئ ليعرض جهود الدولة في التصدي لموجة الحرائق التي تضرب مناطق كثيرة من البلاد ويا ليته ما تحدث. كان يفترض في الخطاب طمأنة الجزائريين فلم يزدهم إلا خوفا من المستقبل لأنهم اكتشفوا قصر نظر حكامهم العاجزين عن توفير طائرة واحدة لإخماد الحرائق، كما اكتشفوا من قبل عجز حكامهم عن توفير قارورات أوكسجين للمرضى. فكيف يطمئنون على مصيرهم في أمور أخرى؟
    كان خطاب تبون خطاب اعتراف بالفشل بنبرة استسلامية لم تخفها عبارات الحزم التي توجه بها إلى من يريد شق وحدة الجزائريين وهذه مناسبة لتذكيره بصبر المغرب على جبهة الانفصال عقودا من الزمن وهو الذي بدا جد متشدد تجاه من يستهدف وحدة البلاد وحُق له ذلك لأن وحدة الوطن خط أحمر.
    قال تبون بأن الاتصال تم مع الدول الأوربية الصديقة قصد اقتناء طائرات ولكن لم تكن هناك استجابة بحكم إرسال كل الطائرات للمساعدة في إطفاء حرائق اليونان وتركيا، وكان لا بد من الانتظار حتى الخميس حيث وصلت طائرتان فرنسيتان. قفز تبون للأسف عن الحقيقة ولم يكن شفافا مع شعبه ليصارحهم بأن المغرب عرض المساعدة وجهز طائرتين للمشاركة في عملية الإطفاء بمجرد الحصول على الموافقة من السلطات الجزائرية ولكن التحية المغربية تم الرد عليها رسميا بأقل منها. لم يستخلص تبون وجنرالات العسكر الدرس من التضامن الأوربي حيث تداعت كل الدول لمساعدة تركيا رغم الخلاف والتباين في السياسات معها لأن اللحظة إنسانية لا محل فيها للمزايدة، ولأن المساعدة تنصرف إلى البلد والشعب، ولأن الضرر قد يتعدى تركيا إلى غيرها من الدول. وكعادته كذلك لم يصارح تبون الشعب بأسباب عدم توفر البلاد على أي طائرة وهي التي تتوفر على غطاء غابوي بملايين الهكتارات.
    وكما لا يمكن تغطية ضوء الشمس بالغربال فإنه لا يمكن حجب مبادرة المغرب عن الشعب الجزائري الذي تفاعل معها في مواقع التواصل الاجتماعي بالترحيب مقابل التجاهل الرسمي والإعلامي بأوامر من الجنرالات. ما زال حكام الجزائر يشتغلون بعقلية قديمة للأسف تتماهى مع وكالات الأنباء الرسمية التي تتصور نفسها  المصدر الوحيد للخبر.
    لقد عكس خطاب تبون إرادة حكام الجزائر في تعطيل الاتحاد المغاربي لأن دول الاتحاد إن لم تتداع إلى بعضها البعض في مثل هذه الشدائد فمتى ستتحرك؟ وما جدوى هذا الاتحاد عمليا بالنسبة للشعوب إن لم تر فائدته في هذه اللحظات؟ هل يعي تبون وجنرالاته الجريمة التي ارتكبوها في حق الشعب الجزائري والغطاء الغابوي الجزائري برفض اليد الممدودة من المغرب بدافع إنساني لا غير.
    بدا الرئيس الجزائري في حواره الصحفي مدافعا عن الجيش أكثر من دفاعه عن الشعب وهو ما يوضح أن مصدر مشروعيته هو العسكر وليس الشعب. كما بدا في خطابه ملتمسا الأعذار للجيش بشكل مبالغ فيه متناسيا الإشارة إلى أن التمويل الذي يذهب إلى جبهة البوليساريو ضدا على إرادة الجزائريين كان يمكن أن ينفعهم في هذه الضائقة التي نتمنى كمغاربة أن يتغلب عليها الجزائريون عاجلا وبأقل الأضرار.
    وأنا أتابع الحوار الصحفي لم أجد فيه سوى كلام مكرر ممجوج من طرف الجزائريين قبل غيرهم لأنه لا يحمل لهم جديدا يبشرهم، وحتى ردُه على دعوة المغرب لم يكن مفاجئا فليس بالإمكان أن يقول غير ذلك وهو أسير مصالح نخبة مستفيدة من الوضع الحالي ترى استمرارها في تعميق الخلاف والنفخ فيه وليس استمراريته فقط.
    لقد حاول تبون تجاهل دعوة المغرب بتخصيص حيز زمني قصير لها ولكنه تناسى أن المغرب كان حاضرا في كل فقرات حواره، بل شكل المغرب العمود الفقري لكل كلامه لأن دعوة المغرب وتطوره ونجاحاته صارت هاجسا مؤرقا لتبون وكل المتنفذين في مربع الحكم في الجزائر. وهنا يبرز الفرق الشاسع بين دعوة المغرب ورفض الجزائر.
    لقد كانت دعوة الملك محمد السادس منسجمة مع استراتيجية المغرب التي لم يخفها أبدا، بل بسطها بوضوح تام في الخطاب الملكي بأديس أبابا أثناء القمة 28 للاتحاد الإفريقي في يناير 2017 حين ركز على التعاون جنوب جنوب ووضح أن المغرب يتقاسم ما لديه مع الأفارقة دون مباهاة أو تفاخر، وأنه أحرص على أن تكون الريادة للقارة الإفريقية وليس للمغرب، وأنه بمجرد استعادة المغرب لمكانه فعليا داخل الاتحاد، فإن جهوده ستنكب على لمّ الشمل والدفع به إلى الأمام. والحقيقة أن هذا الخطاب يستحق الرجوع إليه كثيرا لفهم خطوة المغرب تجاه الجزائر ووضعها في إطارها الاستراتيجي وسياقها الظرفي.
    لم يخف الملك حينها أن جمود الاتحاد المغاربي عائق كبير لأن شعلته انطفأت في ظل غياب الإيمان بمصير مشترك، ولأن هذا الحلم يتعرض للخيانة، ولأن هذه المنطقة تعتبر الأقل اندماجا في القارة الإفريقية، إن لم يكن في العالم أجمع. حينها، وفي ذات الخطاب، أكد الملك محمد السادس بأن المواطنين في البلدان المغاربية لا يفهمون هذا الوضع، وبأن الاتحاد المغاربي سينحل بسبب عجزه المزمن على الاستجابة للطموحات التي حددتها معاهدته التأسيسية. وقد بصم خطاب تبون الأخير على صحة هذا التشخيص الملكي وصواب استنتاجاته. حكام الجزائر يطلبون عون الدول الأوربية ويتجاهلون عرض دول مغاربية ويرفضون حتى الرد عليها رسميا ويفضلون استمرار الحرائق. يفضلون كراء طائرتين على أخذهما من المغرب بدون مقابل لأن من شأن ذلك حسب منطقهم الأعوج إظهار جنرالاتهم في حالة ضعف وفشل. إنه العبث بمصير الشعوب والمنطقة وتفضيل إحراق البلد على قبول عرض المساعدة لأن ذلك يعني عند حكام الجزائر اعترافا بالتفوق المغربي وفشلهم كحكام أداروا البلاد منذ الستينيات. هذه هي العقدة الملازمة لحكام الجزائر  والتي يلزم انتظار  وقت طويل ليتخلصوا منها ولكن في انتظار ذلك سيدفع الشعب الجزائري والاتحاد المغاربي الثمن.
    لم يقف المغرب متفرجا بعد هذا الخطاب، بل بادر بعد شهور بتقديم مقترح للجزائر بمناسبة خطاب الذكرى 43 للمسيرة الخضراء يوم 6 نونبر 2018 لأن عامل الوقت مهم والمغرب لا يضيع فرصة لتفعيل الاتحاد المغاربي باعتباره نقطة الضعف الأساس في الاندماج داخل القارة الإفريقية. وحتى بعد تجاهل الدعوة من طرف الجزائر التي حكم ردَها منطق سياسوي ضيق كرر المغرب العرض ثانية في خطاب العرش الأخير. وهذا هو الفرق بين من ينطلق في سياساته من تصور واضح وثابت مبني على تشخيص موضوعي وتحديد دقيق لماهية المصالح المشتركة وبين من تحكمه هواجس وأساطير وتتحكم فيه لوبيات تنتعش فقط في الأزمات والصراعات.
    لكل ما سبق، أؤكد بأن الذي أثارني أكثر في حوار تبون ليس رده على المغرب ولكن وجه الإثارة تمثل في منطق تبون في الدفاع عن مقاربة الجزائر التي حكمها الاعتراف بالفشل الدبلوماسي قاريا ودوليا والارتكان إلى حنين أسطوري من صنع الخيال مع محاولة إضفاء صبغة الحقيقة على قوة الجزائر قاريا بافتعال معطيات، حيث قال بأنه في بداية التسعينيات كانت دراسات أمريكية تقول أن الدول المؤثرة في إفريقيا ثلاثة هي الجزائر وجنوب إفريقيا ونيجيريا.
    لقد نطق تبون بما يختلج في صدره ويتحكم في سياساته وبين أن سبب عقدته تجاه المغرب هو التفوق المغربي الذي صار يشاهده جنرالات الجزائر قاريا. وهذا ما يفسر تحركات لعمامرة المكوكية لاستدراك الهزائم المتتالية للدبلوماسية الجزائرية. فهل فعلا تشكل الجزائر قوة قارية؟ وهل للنظام الجزائري جاذبية قارية؟ وهل لها ما تقدمه لدول القارة الإفريقية؟
    نيجيريا دخلت في شراكة استراتيجية مع المغرب منذ سنين من خلال أنبوب الغاز افريقيا-الأطلسي الذي سيمتد على طول 5660 كيلومترا بين نيجيريا والمغرب ويمر عبر دول عدة إضافة إلى مشاريع أخرى مثل مصنع إنتاج الأسمدة بنيجيريا. نيجيريا إذن فهمت التحولات القارية ووعت جيدا مصلحة شعبها في الشراكة مع المغرب وعائداتها على دول الجنوب بما تحققه من نقل الغاز من البلدان المنتجة نحو أوروبا وبما سيساهم به مشروع أنبوب الغاز كذلك في هيكلة السوق الكهربائية الإقليمية، وبما سيشكله من مصدر أساسي للطاقة تخدم التطور الصناعي وتعزز التنافسية الاقتصادية، وبما ستخلقه من حركية اقتصادية تكون لها نتائج اجتماعية إيجابية على القارة جميعها.
    وحتى جنوب إفريقيا لا تضع موقفها من قضية الصحراء المغربية عقبة أمام تحسن علاقاتها مع المغرب. وهو ما تؤكده مشاريع ثنائية بين البلدين خلال هذه المدة.
    وهنا كذلك يكتشف الجزائريون قصر نظر الرئيس ورهنه مستقبلهم ومصالحهم  بقضية لا تهمهم وليست مصيرية مقارنة مع فتح الحدود وتطبيع العلاقات. ولذلك قلنا في البوح السابق بأن المبادرة المغربية أحرجت النظام أمام شعبه وفضحت أنه صار يرى مستقبل البلاد بعيون البوليساريو ويصر على رؤية التحولات ب”عين ميكا”. لا يريد حكام الجزائر رؤية العدد المتزايد للدول التي سحبت اعترافها بجمهورية الوهم وعدد القنصليات التي تفتح في الصحراء المغربية والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، والجمهوريةُ الوهمية التي لا وجود لها دوليا إلا في الاتحاد الإفريقي وقد صارت تضيق عليها الدائرة فيه بعد النشاط الدبلوماسي الفعال للمغرب. لا يصح إلا الصحيح، والمغرب يحصد بعد عقد من الزمن ما زرعه بمبادرة الحكم الذاتي. وما زال العاطي يعطي.
    هذا هو المغرب الذي يجتهد بإمكانياته المحدودة لتطوير شراكة جنوب جنوب والتي يريد للقارة الافريقية أن تكون قاطرتها. وللأسف هذه هي الجزائر التي ما يزال رئيسها يحن لزمن عدم الانحياز والحرب الباردة. ألم أقل لكم أن لعمامرة وفريقه يعالج واقع اليوم بأدوات الأمس؟!
    لقد كانت الرؤية الملكية واضحة تجاه العمق الإفريقي للمغرب، ولم تقتصر على الأقوال بل عززها المغرب بالأفعال لأن سياسة محمد السادس تؤمن بمشروعية الإنجاز. وقد عبر عن هذه الإنجازات الملك في خطاب أديس أبابا حين تحدث عن إبرام المغرب مع البلدان الإفريقية 949 اتفاقية همت مختلف مجالات التعاون خلال 17 سنة فقط، وهي ضعف الاتفاقيات التي وقعها بين سنتي 1956 و1999. وهذه الاتفاقيات هي محصلة لأزيد من 46 زيارة همت 25 بلدا إفريقيا.
    لماذا إذن ترهن الجزائر موقفها من فتح الحدود بقضية مصطنعة رغم النفع الذي يعم البلدين والمنطقة من فتحها؟ الجواب عند شنقريحة وجنرالات البلاد والمنتفعين من أوضاع التأزم والذين يقودون البلاد نحو الهاوية ويوظفون مقدراتها لما يخدم مصالحهم ولو تعارضت مع مصالح البلاد والعباد. وقد صار الجزائريون اليوم أكثر وعيا بخيوط هذا اللوبي وارتباطاته وأكثر قدرة على التعبير عنه بشعارات بسيطة البناء ولكنها عميقة الدلالة مثل “مدنية ماشي عسكرية” و”سترحلون جميعكم”.
    هذه إذن هي الأسباب الحقيقية التي جعلت جنرالات الجزائر يرفضون اليد الممدودة من المغرب ويدقون ناقوس الخطر ويستنجدون بالحرس القديم ضدا على مطالب الحراك الشعبي. وهي أسباب لن تنفع البلاد في شيء ولن يستفيد منها الجزائريون كذلك ولن تفيد المنتفعين من الوضع القائم لأن التحديات القادمة أكبر من أن ينجح في مواجهتها تبون وفريقه العسكري بهذه المقاربة التي ترى في نجاحات المغرب تهديدا وجوديا لهم. في العلاقات الدولية يمكن للكل أن يكون رابحا إن أحسن تدبير علاقاته وأجاد قراءة التحولات المحيطة به ونجح في توجيه بوصلته في الاتجاه الصحيح ولم يضعها ضد التيار.
    للأسف، هذا هو واقع الحال الذي لم يخفه تبون في حواره الذي “بشر” فيه الشعب الجزائري ب “تزيار السمطة” وهو يتحدث عن فشل الدولة في مواجهة كوفيد رغم إنفاق 3 ملايير دولار، وعن برامج التشغيل الفاشلة والتي سيعوضها برفع التعويض عن البطالة، وعن نقص الماء، وعن الخصاص في العملة الصعبة، وعن فشل النظام البنكي. وللأسف مرة أخرى لم يتحدث عن مصير عائدات النفط والغاز وطرق صرفها محاولا الهروب إلى الأمام كعادته للحديث عن عدم الاعتماد على النفط وحده. يعترف تبون ضمنيا بفشل النموذج الجزائري لما بعد الاستقلال ويحاول بشكل محتشم التحول نحو لبرلة الدولة وتشجيع القطاع الخاص، وهو ما لا يمكن أن ينجح في بيئة عسكرية ومنظومة اقتصادية مبنية على التأميم أساسا.
    لا يمكن المرور على نتائج الانتخابات المهنية بالمغرب مرور الكرام، وخاصة أمام تضارب الاستنتاجات وسعي البعض إلى إسقاطها على الانتخابات التشريعية. إن استقراء التجارب الانتخابية السابقة يبين أن هناك فرق بين كل استحقاق انتخابي وآخر. لانتخابات الغرف المهنية نظامها ومرشحوها وناخبوها ورهاناتها وانتظارات المشاركين فيها وآليات التعبئة والاستقطاب خلالها. وقد عرفت هذه الانتخابات فعلا تراجعا مثيرا لممثلي العدالة والتنمية يفتح الباب أمام سؤال عريض عن حصيلة تدبير الحزب خلال ولايتين انتخابيتين. لقد انتقل الحزب من المرتبة الخامسة ب 196 مقعدا إلى المرتبة الثامنة ب 49 مقعد، أي أنه خسر 147 مقعدا. وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على انتخابات ممثلي المأجورين، حيث عرف الاتحاد الوطني للشغل، الذراع النقابي للحزب، تراجعا من 7 في المائة إلى 5 في المائة، أي أنه لم يصل هذه المرة إلى عتبة 6 في المائة التي تمنحه صفة النقابة الأكثر تمثيلية وتؤهله لحضور جلسات الحوار الاجتماعي. وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على الانتخابات الجزئية في أكثر من دائرة لم يوفق فيها مرشحو الحزب.
    ومع ذلك، لا يمكن إسقاط هذه الإخفاقات على ما تبقى من انتخابات تشريعية وجماعية لأن الرهانات والكتلة الناخبة والانتظارات مختلفة، ولكن يمكن أن تعضد هذه النتائج عوامل أخرى لا تخدم العدالة والتنمية مثل العمل بالقاسم الانتخابي الذي خلاصته الوحيدة هي صعوبة حصول الحزب على نفس عدد المقاعد التي حصل عليها سنة 2016، وتراجع شعبيته وسط الطبقة المتوسطة التي شكلت خزانه الانتخابي الرئيسي بفعل سياساته التي كانت هذه الطبقة هي المتضرر الأول منها، وبسبب دخوله هذه الانتخابات مشتتا وغير موحد مقارنة مع سابقاتها مما يؤدي إلى فتور في صفوف قواعد الحزب وقد بدا ذلك واضحا في أكثر من مدينة حتى الآن، زيادة على إعراض الكثير من قياداته عن الترشح لأن ثلثي أعضاء الأمانة العامة غير مرشحين وهو مؤشر على ضعف حماس وخوف من واجهة جمهور الناخبين، ولا ننسى أن التراجع نتيجة حتمية لأي حزب حكومي اتخذ قرارات مفصلية قد تكون غير منتظرة من طرف جمهوره الناخب قبل خصومه. وبالمقابل، هناك مجهود تبذله أحزاب منافسة تنتظر أخطاء العدالة والتنمية منذ سنين. هل هذا يعني نهاية العدالة والتنمية؟ أم أن هزيمته انتخابيا صارت مؤكدة؟ بالتأكيد الجواب بالنفي. وستثبت الانتخابات صحة ما نقول، وبأن الجديد في الانتخابات القادمة سيكون جليا في التقارب بين كوكبة من الأحزاب، وخاصة الصفوف الثلاثة الأولى التي لن تخرج عن العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال.
    وأخيرا، أنهى سليمان الريسوني إضرابه عن الطعام بمحض إرادته كما بدأه بمحض إرادته وبتحريض من الطوابرية “غرارين عايشة”. لقد كانت متمنيات المعطي كبيرة من خطوة الإضراب لفك الطوق عن ملفه وتحقيق انفراج يستفيد منه الطوابرية ضدا على القانون ولكن الاستراتيجية فشلت لأنها بنيت على تقديرات لم تستوعب المتغيرات الجديدة فأسقطت كل الطابور في امتحان ابتزاز القضاء وإضعاف الدولة. لم تنجح الشعارات والحملات الدعائية والمعلومات المغلوطة والادعاءات في تغيير الحقيقة، ولا أحد سيصدق أسطورة إضراب عن الطعام دام 122 يوما، بل سيبحث الكل اليوم بحيادية في بيانات مندوبية السجون التي كانت تنطلق من المعطيات الحقيقية وتكرر دائما أن سليمان لا يخوض إضرابا حقيقيا عن الطعام وأنه يتلقى وجبات مقوية ويخضع لفحوصات طبية منتظمة ووضعه الصحي غير مقلق ولا يستدعي نقله للمستشفى. اليوم يتأكد الكل من صحة هذه التقارير، ويتأكد كذلك من انتكاسة الطوابرية وفشل استراتيجيتهم التي وجدت مؤسسات قوية غير مستعدة للتنازل عن اختصاصاتها والتدخل في صلاحياتها. لقد كان إيقاف الإضراب عن الطعام مأتما عند المعطي والمتصابي فؤاد اللذان فقدا ملفا يروجانه للتغطية عن فسادهما، وكان صدمة لزوجته خلود التي ظلت تدون عن استمرار الإضراب رغم أن سليمان علق إضرابه قبل ذلك، وسيدخل بعض المتسكعين في بطالة لأنهم فقدوا “بريكول” كان ينشط صفحاتهم التي لا يراها إلا من يدور في فلكهم.
    ها قد انتهى ملف الإضراب عن الطعام كما بدأ بدون خضوع للابتزاز، وها هو سليمان الذي قتلتموه مرات و مرات واشتريتم كفنه وأقمتم عزاءه أكثر من مرة حي يرزق، وها هو الملف بدأ قانونيا ولن ينتهي إلا قانونيا، وما على سليمان إلا “يخدم عقلو” ويفكر في مصلحته وليس أمامه مستقبلا إلا إثبات براءته أمام القضاء بعيدا عن إلباس قضيته لباسا سياسيا لا يليق بها وبعيدا عن سياسة الإنكار التي صارت مكشوفة أمام وقائع واضحة وضوح الشمس. وعلى دفاعه دراسة ملفه جيدا والبحث عن براءته بأدوات القانون لأن قاعات المحكمة بعيدة عن لغة السياسة. الحل في الملف لن يخرج عن طابعه القانوني من خلال محاكمة تأخذ حجمها الطبيعي. وعلى الطوابرية البحث عن ملف آخر رحمة بسليمان وابنه هاشم إن كانوا يريدون لهما الخير، وإلا فإنهم يرتضون التضحية به للتغطية على ملفاتهم المفتوحة.
    ولأن الطوابرية يعيشون خريفهم الذي ظنوه ربيعا، فإن فزاعة بيكاسوس لم تعد تخيف أحدا، والحقائق حولها تنكشف يوما بعد آخر. وبعد هذه المسافة الزمنية صار واضحا حجم المؤامرة على المغرب في هذا الافتراء وصار أوضح من ذلك من هو حقيقة المستهدف بها وهم من يقف في الصف الأول للدفاع عن المغرب، حيث تتسابق هذه الأيام بعض الجهات لاستهداف شخص بعينه بنشر الأساطير حتى صار من لم يلتقه أو يجالسه أو يحدثه مصدرا للمعلومة وهذا اكتشاف مهني جديد في الصحافة. لا يمكن أن يتحدث عن الرجل إلا من عرفه عن قرب وعايشه طيلة مساره وخبره في الشدائد، وهؤلاء للأسف لا يتحدثون احتراما لرغبته هو أولا وأخيرا لأنه يعي جيدا أن كلامه هو عمله وإنجازاته أفضل من يتحدث عنه وأنه في غير حاجة للدعاية، كما يعي بأن طبيعة عمله تصنع له من الخصومات أضعاف ما تمنحه من صداقات وسط فئات لا ترضى عن أحد إلا وفق مصالحها. والرجل اختار ركوب الصعاب بالقطع مع كل الامتيازات وإعلاء سلطة القانون وسيادة المؤسسات.
    لقد نجح خيار المغرب في امتصاص الحملة وتحويلها إلى مناسبة لفضح حقيقة من حركها وروج لها. أمامنا المحاكم والقضاء و”اللي عندو شي دليل يجبدو”، والأولى أن يشجع الجميع هذه المقاربة وأن يبقى أصحاب التحقيق عند كلمتهم وقد مرت مدة طويلة دون أن يتقدموا بأدلة مادية ضد المغرب. الأولى أن ينشروا قائمة الخمسين ألف رقما هاتفيا للعموم وحينها سيكتشف من يطلع عليها أنها تتضمن أرقاما للهاتف الثابت (نعم هذه حقيقة) وهي نوعية هواتف غير معنية ببرنامج بيكاسوس، كما سيكتشفون أنها ليست لائحة لهواتف مخترقة، بل مجرد أرقام تستعمل في تطبيق لتحديد الموقع وليست نهائيا لائحة مرصودة للتنصت. تمخض الجبل فولد فأرا. والكلمة الأخيرة للمحاكم، أما محكمة الرأي العام فقالت كلمتها بعد تجاهل صناع القرار الفرنسي لهذه الحملة وعدم الانصياع للبروباغندا التي حاولت التأثير بها على قرار دولة بحجم فرنسا تجاه دولة شريكة هي المغرب. أتمنى أن يكون الدرس هذه المرة كاملا والرسالة وصلت لسماسرية هذه الملفات.
    ميزة المغرب أنه واثق من استراتيجيته وبالأهداف التي رسمها، ومطمئن للوسائل التي يستعملها، ومقتنع بمؤسساته ورجالاته ونسائه الذين بوأهم مسؤوليتها، وعلى ثقة كبيرة في صلابة الشراكات التي تربطه بشركائه، ولذلك لا تزعزعه هذه الحملات التي هي أشبه ب”قنابل عاشوراء” التي تحدث صوتا دون أن يكون لها أثر. “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”. هذا هو مغرب اليوم وغدا واللي عندو الصح يزيد. وهذا هو مصير كل طوابرية الداخل والخارج الذين ينفضح أمرهم تباعا هذه الأيام.
    وإلى بوح قادم.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الرباط : بوريطة يستقبل شقيق رئيس المجلس الرئاسي الليبي والوفد المرافق له