إحسان الحافظي يكتب خيوط مكشوفة في ادعاءات “القصص الممنوعة”

إحسان الحافظي يكتب خيوط مكشوفة في ادعاءات “القصص الممنوعة”

A- A+
  • من يتابع حملة “القصص الممنوعة” وادعاءات التجسس الموجهة ضد المغرب يفهم جيدا أن الأمر يتعلق بترتيبات أجهزة استخباراتية تحضر لمرحلة ما بعد وباء كورونا. فالتقارير التي تبعث بها السفارات بالرباط لدول مثل فرنسا وإسبانيا وألمانيا وحتى الجزائر تجمع على أن المغرب استغل بضربة معلم انشغال العالم بأوضاعه الداخلية خلال الجائحة وأعاد ترتيب علاقاته الدولية مع دول وأجهزة تملك صناعة القرار الاسترتيجي العالمي.
    التقارير التي يدبجها السفراء ترجح كلها أن المغرب قوة إقليمية صاعدة وأن وضعه الاجتماعي الهش يخفي وراءه قوة تاثير خطيرة في محيطه الإفريقي بفضل خططه في الأمن العالمي والطاقة ومشاريع الأمن الغذائي في إفريقيا التي تنجزها (Ocp) وتمويلات البنوك المغربية المتوطنة من ساحل إفريقيا وغربها إلى أبعد نقطة في القرن الإفريقي في طنزانيا.

    قبل أن تخرج علينا وسائل الإعلام الفرنسية وتخرج فينا عينيها باتهامات باطلة حول التجسس طالت الرئيس الفرنسي (وقد نفى الإليزيه صحة هذه الادعاءات)، كانت أجهزة مخابرات فرنسية قد جربت استراتيجية التفجير من الداخل، وكلنا يتذكر كيف سرب وكلاء الصحافة الفرنسية داخل المغرب خبر استقبال سفير باريس رئيس لجنة النموذج التنموي (وهو بالمناسبة سفير المغرب لدى فرنسا)، وكيف صيغ الخبر في تدوينة توحي بأن شكيب بنموسى أطلع الفرنسيين على تفاصيل النموذج التنموي قبل أن يطلع عليه الملك نفسه.

  • ما لم تنتبه له أجهزة مخابرات هذه الدول وصحافتها المتحاملة على المملكة، أن المغرب فطن مبكرا إلى تحولات قواعد اللعب في استراتيجيات المخابرات الدولية، الفرنسية والإسبانية تحديدا، وبالتالي نجحت الرباط في تحييد المنظمات المدنية والسياسية من لعبة المخابرات الأجنبية (عبر تضييق الخناق على التمويلات الخارجية بإقرار قانوني يقضي بضبط مسار عملية التمويل الأجنبي) ما جعل الدولة سابقة بخطوة دائما. وربما هذا ما يفسر أن كل من هم أدوات في واجهة هذه الخطط الأجنبية اليوم ليسوا جماعات بل هم أفراد فقط (سعيد شعو في محاكمات الريف. وعمر الراضي في دعوى التخابر. والمعطي منجيب في قضية تبييض الأموال).
    لعل هذه القضايا القضائية تفضح كل هذه الخطط الاستخباراتية، لكن المشكلة أن هذه الخطط وجدت من يسوق لها داخليا عبر ضحايا مفترضين استطابوا دور الضحية في حسابات أكبر من عقولهم بكثير، وربما هذا ما ألمح إليه، دون أن ينطق به عمر الراضي، حينما واجهه القضاء بتعامله مع ضابط مخابرات بريطاني (كلايف نيويل) كان يتواصل معه بصفة حقوقي ناشط في منظمة امنيستي، أنكر الراضي معرفته به، وقد أصدقه شخصيا، لأن عقله أصغر من أن يميز بين ناشط مخابرات ومالك شركة للدراسات الاستشارية أو ناشط في حقوق الإنسان. إلا أن الحملة التي شنتها منظمة امنيستي ضد المغرب منذ توقيف الراضي تدينه أكثر مما تخدمه، فالمنظمة تتلقى تمويلاتها من جهات بريطانية معروفة.
    والهند، التي تجسست على الرئيس الباكستاني ببرنامج بيغاسوس حسب ادعاءات فوربيدن ستوريس، طردت قبل سنتين امنيسي وأغلقت فروعها في الهند بسبب شبهات التمويل أيضا.

    لا يحتاج الأمر إلى كثير تعقيد لفهم ترابطات العمل الاستخباراتي الأجنبي في قضايا التمويل الأجنبي وحقوق الإنسان، والتوقيت هنا يفضح كل شيء، فالتحقيقات التي أطلقها ائتلاف “فوربيدن ستوريس” شملت نحو عشرين بلدا متهما باستخدام برنامج التجسس بيغاسوس، كالهند ورواندا والمكسيك وغيرها… وهذا هو الجزء الأول من الخطة! غير أن الجزء الثاني للمخطط فضح المكشوف. فقد وقع التركيز على المغرب ضمن قائمة عشرين دولة يتهمها “المحقق” بإيعاز من امنستي بالتجسس عبر البرنامج الإسرائيلي. كان القصد من إدراج هذه الدول هو توهيم القاريء أن الأمر يتعلق بعمل جماعي ذو مصداقية، لكن الحقيقة أن الصحافة الفرنسية حين استلمت إكمال المهمة أفسدت المخطط برمته لأنها تجاوزت الحدود التي رسمتها المخابرات الأجنبية وتصرفت وفق أهوائها في منتوج مخابراتي صرف لا يقبل التعديل، وهذه أبسط قواعد العمل الاستخباراتي في العالم.
    توسع خيال الصحافة الفرنسية المحسوبة على اليسار (ميديابارت. لوموند. يومانيتي..) ووجدت في التقرير (بالمناسبة لم أجد تصنيفا للعمل الذي أنجزته فوربيدن ستوريس بتوجيه من منظمة امنيستي، هل هو تقرير حقوقي أم تحقيق صحفي أم مراسلات استخباراتية علنية) (وجدت في التقارير) فرصة لتضييق دائرة ضحايا برنامج التجسس غير أنه لا أحد تخيل أن يصل الأمر إلى هاتف الملك: لعبة التفجير من الداخل ثانية! بعدها محيط الملك ثم وزراء مغاربة وأسماء شخصيات مغربية تصنف نفسها حقوقية وسياسية برصيد بنكي أو نضالي لا يهم!
    بعد خط الملك، جاء الدور على هاتف الرئيس الفرنسي (الذي نفت الشركة NSO صاحبة البرنامج أن يكون تعرض لبرمجيات بغاسوس)، ولأنها كانت تُفسد المخطط من حيث لا تدري، أو لقلة تكوين في تحليل خطاب التخابر، ادعت الجوقة الفرنسية وجود أرقام قيادات سياسية وعسكرية جزائرية في القائمة التي تجسس عليها المغرب (طبعا!)، لم يصدر أي تعليق رسمي جزائري لأن الجنرالات يعرفون أكثر من غيرهم في المنطقة المغاربية أسلوب التوجيه المخابرتي الفرنسي للصحافة الفرنسية وهي التي تطاردهم بمذبحة رهبان تيبحيرين السبعة في الجزائر ، كلما تجددت المطالب باعتراف واعتذار فرنسا عن مذابحها في الجزائر. ربما لهذا السبب لم يطمئنوا لكل هذه الجلبة، خاصة أن الحكومة في إسبانيا الحليف الجديد للعسكر الجزائري يفضل الصمت حاليا. مدريد لم تعلق على مراسلات الصحافي الإسباني، ايغناسيو سامبريرو، الخبير في تأزيم العلاقات المغربية الإسبانية منذ سنوات عمله مراسلا من الرباط، فقد فشل إلى حدود الساعة في تحشيد البرلمان والصحافة الإسبانية ضد المغرب (بدعوى أن هاتفه تعرض للتجسس أيضا) كما حدث بسرعة في فرنسا بإيعاز من إيدوي بلينيل، مؤسس موقع “ميديابارت”، الذي نشر قبل يومين مقالة بعنوان “أن يتجسس علينا المغرب.. العار” تفيض بالكراهية والاستعلاء العنصري!

    لا يمكن أن نعزل إفشال المغرب لمخططات خارجية عن سياق الخروج غير المتوقع لمدير جهاز الاستخبارات الفرنسية سابقا بيرنار سكارسيني، لنفي كل هذه الادعاءات ضد المغرب اذ “إنه لا يجب الاعتقاد بأن المغرب فعل ذلك مطلقا، مبرزا مكانة المملكة التي تعد حليفا قويا لفرنسا وعدة قوى كبرى”. المشكلة اذن في حلفاء المغرب من القوى الكبرى. لاحِظ أيضا ان المسؤول الفرنسي يتحدث باسم فرنسا ومصالحها هنا. في التوقيت نفسه فطنت الصحافة الامريكية التي انخرطت بداية في الحملة الى خطأ تقديراتها.

    لقد بدأت خيوط اللعبة تنكشف. والمغرب اختار الطريق المفضل لدى الجانب الاوربي تفسه لكشف الحقيقة: التحقيقات القضائية وبناء على النتائج سيصدر القرار. في زمن التواصل المؤسساتي وغير المؤسساتي عبر مواقع التواصل الاجتماعي لم يعد وجود مراسلين لوكالات انباء وصحف فرنسية ضروريا للقيام بالعمل الصحفي، اللهم اذا كانت عملهم جزءا من نشاط استخباراتي مكمل للتجسس الناعم الذي تقوم به السفارات منذ مئات السنين. اما امنيستي ومختبراتها الامنية فهي لم تقدم بعد قرائنها على اتهامات سابقة باختراق هاتف صحافي مغربي، لأن ما تدعيه هذه المنظمة فعلا عديم الأساس، والمغرب اليوم لا يكتفي بنفيه، بل يواجه هذا الادعاء بالتحدي مرة اخرى ويطالب من يدعيه بالدليل.
    شوف تيفي، المغرب، إحسان حافظي،التجسس،خيوط

     

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي