البيجيدي والتبوحيط السياسي

البيجيدي والتبوحيط السياسي

A- A+
  • البيجيدي والتبوحيط السياسي

    تحمل حزب العدالة والتنمية لولايتين متتاليتين رئاسة الحكومة، والمفروض أن ممارسة العمل الحكومي تشكل مختبرا لصناعة الحزب السياسي وتقوية خبرته وتعزيز كفاءة أطره، الذين يتحولون من مجرد خطباء ودعاة إلى رجالات دولة، في اقتراحاتهم وفي معارضتهم، لأنهم أصبحوا يعرفون أحوال البلد وإمكاناته والعراقيل التي تواجه تنميته والمواطنين الذين يديرون شؤونهم ويسُوسونهم.. لذلك كانت معظم الأحزاب تفقد جزءا من شعبيتها مع كل ممارسة حكومية، لكنها مقابل ذلك تكتسب الكثير من التجربة والخبرة بشؤون الدولة، ومعرفة الممكن من المستحيل في تسيير شؤون البلد، مما ينعكس على طبيعة برامجهم التي تصبح أكثر عقلانية، وقريبة من التحقق على أرض الواقع، عوض أن تظل شعارات عامة قد تغوي الناخبين للحظة لكن حين يصبحون في موقع إدارة الشأن العام، يتعرضون للنقد ويفقدون ثقة المواطنين..

  • عقد من الزمان، وحزب العدالة والتنمية يرأس الحكومة، ونحن ليس لدينا أي مشكل حتى إذا ما أعيد انتخابه من طرف الناخبين لولاية أخرى، لكن الذي يهمنا، هو كيف لم يتخلص البيجيدي من سلوك المعارضة وهو في الحكم، كيف يريد نعيم الحكومة وغنائم المعارضة، آخر ما عبر عنه الفريق البرلماني لحزب المصباح بداية هذا الأسبوع بمجلس النواب أثناء مناقشة حصيلة الحكومة التي يترأسها، إذ عوض الدفاع عن المكاسب المفترضة التي حققتها حكومة العثماني انبرى نواب البيجيدي، للتحذير من «عودة التحكم في الخريطة الانتخابية ضدا عن الإرادة الشعبية الحرة»، والحقيقة أن الانتخابات تشرف عليها الحكومة عبر وزارة الداخلية التابعة لسلطة رئيس الحكومة، ولا تديرها سلطة لحكومة في جزيرة الواقواق، بل تشرف عليها حكومة العثماني، فمن المعني بالانتقاد هنا؟

    نفس الشيء تكرر مع توقيع العثماني على صك التطبيع مع إسرائيل، لكنه مع ذلك دعا فروعه ومناضليه للاحتجاج في المدن ضد إسرائيل حتى في زمن كورونا والتدابير الاحترازية التي فرضتها حكومة العثماني نفسها؟ إن حزب العدالة والتنمية يريد الزبدة وثمنها، يطمع في ولاية ثالثة ويستخدم كل الأساليب المكيافيلية مع قرب الانتخابات، من خلال التخلي عن جبة رجل الدولة، والتحول إلى معارض ينتقد الحكومة التي يرأسها؟ ألا يتعلق الأمر بنوع من السكيزوفرينيا السياسية؟ عملية التبوحيط السياسي التي يقوم بها حزب العدالة والتنمية اليوم مع هبوب رياح الانتخابات، لم تعد خافية على المواطنين، ولا يمكن أن يمارسوا طقوس الخداع على الناخبين الذين يعرفون من يسير شؤونهم ومن يصدر القرارات التي تمس قوتهم أو حريتهم..

    المفترض أن تمرّس قياديي حزب العدالة والتنمية بالحكم، يجعلهم أكثر نضجا وممارساتهم السياسية وخطاباتهم أكثر عقلانية وأكثر مردودية على البلاد والعباد، أما أن تغنم البيجيدي من المناصب الحكومية ومن المجالس المنتخبة ومن قيادة العديد من المؤسسات وتعود لتتباكى من التضييق وأن هناك قوى شيطانية تستهدفها، فهذا هو جوهر التبوحيط السياسي الذي يفقد اللعبة السياسية كل مصداقية، وتصبح الانتخابات بلا مذاق ولا طعم وتكرس غياب ثقة المواطنين فيها، مما يفاقم العزوف السياسي وضعف المشاركة السياسية التي تعتبر جوهر العملية الديمقراطية.. سنذكر عبد الله إبراهيم واليوسفي وعباس الفاسي بخير، لماذا؟

    ببساطة لأنهم كانوا رجال دولة أفداد، رجالا استثنائيين قادوا حكوماتهم، وحققوا منجزات، وواجهتم إخفاقات، لكنهم تصرفوا بوزن وعقل رجال الدولة الكبار، الذين لم يمارسوا التبوحيط السياسي، وبقوا أوفياء للحصيلة التي حققوها بسلبياتها وإيجابياتها، تحملوا مسؤولياتهم التاريخية حتى في اللحظات العصيبة من تاريخ المغرب، ولم يخرجوا ليتهموا قوة غيبية وغير مرئية، كما لو أنها هي التي كانت ترأس الحكومة وهي التي تتخذ القرارات الجيد والسيء منها، وترجلوا شوية وتكون عندكم الشجاعة الأخلاقية لتدافعوا عما أنجزتم بروح ومسؤولية عالية، وهي الفيصل ليقرر الشعب التصويت عليكم من عدمه أما المظلومية فانتهت مع جيل الألفية الثالثة.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي