بوح الأحد: الخطايا العشر لجماعة العدل والإحسان التي تحولت إلى خليط غير متجانس..

بوح الأحد: الخطايا العشر لجماعة العدل والإحسان التي تحولت إلى خليط غير متجانس..

A- A+
  • بوح الأحد: الخطايا العشر لجماعة العدل والإحسان التي تحولت إلى خليط غير متجانس لا يؤمن بالمغرب، في أفق إنتاج اللقاح يوليوز شهر وصول ملايين الجرعات من اللقاح إلى المغرب وأشياء أخرى.

    أبو وائل الريفي
    بوح هذا الأسبوع سنخصصه لجماعة لم تستفد من دروس التاريخ وعبره، ولم تجر تقييما لذاتها على الأقل منذ 2011 لتكتشف ما بها من علل وما يشوبها من خلل وتعرف حجمها الحقيقي مع العلم أنها لا تفتأ تتحدث عن محاسبة النفس و”وزن العامل الذاتي”.
    جماعة العدل والإحسان. والتسمية في حد ذاتها تهمة تضع الجماعة خارج القانون، وهذا أبسط تناقض تقع فيه الجماعة التي تروج أنها تحترم القانون ومستعدة للاحتكام إليه، ومع ذلك هي أول من يخرقه وينتقص من قيمته، وتكتفي بأحكام قضائية قديمة صدرت قبل إحداث تغييرات قانونية جذرية. ليس هناك تنظيم قانوني باسم جماعة العدل والإحسان، بل هناك جمعية “الجماعة الخيرية” أودعت ملفا ناقصا في أبريل 1983، ومنذ ذلك التاريخ لم تحين وضعيتها القانونية رغم التغيير الذي لحق مؤسساتها وقياداتها، فقد أسست فروعا وأنشأت تنظيما سياسيا موازيا ومات مرشدها وهو رئيس الجمعية وتغير مجلسها القيادي ومقرها، وتم تعديل قانون الجمعيات، وبدأ العمل بقانون الأحزاب السياسية التي صارت منظمة بقانون تنظيمي أكثر ضمانة من قانون عادي. لماذا إذن تتجاهل الجماعة كل هذه المستجدات وتصر على البقاء خارج الشرعية؟ ولماذا تغالط الرأي العام وتدعي أنها محاصرة وهي لم تقم بأي خطوة في اتجاه تسوية وضعيتها القانونية؟ ولماذا تتهرب من الاحتكام إلى القانون وهي تحرص، بمناسبة وبغير مناسبة، على التأكيد على قانونيتها؟ ولماذا لا يعجبها وصف الإعلام لها بالجماعة المحظورة أو شبه المحظورة؟هذا أبسط مؤشر على رغبة الجماعة في عدم التقيد بالقوانين الجاري بها العمل لأنها تريد العمل في الغموض وبطريقة فوضوية وبدون مسؤولية لأنها ألفت الاشتغال في الظلام خلف الأبواب الموصدة بعيدا عن أعين الناس واعتادت تحويل البيوت إلى مساجد ومقرات لتفتح الباب أمام فتنة دينية يمكن أن تأتي على الأخضر واليابس في حالة انتشارها في المغرب ووسط المغاربة. ولذلك فادعاء أن الجماعة لا تريد تأسيس تنظيمها السياسي بشكل قانوني لأسباب سياسية مردود عليها لأن نظام الحريات العامة في المغرب لا يشترط الحصول على ترخيص ولكنه يستلزم فقط وضع تصريح، ولا يجهل محامو الجماعة هذا الأمر أو يغفلونه ولكن للقيادة الممسكة بزمام الجماعة رأي آخر ومصالح أخرى. هذا التهرب من الخضوع والاحتكام للقانون أمر يجعل المغاربة رافضين للجماعة والانتماء إليها أو حتى التعاطف معها.
    تعرف القيادة الأبدية للجماعة أن الاشتغال في إطار القانون قيد ضد النزوعات الفردانية وكابح ضد الأطماع الشخصية وحاجز ضد الاغتناء من أموال الجماعة التي تجمع بطريقة غير قانونية وغير شرعية. تشتري الجماعة بيوتا وفيلات فخمة في أرقى أحياء المدن وتكتبها باسم قيادات منها وتحولها إلى مقرات سرية ومساجد مع ما يستدعي ذلك من تغيير في شكلها الهندسي ومخالفة لقوانين التعمير، وتتصرف هذه القيادة في الملايين التي تجمع شهريا بدون حسيب أو رقيب وبدون أي أثر، ويمكن النظر فقط في مستوى عيش الكثير منهم لنرى الفرق بين ما يعيشون فيه من نعيم مقارنة مع مدخولهم. ويصرف للعديد من قيادات الجماعة أجور شهرية وتعويضات من أموال تجمع من بسطاء الجماعة من الحرفيين والطلبة والتلاميذ وهم أحق وأولى بها، لكنها  تصرف في أسفار ومشتريات وأنشطة باذخة بدون فائدة، ويمكن الرجوع كمثال فقط إلى ما سبق أن نشر في هذا البوح عن واحد من القيادات وهو حسن بناجح ولد الجيلالي الذي يعيش بأكثر من ضعف راتبه. لماذا لا تطبق الجماعة على قياداتها مبدأ من أين لك هذا؟ ولماذا لا يعطون القدوة من أنفسهم ويقدمون جردا بممتلكاتهم ومداخيلهم للعموم؟ حينها فقط يمكنهم أن يطالبوا غيرهم بالشفافية؟ وهذا الارتياح للاشتغال خارج أي مجال للشفافية هو الأمر الثاني الذي يجعل المغاربة حذرين من الجماعة وخطاباتها وشعاراتها التي تناقض ما يرونه في الواقع.
    تدعي الجماعة أنها ديمقراطية وبعض من قياداتها يظهرون بمظهر الديمقراطيين، ولكن الحقيقة أن فكر الجماعة بعيد كل البعد عن الديمقراطية وكتابات شيخ الجماعة فيصل وشاهد في هذا الأمر ويمكن الرجوع إليها، والجماعة تتخذ الديمقراطية سلما فقط خلال مرحلة انتقالية طالما أنها تخدم أهدافها وبعد ذلك فالديمقراطية عند الجماعة مشروطة بما تؤمن به هي فقط والتعددية مشروطة في الإطار الذي تحدده سلفا. هل من الديمقراطية أن لا يبدل المسؤول في الجماعة إلا بالموت؟ شيخ الجماعة بقي مرشدا منذ تأسيس الجماعة حتى وفاته أي لما يزيد عن ثلاثة عقود، والذي خلفه لم يتزحزح عن قيادة الجماعة منذ ثمان سنوات، وناطقها الرسمي، وهو بالمناسبة صار الصامت الرسمي، لم يغير من موقعه هذا منذ إحداث هذا المنصب سنة 2000، ورئيس مجلس الشورى لم يغادر منصبه منذ إحداث هذا المنصب أي ما يزيد عن عقدين من الزمن. وطبعا يبرر قادة الجماعة كل هذا التمسك بالمناصب القيادية بالتربية وبأن القاعدة لا يمكنها أن تنتخب من يربيها ولا يمكن إخضاع القيادات التربوية للانتخابات، ولكن هذا التبرير لا يفتأ أن يسقط أمام بقاء رئيس الدائرة السياسية في منصبه منذ 1998، أي أنه صار خالدا فيه لما يزيد عن عقدين من الزمن، والأغرب أنه لم يتخل عن منصبه رغم أنه سافر إلى الخارج مقيما هناك لمدة تزيد عن الأربع سنوات !! هل يصدق هؤلاء بأنهم ديمقراطيون؟ وأنهم مع التداول على السلطة؟ فهل سمحوا لغيرهم بتسيير الاتحاد الوطني لطلبة المغرب منذ أن ٱستحوذوا عليه بدون انتخابات فبالأحرى أن يسمحوا بالتداول في مواقع أهم؟ وهل يؤتمن مثل هؤلاء على مؤسسات دولة؟ هل يمكن كذلك إلصاق هذا التشبث بالكراسي بالمخزن وتفسيره بالحصار على الجماعة؟ وهل يقبل أن يكون هذا سلوك من يدعي الإحسان والزهد والتقلل والإعراض عن الدنيا وزينتها ومتاعها؟ إنه أكبر تناقض يهم المغاربة وبدون الوضوح بشأنه ستبقى الريبة والشك هي أساس العلاقة مع هذه الجماعة، وأول الوضوح أن تبرهن الجماعة على أنها مع الديمقراطية فكرا بإعلان تراجع حقيقي عما كتبه شيخها وتنشره موقعا باسم مؤسساتها المقررة، وعمليا باعتماد الديمقراطية كمعيار لتدبير الجماعة وشأنها الداخلي الذي هو في الحقيقة شأن عام وليس شأنا خاصا. ومع كل ما سبق تقدم الجماعة جردا وحسابا سنويا لماليتها كما هو الشأن بالنسبة لباقي الجمعيات والنقابات والأحزاب والهيئات. وهذا المظهر غير الديمقراطي هو الأمر الرابع الذي يجعل المغاربة لا يثقون في الشعارات التي ترفعها الجماعة مطالبة بالدمقرطة لأنهم يعرفون أنها مزايدات فارغة ولأن فاقد الشيء لا يعطيه وعدو الديمقراطية لا يؤتمن جانبه حين يطالب بها لأنه سيتخذها فقط مطية.
    تدعي الجماعة أنها جماعة مغربية وتزايد على الإخوان المسلمين بأنها لا تعتمد أسلوب التنظيم العالمي/الدولي، والحقيقة أن هذا المجال وحده يكشف كذب الجماعة، بل يمكن أن يقود الدارس لها إلى ما يشبه العمل بالتقية، وسنوضح جذور ذلك في ما بعد، لأن رصد حركة الجماعة يقود إلى استنتاج واحد لا تخطئه العين المجردة، وهو أن للجماعة تنظيم دولي، وخاصة في أوربا وأمريكا. يتغير الاسم ولا يتغير الفكر والولاء والعلاقة التبعية. هل ينكر قادة الجماعة أن جمعيات المشاركة والروحانية الإسلامية association Participation et Spiritualité Musulmanes (psm) هي جزء من تنظيم الجماعة العالمي؟ وهل ينكرون أن جمعية الإحسان بكندا Bel Agir/ Association  musulmane canadienne تابعة للجماعة؟ للجماعة جواب جاهز على هذا التناقض وهو التمييز بين المدرسة العالمية والتنظيم القطري وبأن الإحسان عالمي والعدل قطري وهو ما سيصادف المتردد على جمعيات الجماعة خارج المغرب حيث تنص على أن الروحانية أولويتنا “La spiritualité est notre priorité”. ولكن هل ينكرون عضويتهم في مجلس الشورى ومجلس الإرشاد؟ هل العضوية في مؤسسات تنظيمية تقريرية تتخذ القرارات التي تهم الجماعة يمكن إدراجها ضمن المدرسة وتمييزها عن التنظيم؟ قد تكون الجماعة راجعت خيارها الذي كان يدافع عنه شيخها ويزايد به على الإخوان، ولكن لماذا لا يعلنون ذلك صراحة؟ ألا يندرج هذا الغموض في باب التقية؟ هذا أمر خامس يجعل المغاربة حذرين في الثقة في جماعة تظهر سلوكا مناقضا لوجهها الحقيقي. وهذا للأسف ما يعيه جمهور عريض من الجماعة يقف متفرجا غير راض على حالة التناقض التي تعيشها الجماعة.
    والأمر السادس الذي لن يستسيغه مغربي هو ادعاء الجماعة في كل مناسبة بأنها صمام أمان للمغرب ضد التطرف. والحقيقة أن الجماعة منبت للتشيع وهناك العشرات من قيادات الجماعة الذين تحولوا إلى المذهب الشيعي الذين يصطفون مع إيران، ولو احتاج الأمر لذكرهم بالاسم فلن نتردد في ذلك. قد يقول قائل بأن هذه ضريبة الكيانات الجماهيرية ولكن هذا غير صحيح لأن أفكار شيخ الجماعة مليئة بالانبهار بشيعة إيران وهو الذي أسس نموذجه في التغيير وبناء الدولة على الثورة الإيرانية التي سماها قومة وأراد استنساخها في المغرب، ومليئة بالتعاطف مع الشيعة والثناء على تفكيرهم، وهو ما انتبه إليه متأخرا جدا، لكن بعد فوات الأوان، فصار يمنع على أعضاء الجماعة كل شيء شيعي بما في ذلك مشاهدة قناتي المنار والعالم ورفع أعلام حزب الله وصور نصر الله في المسيرات، ولكن كعادة الجماعة وتفضيلها للغموض على الوضوح لم تظهر مراجعة في هذا الموضوع لتنتصر إلى انتمائها السني بوضوح. وما قيل عن كون الجماعة منبتا للتشيع يصدق على كونها كذلك حاضنة للفكر الجهادي، ويكفي التذكير بأن عددا من المتابعين في ملفات السلفية الجهادية كانوا أعضاء في الجماعة. فهل بعد كل هذا يقبل ادعاء الجماعة بأنها صمام أمان ضد التطرف. العاصم من التطرف في بلاد المغرب والحمد لله هو إمارة المؤمنين باجتهادها الوسطي والمعتدل والمتسامح والمنفتح والذي قاد إلى إعادة هيكلة الحقل الديني، والعاصم كذلك هو المقاربة الوقائية والعلاجية والإدماجية والحوارية التي اتبعتها الدولة المغربية مع هذا الفكر ورموزه، والعاصم أخيرا هو اليقظة الأمنية الاستباقية التي تسهر على تفكيك كل أوكار التطرف التي تنتعش في مناطق الظلام والظل بعيدا عن مساجد يرتادها الناس وهي بعشرات الآلاف وأحياء يعيش فيها الناس لأنهم يكفرون النظام والدولة والمجتمع.
    والأمر السابع الذي صارت حقيقته منكشفة للمغاربة هو محاولة إضفاء الطابع الصوفي على الجماعة لاستغلال ميل المغاربة إلى التزكية الروحية. لا تفتأ الجماعة تؤكد على أنها جماعة تربية ولكن الفضائح المتواترة أخلاقيا والانغماس الكلي في سوق السياسة والانتهازية يفضح هذا الادعاء. صارت الجماعة اليوم خليطا غير متجانس بين تيار سياسي وتيار طرقي وتيار سلفي وتيار شيعي ومجموعات انتهازية والرابط بينهم هو المصلحة التي يرون استمرارها باستمرار الجماعة كأصل تجاري وبقرة حلوب يغتنون ويستقوون بقاعدة الجماعة المغيبة.
    والأمر الثامن هو المظهر المناقض للجوهر، والذي اكتشفه المغاربة ومعهم جزء مهم من الحداثيين الذي كفروا بأي علاقة مع الجماعة مستقبلا. كانت الجماعة تعبر من خلال ابنة الشيخ ندية ياسين أن مدونة الأحوال الشخصية غير مقدسة في التسعينيات ولكن عند الاختبار ولما شرع في تعديل هذه المدونة اختارت الجماعة معسكر المحافظة فكثرت سواد مسيرة الدار البيضاء في 8 يناير من سنة 2000 ولم تخف ابنة الشيخ، والتي قال عنها يوما أمام شيوخ الجماعة الذين اشتكوا إليه من تغريدها خارج السرب بأنها بضعة منه يسوءه ما يسوءها، بأن الموقف كان استعراض قوة وعضلات، وهذه المسيرة بالمناسبة كادت تقسم المغرب إلى شطرين وحرب أهلية لولا حكمة الملك وتدخله واجتهاده، والأمر نفسه حدث مع اليسار حين فضلت الجماعة مصلحتها فانسحبت من حركة 20 فبراير دون تشاور، وهو ما جعل جزءا من اليسار يقطع الأمل في تحقيق شراكة مع الجماعة لانعدام ضمانات التزامها بالاتفاقات. وما يؤكد انتهازية السلوك السياسي للجماعة هو تفضيلها الصمت في موطن الكلام، سواء في نقاشات قضايا الحريات الفردية أو حرية المعتقد أو الوحدة الوطنية أو الموقف من سبتة ومليلية حيث أن الجماعة بلعت لسانها حفاظا على مصالحها باعتبار أن نشطاءها يتحكمون في سوق “اللحم الحلال” في إسبانيا، فمصالح الجماعة الريعية أهم من مصالح وطن، الجماعة قبل المغرب فأين هو الانتماء؟
    والأمر التاسع الذي صار واضحا للعالم كله هو الطابع التحريضي والعنصري والتمييزي لخطاب الجماعة ضد اليهود والذي يحض على الكراهية ومعاداة السامية، وكتاب سنة الله، وقد صدر سنة 2005، مليء بفقرات غير قابلة للتأويل بهذا الصدد. ولذلك لا يستغرب المغاربة حين يرون هذا الاهتمام المبالغ فيه بفلسطين أكثر من الاهتمام بقضايا المغرب والمغاربة، بل إن المفاجأة كانت صادمة وأنا أتصفح إعلانا لنشاط ديني/تربوي لنساء الجماعة يسمونه مجلس النصيحة تحت عنوان ” دور المرأة في إعداد الرجال وتربية الأجيال: المرأة الفلسطينية نموذجا” هكذا يعطوننا النموذج الذي قد يفهم في موطنه ولكنه حتما غير مستساغ في بيئة أخرى. هذا ما يبين أننا أمام جماعة تنتصر للموت وثقافة الموت على ثقافة النجاح والحياة، ونموذجها ليس هو النماذج الناجحة في الحياة والبحث والعلم والتقدم. هذا ما يجعل المغاربة ينبذون الجماعة التي تتحدث في أدبياتها على لسان شيخها عن صناعة الموت.
    والأمر العاشر الذي يجعل المغاربة معرضين عن هذه الجماعة هو حالة التيه والتخبط الذي تريد أن تطبع بها المشهد العام في البلاد فهي تريد رهن مستقبل المغاربة بالخرافات والأحلام وتبرير عجزها بالقضاء والقدر لتبعد نفسها عن كل محاسبة، وهي تدعي مناصرة الدولة المدنية ولكنها واقعيا تنتصر لدولة دينية مبنية على السيادة لرجال الدين/الدعوة كما كان في الإكليروس، وتدعي التصوف ولكن التيار الغالب فيها سلفي شيعي، وتدعي تمغربيت ولكن هواها صار مشرقيا بامتياز، وتدعي الإسلامية وهي منغمسة في التبعية للتيار القومي واليساري إلى أن صارت خياراتها رهينة له بسبب الحرص على عضوية في مؤتمرات شكلية ممولة من إيران وسوريا وحزب الله.
    هذه بضع صور تجعل الجماعة معزولة عن الشعب وتضع بينها وبينه حجبا، وتجعلها في حالة عقم دعوي لا تخطئه عين المراقب الفاحص لشأن الجماعة التي لم تعد تخيف أحدا بإنزالاتها التي لا تسيل إلا لعاب هامشيي اليسار الذي يبحث عن وكالة لتقديم خدمات توفير طاقم بشري لملء رقعة الاحتجاج التي عجز عن ملئها. وهذا ما لم تعد تطيقه شريحة واسعة من أعضاء الجماعة تفضل التعبير عن عدم الرضى بعدم الحضور للوقفات والاحتجاجات بدعوى أن خيارات الجماعة لم تعد منسجمة مع اختياراتها الفكرية والسياسية والتربوية. هل يمكن للجماعة أن تصارح المغاربة بعدد المنتمين إليها؟ وهل يمكن أن تظهر تطور أعدادها على الأقل منذ 2006 أو بعد 2011؟
    لقد فقدت الجماعة الكثير من مصداقيتها وأعضائها والمتعاطفين بعد 2006، وبرهان ذلك هو الجامعة التي صار طلبة الجماعة يحصدون فيها الخسارات الانتخابية، وخسرت شبابها بعد أن رمتهم في مستنقع الاحتجاجات بدون حصانة فصاروا تائهين خطابا وسلوكا وأخلاقا، ولم يعد لهم تميز وسمت إسلامي ولا تكاد تميزهم عن مناضلي أقصى اليسار إلا بلحية أو غطاء رأس.
    انتهت مرحلة الاستعراض العددي في الشارع ولم تعد للجماعة قدرة على صناعة فعل جماهيري ولهذا فهي تنتعش وسط قضايا اليسار مستغلة تشتته لتزايد على رموزه بالحاجة إليها. ولم يعد باستطاعتها الحشد الجماهيري لأن شباب الجماعة يائس، لم تعد تنفع معه مسكنات الخطاب الصوفي وحالة الخلط الذي لا تحسن القيادة غيره لأنه يعفيها من المحاسبة السياسية والتنظيمية بتهريب النقاش إلى مجالات النصيحة والرباطات واختزال الجواب بأن الجماعة تشتغل على واجهات عدة لا تشكل السياسة سوى واجهة منها. لم يعد هذا التبرير ينفع مع أجيال ما بعد 2011.
    لن تخرج الجماعة من تصنيفها ضمن التيار العدمي الهامشي الذي لا يرى غير السواد، ويغض الطرف عن كل النجاحات التي يعرفها المغرب. ونرى أن نختم هذا البوح باعتراف وقصة نجاح.
    أخبار النجاح هذه المرة كذلك تأتي من القصر الملكي بفاس، وهي عبارة عن اتفاق طال انتظاره حيث يرتقب أن يشرع المغرب بعد أشهر في إنتاج 5 ملايين جرعة من اللقاح المضاد لكوفيد 19 شهريا، وهي كمية قابلة للمضاعفة تدريجيا على المدى المتوسط. والمشروع عبارة عن استثمار بمبلغ يصل إلى 500 مليون دولار. والمشروع لا يقتصر فقط على إنتاج اللقاح المضاد لكوفيد 19 ولكنه يتعداه إلى لقاحات أخرى رئيسية لتعزيز الاكتفاء الذاتي، وبما يجعل من المغرب منصة رائدة للبيوتكنولوجيا قاريا وعالميا في مجال الصناعة والتغليف.
    هذا نموذج يبرز التفوق المغربي وقدرة مدبري شأن المغاربة على تحويل المحنة إلى نصر وتحويل الجائحة إلى فرصة ورافعة للتنمية في مجال يعد من صميم الأمن القومي، وهو الأمن الصحي، الذي لا يقل أهمية عن الأمن الغذائي. وتتزامن هذه البشرى مع تطور حملة التلقيح حيث فاق عدد الملقحين العشرة ملايين وقريبا سيتوصل المغرب ب12 مليون حقنة جديدة بعد أن توصل بداية هذا الأسبوع بمليون حقنة.
    هذه بعض ثمار التدبير بنظام حكامة صار الكل يشهد بمردوديته العالية، وهو ما جعل المغاربة يربحون موسما دراسيا مر في جو أقرب إلى العادي، وحياة بعيدة عن حالة حجر صحي صارم مع تحكم في الحالة الوبائية، وتناقص في حالات الإصابة والإماتة رغم انتشار المتحولات من الفيروس. هل أصبحنا في أمان من الفيروس ومتغيراته؟
    بالتأكيد سيكون الجواب بالنفي، ولذلك فطالما لم نبلغ مستوى مرتفعا من التلقيح تبقى الوقاية والتزام التدابير الاحترازية أكبر ضمانة ضد انتكاسة، خاصة أننا مقبلون على عيد أضحى وموسم عطلة مع ما يتطلبانه من حركية وأسفار واختلاط، فهل نلدغ من نفس الجحر مرتين؟
    نتمنى أن تنتصر المواطنة والحرص على المصلحة العامة، ونجنب بلادنا انتشارا مجانيا للفيروس يؤثر على النجاحات التي حصدناها كمغاربة طيلة هذه السنة، ونتمنى أن لا تضطر السلطات إلى تحريك أجهزة الزجر ونظام الغرامات التي تفرضها بعد استفحال حالة عدم الانضباط.
    هذا هو المغرب بنجاحاته التي يقودها حراس ومدبرون فضلوا المغرب على غيره، وهذا هو المغرب الذي لم يضق درعا بمن لا يرى فيه إلا السواد لأنه يتعمد ذلك أو لأنه لا يتذوق ألوانا أخرى، وما التوفيق إلا بالله، والعزة للمغرب الأعز فهو الأبقى منا جميعا.
    وإلى بوح قادم.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    بمشاركة خبراء ومختصين في الصحة.. ندوة تكشف عن تفاصيل خطة المغرب لمحاربة بوحمرون