بوح الأحد: الفشل الثالث لتبون، وفشل إسبانيا في استجداء موقف أمريكي ..

بوح الأحد: الفشل الثالث لتبون، وفشل إسبانيا في استجداء موقف أمريكي ..

A- A+
  • بوح الأحد: الفشل الثالث لتبون، وفشل إسبانيا في استجداء موقف أمريكي، وهل يرعى المغرب مفاوضات بين حماس وإسرائيل، وعندما ينتظر الريسوني إشارات لن تأتي، وأشياء أخرى.
    أبو وائل الريفي
    كما كان منتظرا، اكتشف الرأي العام غير الجزائري حقيقة ما يجري في الجزائر من تحولات وهمية تم النفخ فيها كثيرا وحسبها البعض ماء، ولكن سرعان ما انقشعت الحقيقة فاكتشف أنها كانت سرابا. لم تنفع الحملات التواصلية التجميلية لرئيس بذل مكرها مجهودا لتحسين صورة العسكر الحاكم الحقيقي للبلاد، ولكن المسكين فشل في المهمة الثقيلة، وحواراته لم تجذب الجزائريين ولم تقنعهم للإقبال على صناديق الاقتراع. وصدق من قال بأن العطار لا يصلح ما أفسد الدهر. وحقيقة فساد الجنرالات وإفسادهم لم تعد تنطلي على أحد في الجزائر، ووعودهم الكاذبة صارت مفضوحة لدى كل فئات الجزائريين وإدراكهم للعبة الجنرالات صار واضحا يعكسونه من خلال شعارات الحراك وأهمها وأقواها حين يرددون في الشارع بشكل جماعي وفي مناطق مختلفة من البلاد بأن “تبون رئيس مزور جابوه العسكر مكانش الشرعية والشعب تحرر هو اللي قرر دولة مدنية”. هذا هو التحدي أمام حكام الجزائر. هل هم مستعدون اليوم للانتقال بالجزائر من دولة يحكمها العسكر إلى دولة مدنية؟ وهل يمكنهم تخصيص موارد البلاد لمصلحة الجزائريين والتوقف عن صرفها لتمويل جبهة انفصالية تستنزف مالية الجزائر وتعمق المشاكل مع الجيران؟ وهل يجعل حكام الجزائر الأولوية لبناء اتحاد مغاربي يقوي دول المنطقة وشعوبها؟ وهل يتعامل حكام الجزائر مع كل التراب الجزائري بعدالة جهوية وإنصاف مجالي؟ وهل يقطع حكام الجزائر مع مناوراتهم لإضعاف الجيران وتصدير أزماتهم إليها؟ وهل يتوقفون عن افتعال الأزمات للتغطية على صراعاتهم ومصالحهم المتناقضة؟
    لقد شكلت الانتخابات التشريعية السابعة في جزائر ما بعد الاستقلال الأسبوع الماضي الصفعة الثالثة أو الفشل الثالث لتبون بعد الفشل في الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2019 ثم الفشل في الاستفتاء الدستوري في نوفمبر 2020. وقد أكدت كل هذه المحطات خلاصة واحدة وهي أن تبون رئيس فاشل ورهينة للعسكر ويراهن على كسب مشروعية ديمقراطية من صندوق الاقتراع ولكنه لا يحصد إلا الفشل؛ كما كان القاسم المشترك لهذه المحطات الانتخابية الثلاثة هو تصدر نتيجتها من طرف الحراك الشعبي الذي نجح في إقناع الجزائريين بمقاطعة انتخابات كانت وظيفتها الوحيدة هي محاولة إضفاء الشرعية على حكم عسكري مقنع بقناع مدني. كانت صدمة تبون كبيرة منذ الساعات الأولى للاقتراع حين أعلن بأن نسبة المشاركة لا تهمه!!! وكأنه كان يعي بأن نسبة المشاركة ستكون الأدنى في تاريخ الجزائر، وهي فعلا لم تتجاوز 23 في المائة بحسب السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات بعد أن وصلت في الانتخابات التشريعية قبلها سنة 2017 إلى أكثر من 35 في المائة، وأكثر من نسبة 42 في المائة في انتخابات عام 2012. هذا هو عهد تبون الزاهر الذي سيعمق ضعفه وتبعيته للعسكر الذي سيبقى الفاعل الرئيسي في المشهد الجزائري ويعمق اعتماد تبون على شنقريحة ويقلص من هامش المناورة لديه.
    ولمن يريد التدقيق أكثر في هذه الصفعة، يمكنه الاطلاع على النتائج التفصيلية لهذه الانتخابات وسيلاحظ أن نسبة المشاركة في القبايل كانت كارثية لم تتعد 1 في المائة، وبأن نسبة المشاركة كانت جد قليلة في المدن الكبرى التي عاشت على وقع تظاهرات الحراك منذ فبراير 2019. هل يمكن لتبون أن يصف الحراك مرة أخرى بالمبارك؟ وهل تتسع قشابته أكثر ليترك للشعب الفرصة للتعبير طالما أن هذه المؤسسات التي تنبثق من انتخابات أقلية لا تمثله؟
    لن تتسع قشابة تبون، ولن يرضى العسكر بغير سياسة القبضة الحديدية. وقد كان هذا واضحا بعد سحب اعتماد قناة فرانس 24 في الجزائر بمبرر “التحامل المتكرر” للقناة “على الجزائر ومؤسساتها”. وهذه مناسبة أخرى لفضح الصمت غير المبرر الذي تعامل به الطابور الخامس مع هذا الإغلاق وهم الذين لا يتركون ملفا حقوقيا إلا دبجوا بشأنه بيانات وتصريحات. لم نسمع تصريحات ولم نطلع على بيانات الطابور الحقوقي المغربي والتونسي. ما السبب في ذلك؟ هنا نكتشف أن العمل الحقوقي عند البعض صار تجارة وتصفية حسابات وخدمة تحت الطلب لمن يدفع أكثر. وهذه من الأمور التي تتكشف يوما بعد آخر.
    لقد كان ضمن تعليل السلطات الجزائرية لإغلاق قناة فرانس 24 ما يوضح أن المقصود أساسا هو عدم الرضى عن تغطية القناة الفرنسية للحراك الشعبي من خلال عبارات مثل “تحيز صارخ للقناة، وكذلك أعمال تقترب من نشاطات تحريضية وأعمال غير مهنية معادية للبلاد”. ألا يعني صمت الحقوقيين خذلانا لهذا الحراك الشعبي؟ هل هذا الخذلان سببه عدم اتفاق مع مطالب هذا الحراك أم هو انحياز مطلق للسلطة في الجزائر؟ هل صمتهم سببه أن الحراك الشعبي في الجزائر غير سلمي أم ماذا؟ هذه الازدواجية صارت مفضوحة ويعيها كل من يتابع من المغاربة تفاعل الطابور الخامس مع القضايا التي يرون فيها مصلحة للمغرب والمغاربة فيفضلون التجاهل والصمت.
    ومن إيجابيات الانتخابات الجزائرية كذلك أنها وضعت تبون وشنقريحة في المرآة والميزان ليعرفوا صورتهم وحقيقتهم ووزنهم ويكتشفوا أن الانتقاد المجاني المفتقد للأدب لن يصنع من الصغار كبارا نهائيا. والكبار يبقون كبارا دائما بمعاملاتهم وخطابهم وطريقة تعاطيهم مع القضايا العامة. هنا يتضح الفرق بين الملكية في المغرب وبين نظام العسكر في الجزائر. فرق بين أسلوبين وخطابين ومنهجيتي عمل متناقضتين. فبينما يحرص الملك محمد السادس على انتقاء عباراته تجاه الجزائر يطلق حكام الجزائر العنان للغة الاستفزاز للمغاربة، وبينما يحرص الملك على مد اليد للجزائر يسمم حكام الجزائر الأجواء لتكريس القطيعة، وبينما يحرص المغرب على إيجاد حل لقضية الصحراء المغربية في إطار مبادئ أممية تحفظ له وحدته الترابية يتمادى الجنرالات في الجزائر في دعم البوليساريو.
    قضية الصحراء المغربية صارت حدا فاصلا في طبيعة ومستوى علاقات المغرب مع غيره، وهذا من الوضوح المعهود في العقيدة الدبلوماسية المغربية. لا يعقل أن تستمر دول تدعي الشراكة والصداقة مع المغرب في دعم كيان انفصالي يهدد في كل مرة وحين بالرجوع إلى حمل السلاح ويهدد أمن المغرب بأعمال عصابات. لا يمكن الصمت عن سلوكات بهذا الحجم من الإضرار بالمغرب والمغاربة. وهذا ما لم تستوعبه الحكومة الإسبانية باستقبالها لزعيم البوليساريو بهوية منتحلة وأوراق مزورة ورضى رسمي وموافقة قبلية من طرف الدولة والاستشفاء بمستشفى عمومي. فماذا كانت النتيجة؟
    خرج المغرب منتصرا من هذه النازلة لوحدته الترابية ولم تصل الحكومة الإسبانية لمبتغاها حيث فشلت في حشد إجماع أوربي لصالحها، وأحرجت نفسها تجاه الإسبان حين انتصرت للإفلات من العقاب وتعطيل استقلالية القضاء ومنح حصانة ضمنية لبن بطوش وتمكينه من مغادرة البلاد بهوية منتحلة كما دخل بها أول مرة. وليت الأمر انتهى عند هذا الحد من الخسارة.
    لقد سوق الإعلام الرسمي الإسباني لما يزيد عن الأسبوع للقاء مرتقب بين رئيس الحكومة بيدرو سانشيز مع الرئيس الأمريكي بايدن على هامش قمة الناتو. وكالعادة، تحركت الماكينة الدعائية تضع آمالا عريضة على هذا اللقاء الذي من المنتظر أن يحشد من خلاله الإسبان دعما أمريكيا لهم ضد المغرب، بل من أنصاف المحللين من أعاد مرة أخرى الأسطوانة المشروخة لتراجع أمريكي محتمل عن الاعتراف بمغربية الصحراء. فماذا حدث يوم اللقاء المبرمج بين بايدن وسانشيز؟
    لقد مرغ سانشيز الإسبان في التراب وأهانهم جميعا وضرب كبرياءهم في مقتل. سرعان ما استفاق الإسبان على الحقيقة المرة وهي أن لا لقاء مبرمجا في أجندة بايدن مع سانشيز، وأقصى ما أمكن فعله لحفظ ماء الوجه هو لقاء زنقاوي على قارعة الطريق في اتجاه الكافتيريا لم يدم أكثر من 29 ثانية. هذا ما يستحقه سانشيز في أجندة الرئيس الأمريكي!!! لقد تمخض الجبل فولد فأرا، حيث لم يتجاوز حديث اللقاء الزنقاوي ما يرتبط بالناتو دون غيره.
    ألهذا الحد أوصل سانشيز إسبانيا بحرصه على الضغط على المغرب؟ من تابع تلك اللحظات القصيرة سيرى تكلف رئيس الحكومة الإسباني عناء الحركة والشرح وتحمل عبء الطريق أمام رئيس أمريكي لم يحرك وجهه للنظر في المتحدث الإسباني ولم يبد تجاوبا مع كلامه، وهو ما أظهر أن المحادثة تمت مع شخص غير مرغوب في لقائه ولا حتى سماع كلامه. كيف يمكن إثارة ملف الصحراء المغربية وملف الاعتراف الأمريكي بها وملف الخلاف مع المغرب وملف مناورات الأسد الإفريقي وغيرها من القضايا في أقل من نصف دقيقة؟ هذه إحدى نتائج التعنت الإسباني تجاه المغرب، وهذه أولى تداعيات الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها إسبانيا في هذه القضية ولن تنتهي عند هذا الحد. سيكتشف الإسبان أن حكومة سانشيز تضعف بلادهم وتذلها دوليا وسيكون لذلك أثر انتخابي مباشر مستقبلا، وقد يدفع ثمنه الاشتراكيون جميعا بما في ذلك التيار الذي لا يوافق على هذه الخطوات.
    وثاني التداعيات لم تتأخر كثيرا، حيث ظهرت نتائج سياسة حكومة بيدرو سانشيز التي تساهم في تنامي خطاب الكراهية وتذكي خطاب العنصرية ضد المغرب والمغاربة بسبب سياسة الشحن الإعلامي والسياسي ضدهم في بعض وسائل الإعلام الإسبانية.  لقد قتل مغربي على يد إسباني معروف بكرهه للمغاربة بعد تلقيه ثلاث رصاصات عل مستوى الصدر نقل على إثرها إلى المستشفى، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة هناك. وهذا مغربي مقيم هناك ومتزوج بإسبانية “أكدت أن زوجها قتل لأسباب عنصرية”.
    وهذه مناسبة أخرى للتذكير بصمت الطابور الخامس تجاه هذه الحادثة العنصرية التي استهدفت مواطنا مغربيا. لماذا صمتت العدل والإحسان والنهج؟ ألا يعلمون أن النفس عزيزة عند الله ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا؟ أين هي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والعصبة المغربية التي لا تفوت حدثا حول الهجرة والمهاجرين إلا ذكرت به ولو كان في جزر الوقواق؟ أين اختفى المعطي الفرنسي ولمرابط الإسباني وحسين مجدوبي وخديجة الرياضي وبوبكر الجامعي وغيرهم من الطوابرية؟ لماذا لم نسمع كلاما لفؤاد عبد المومني المتصابي الذي ينتشي بتصريحات للباييس تحت الطلب ضد الملكية؟ لقد فضحكم هذا الشهيد الذي لم تنتصروا لحقه في الحياة، ولم تحركوا ساكنا وكأنه لا يساوي ثمن الحبر الذي تكتبون به بياناتكم. ها هم المغاربة يلاحظون الازدواجية التي تطبع سلوككم، ويفهمون خلفية ما يحرككم. إنه كره المغرب ومؤسساته.
    إن أمن المغاربة الموجودين في إسبانيا مسؤولية الحكومة الإسبانية، وكم نتمنى أن تتحرك قوى المجتمع المدني هناك والنواب الإسبان والأوربيون لإثارة هذا الملف تجنبا للأسوأ مستقبلا.
    ها هي الحقيقة المرة تظهر للعامة، حكومة إسبانية اشتراكية تخدم للأسف من حيث لا تدري أجندة اليمين المتطرف هناك بإصرارها على معاداة مصالح المغرب والتنطع ضد الاعتراف بخطئها تجاه مصالحه وتقديم الاعتذار وتصحيح أخطائها تجاه المغرب الذي ما زال يفي بكل التزاماته من موقع المؤمن بأن الشراكة خيار استراتيجي بين بوابتي القارتين. هل يرضى بهذه النتائج الاشتراكيون الإسبان والأوربيون؟ ننتظر المستقبل القريب الذي ستتكشف فيه الحقيقة.
    وثالث التداعيات هي الضربة القاضية التي تلقاها الطوابرية الذين كانوا يظنون أنهم سينتعشون في ملف مغاربة العالم وكأن قرار المغرب بوقف عبورهم عبر إسبانيا هدية لهم لا مثيل لها.
     لقد اكتشف الجميع أن المغرب يخرج في كل لحظة ورقة جديدة والجوكر لم يخرجه بعد. أتمنى أن تكون السرعة التي تم بها إيجاد البديل والسلاسة التي تم تنزيله بها رسالة لمن لا يزال يشك في قدرة المغرب على إيجاد بدائل وهو الدولة التي تحرص على تنويع شركائها وحلولها. لقد كان بيان الديوان الملكي انفراجة تلقاها مغاربة العالم بما تستحق من شعور واقتناع أن الملك يستحضرهم كمغاربة يحمل وهمهم ولن يصيبهم ضرر وهم الحريصون في كل مناسبة على الاعتزاز بمغربيتهم جيلا بعد جيل. هل يمكن للإسبان والطوابرية أن يوضحوا رأيهم بعد هذا البلاغ؟ كالعادة بلعوا ألسنتهم وصموا آذانهم واستغشوا ثيابهم وكأن شيئا لم يحصل.
    الحمد لله أن المغاربة أذكياء وقدروا هذا القرار الذي أدخل البهجة على المغاربة في الخارج والداخل لأنه يتيح صلة الرحم بعد سنتين من القطيعة القسرية بسبب كورونا.
    والأكيد أن المغرب لم يستنفد كل أوراقه التي يدافع بها عن مصالحه ضد كل من يستهدف وحدته ومصالحه. والإسبان واعون بذلك، وهم في خسارة بعد خسارة وسيؤدي الحزب الحاكم الثمن سياسيا وحقوقيا وانتخابيا ما لم يعترف بخطئه تجاه المغرب ويسارع لتطويق هذه التداعيات.
    لن ينفع الإسبان الاستنجاد ببايدن أو الاستقواء بالاتحاد الأوربي لأن المغرب لا يقف مكتوف الأيدي وهو كذلك يقوم بما يلزم لشرح حيثيات وأسباب الخلاف الإسباني المغربي الذي فشلت حكومة إسبانيا في تدويله.
    ولأن الطوابرية يعيشون خريفهم، ولأن المصائب لا تأتي متفرقة، فقد كانت صدمتهم هذا الأسبوع كبيرة بعد تعرية الحقيقة في ملف سليمان الريسوني. لقد اختار سليمان الإضراب عن الطعام بمحض إرادته، أو ربما بأوامر وتوجيه من المعطي وجماعته، أو ربما بدا له أن هذا الأسلوب يمكنه الضغط به على القضاء ظنا أن المعطي نال السراح المؤقت بسبب إضرابه. هذا هو التحليل الفارغ المبني على الأوهام التي يلوي سليمان وأمثاله عنقها ليحولوها إلى وقائع ومعطيات. لم يتجاوب سليمان مع نداءات كل من زاره من عائلته، وفي مقدمتهم أخوه أحمد الريسوني، ومحامييه، والنقابة الوطنية للصحافة، والجمعيات الحقوقية، وأصدقائه الحريصين على حياته. وفي كل زيارة يعد الزائرين خيرا، ولا يزداد إلا تمسكا بالإضراب. هذه وحدها تكفي ليكتشف الرأي العام المحلي والدولي أنه وحده يتحمل تبعات هذا الإضراب، أما مندوبية السجون فبريئة من تبعات هذا الإضراب طالما أنها توفر له كل ما يطلبه من تطبيب وغير ذلك. والقضاء بريء كذلك لأنه سلطة مستقلة لا تخضع لمثل هذه الضغوط ولا تنظر إلا في ما يعرض عليها من أدلة، وللأسف فسليمان ودفاعه يعطلون، منذ شهور، تقدم المحاكمة بادعاءات مصطنعة فضحها الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بعد إصدار بيان وضح فيه أن سليمان هو المتسبب في تأخير إجراءات المحاكمة منذ نوفمبر 2021 بناء على طلبه وبمبررات مختلفة مثل إعداد الدفاع أو بدعوى وضعه الصحي أو بالامتناع عن الحضور لجلسة المحاكمة رغم إشعاره المسبق بها. هل بعد هذا البيان من بيان؟
    لماذا يحرص محترفو الكذب على الفيسبوك على ادعاء أن التأخير ضرب للمحاكمة العادلة وكأن سببه هو النيابة العامة؟ لماذا يتحاشون ذكر سبب التأخير دائما؟ لماذا يريد سليمان الإفراج عنه في إطار صفقة بدون محاكمة أو يبحث عن محاكمة على مقاسه؟ لماذا لا يحضر الجلسة وييسر سير الدعوى طالما هو متأكد من براءته ويملك الأدلة عليها؟ لماذا عم الطوابرية صمت القبور بعد بلاغ الوكيل العام للملك ولم يكذبوه صراحة بالدليل والبرهان؟ لماذا يكذبون على الرأي العام ويخلطون بين الحراسة النظرية ومرحلة التحقيق؟ لماذا يستفزون القضاء بهذه الأكاذيب؟ هل استنفدوا كل الوسائل القانونية ولم يعد في جعبتهم أدلة؟ هل يظنون أن البيانات والتدوينات والتضامن تعد أدلة براءة؟ وبالمناسبة لا يمكن تفويت تضامن الشاعر السوري علي أحمد سعيد إسبر المعروف بأدونيس مع سليمان واحتفاء الطوابرية به. أدونيس الذي يتضامن مع سليمان هو نفسه الذي تجاهل آلاف الضحايا من بني بلده ورفض التضامن معهم، وأصر على معارضة حراكهم ونعته بأقدح النعوت. هل هذا التضامن يشرف مناضلي النهج والعدل والإحسان والحقوقيين والذين معهم؟ وهل بمثل هذا التضامن يتقوى ملف سليمان قانونيا وحقوقيا؟ هل اطلع أدونيس على الملف كاملا؟ هل اتصل بالطرف الآخر لمعرفة روايته؟
    الأكيد أنه لم يفعل، والأكيد أن تضامنه لا يعتد به، ولوكان منصفا لسلك المسلك الصحيح لتبين حقيقة الملف. وهو ما لم يتم نهائيا. هنيئا لكم أيها الثوريون بتضامن واحد من الشبيحة، ودمتم ثوريين فرحين بتضامن أمثال أدونيس.
    لن يكون سليمان فوق القانون، ولن ينعم بحرية مفروضة بالضغط، ووحدها المحاكمة كفيلة بتبرئته أو إدانته، وانطلاق المحاكمة وحده كفيل بتسريع النظر في الاتهامات الموجهة إليه وهو بريء إلى أن تثبت إدانته، والمحاكمة علنية ومفتوحة في وجه كل المراقبين الذين بإمكانهم الحكم بعد ذلك بتوفرها على ضمانات المحاكمة العادلة. وليفهم الطوابرية أن تدويناتهم لن تخضع القضاء وأنها تفضحهم وتسيء إلى سليمان قبل غيره وتضعه في موقف ضعف تجاه الرأي العام الذي يتابع قضيته. وأن المتسبب في وضع سليمان الحالي هو من يلتمس التأخير كل مرة ومن يتعلل بأي سبب للحيلولة دون المحاكمة منذ شهر فبراير. وفي انتظار تحلي سليمان وباقي الطوابرية بالمنطق للاحتكام إلى القضاء عليهم فهم أن الدائرة تضيق عليهم والخيارات تتضاءل أمامهم وأنهم سبب كل سوء يتعرض له سليمان. وفضائحهم تتناسل يوما بعد آخر بما يظهر للمغاربة أن هؤلاء لا تحركهم مصلحة المغاربة والمغرب وأنهم لا يسمع لهم صوت إلا في القضايا التي تسيء لبلادهم.
    لن أختم هذا البوح، الذي صرت أكثر إصرارا على الاستمرار فيه بسبب التجاوب الذي يلقاه من المغاربة وغيرهم، وتصلني أصداء قرائه وتشوقهم لمتابعته كل أحد، دون الهمس في أذن الحياحة وأشباه المحللين الذين شككوا في دور المغرب في مناصرة القضية الفلسطينية وفي دور الملك رئيس لجنة القدس. قلت مبكرا في هذا البوح منذ توقيع الاتفاق الثلاثي أن المغرب يميز بين العلاقة مع إسرائيل وبين مناصرة القضية الفلسطينية. لا يمكن رهن هذا الملف بذلك، ولا يمكن لعلاقات مع إسرائيل أن تكون حائلا دون مناصرة الحق الفلسطيني في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. وقد اتضح هذا الأمر في أكثر من مناسبة منذ توقيع هذا الاتفاق. هل خذل المغرب الفلسطينيين في لحظة من اللحظات؟ الجواب يأتي من المقاومة والفصائل الفلسطينية التي قام أحد قادتها اسماعيل هنية بزيارة المغرب بدون مشاكل وببرنامج لقاءات مع كل ألوان الطيف المغربي. إن الزيارة في حد ذاتها وفي هذا التوقيت جواب، وتصريحات هنية جواب على موقف المغرب ودوره في خدمة القضية الفلسطينية واعتراف بهذا الدور. ولا أخفي سرا إن قلت أن الزيارة كانت مبرمجة مباشرة بعد الاتفاق الثلاثي وحالت دون ذلك موانع شكلية.
    هذا هو الوضوح المغربي الذي يميز بين الملفات وقادر على فك شفرات كل ملف بما لا يتعارض مع مصالح البلاد في ملف آخر. وهذا ما يجعل المغرب محترما من قبل كل الدول.
    بلغني أن إسلاميي تبون منزعجون من سبق المغرب في استضافة هنية على أرضه، وانزعاجهم ناتج أساسا عن انزعاج تبون من هذا السبق وهو الذي لم يتخلص بعد من عقدة المغرب. على حمس والبناء وغيرهما توجيه الأسئلة الحقيقية عن سبب هذا التفضيل وعن سبب هذه التصريحات تجاه المغرب التي تبين حقيقة الإسناد المغربي للموقف الفلسطيني وتوضح للرأي العام الدور المغربي في الحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني. بدون هذا لن تصلهم الرسالة واضحة، وقد يستمرون في نظرية المؤامرة مضللين العسكر الذين خسروا ورقة أخرى كانوا يستدرون عطف الجزائريين بالقضية الفلسطينية ومناهضة التطبيع.
    ها هو المغرب يبين حقيقة علاقاته وتطبيعه مع إسرائيل التي لا تمنعه من معارضة سياساتها الاستيطانية ومساندته لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتنازل والتجزيء.
    اتضح الآن أن أكبر متضرر من هذه الزيارة هو العدل والإحسان التي سقط في يدها ولم تجد غير تعويض ممثل حماس بممثل عن الجهاد الإسلامي للمشاركة في مهرجان “فلسطين تنتصر” التي تنظمه الجبهة المغربية لدعم فلسطين. فلم يبق للجماعة إلا خيار الارتماء في أحضان الأجندة الإيرانية في فلسطين، ونعم الاختيار حتى نفهم باقي اصطفافات الجماعة في الداخل والخارج.
    دام العز للمغرب والمغاربة الذين يصنعون الانتصارات في زمن “القواسة” والطوابرية .
    وإلى بوح آخر.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    بَركان تضع الجزائر فوق فوهة بُركان