وداعا سِّي عبد الرحمن : مَرْثيَةُ اليوسفي آخر فرسان الزمن الوطني

وداعا سِّي عبد الرحمن : مَرْثيَةُ اليوسفي آخر فرسان الزمن الوطني

A- A+
  • أبو وائل الريفي

    قرر أبو وائل اليوم ألا يكتب عن التافهين، وأن يكتب عن آخر الفرسان الذي ترجل ليلة أمس في الساعة العاشرة ليلا ورحل عنا إلى الأبد بعد أن صارع الموت في غرفة الإنعاش ثمانية أيام تباعا ، بجسده و رئته الواحدة التي انهكتها 96 سنة من زفير الأيام.

  • فكيف لي أن أوفيك حقك أَ أَتحدث عن قوة رجل في صمته أَمْ أَتحدث عن رجل دولة أَم أَتحدث عن سِّي عبد الرحمن الحكيم أَم أَتحدث عن رجل غادر و اعتزل بعد 2002 ولم يستغل رمزيته للانتقام لنفسه، بل آثر المغرب واستقرار المغرب على نفسه..

    كنت شهما وأنت معارض وشهما عندما اعتزلت، وكنت كبيرا في عيون كل الناس عندما عادك ملك المغرب وأنت في مشفاك بمستشفى الشيخ خليفة..جلالته لم يكن بروتوكوليا بالمرة ،طبع على رأسك قبلة اعتراف المخزن لَكْبِير اعترافا بك كرجل دولة من الطراز الاستثنائي، لن تمحوه الأيام أبدا…

    لن ينسى المخزن كلامك الواضح النَفَّاذ الصريح وأنت تستعمل عباراتك النبيلة بلغة عربية راقية “إِذَا سَمحَ جلالتكُم، إِذَا تَفضَّلَ جلالتكُم…” وتقول كل شيء بدون حرج..إنها شهامة الكبار..

    سمعت يوما أنه عُرضَتْ عليك مسؤولية الإنصاف والمصالحة ولم تكن في سمو الرقي إلا أنت ،حِين قُلت ” أشكُر جلالتَكُم مرَّتين الأُولى على تَشرِيفكم لي والثانِية علَى قبُولكم إعتذاري”..كم كنت فريدا حقا في كل شيء يا عبد الرحمن.

    من عاشر محمد الخامس والحسن الثاني وعبد الله ابراهيم وامبارك لهبيل و المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد وعمر بن جلون وعلال الفاسي و امحمد بوستة وعلي يعتة وبن اسعيد أيت إيدر و الفقيه البصري و أحمد بلا فريج و بوبكر القادري و الهاشمي الفيلالي وعزيز بلال، لا يمكن أن يكون إلا شهما…

    إنك حقا آخر الكبار، أتذكر يا عبد الرحمن يوم تعيينك وزير أولا أصر الحسن الثاني رحمه الله على أن يستضيفك في جو عائلي في صالونه الصغير بعيدا عن فساحة قاعة العرش وتحدث للأمراء عن عمهم سي عبد الرحمن وكان الحسن الثاني رحمه الله يعيش أيامه الأخيرة.

    وشاءت الأقدار أن تُدفن في مقبرة الشهداء غير بعيد عن الشهيد محمد الزرقطوني والراحل علي يعتة، لكن جنب يسار الراحل مولاي عبد الله ابراهيم، إنها صدفة الأقدار أول الكبار إلى جانب آخر الكبار.

    اليوم نودعك نودع سي عبد الرحمن النقابي الذي كان في الخمسينيات يُدَرِّس في درب مولاي الشريف عمال “كوزيمار ” فك الحرف ومحاربة الأمية.

    اليوم نودع المحامي الذي دافع عن كل القضايا العادلة و سيلحق اليوم بشهداء صبرا و شاتيلا الذين دافع عنهم ضد أرييل شارون، ضد حرب الإبادة في لاهاي.

    اليوم نودع سي عبد الرحمن المقاوم زميل الفقيه البصري ومحمد الزرقطوني وابراهيم الروداني ومحمد منصور و ادريس لحريزي وميشيل لحريزي ورحال المسكيني والحسين برادة و الغالي العراقي وحسن الصغير و حسن صفي الدين “لعرج” التي لا تعني اليوم لشبابنا سوى أسماء شوارع حيث المقاهي و التبضع و المكاتب المخملية، لكنها تعني بالنسبة لك رفقاء مشوار مجاهد طنجاوي في مدينة الملايين التي افتقدتك و تبكيك اليوم كما بكت من قبل محمد الوديع الآسفي الذي آحْتَضَنْتَ حفيده المحامي يوسف الشهبي و اعتبرته ابنك الذي لم تلده لك هيلين اليوسفي و رافقك كإبن بار في أيام مرضك و كنت لا ترتاح إلا و أنت معه مرفوقا بصغاره في بيتك مع جدهم سي عبدالرحمان.

    اليوم نودع رجل دولة استثنائي تحمل رئاسة حكومة المغرب في ظرف دقيق من تاريخ الدولة العلوية و كنت ابن الدار الذي يُسْتشَارُ في كل كبيرة و صغيرة، و رغم حادثة سير 2002 كنت قويا بصمتك..غيبت ذاتك كشخص في المعادلة وكنت شهما في اعتزالك و لم تنجر إلى لعبة الصغار الذين تصوروا أن ثرات سي عبدالرحمان قابل للتلويث لكي تدافع عن مغتصب نساء..رفضت حتى آخر أيام حياتك أن تتبنى ملف بوعشرين و عندما أصر بعض أهله أحلت الرسالة بدون تزكية إلى صاحب الشأن حتى لا تردها تعففا إلى زوجته.

    اليوم نودع الإنسان البسيط الذي عاش فقيرا ومات فقيرا، رفض أن يأخذ تعويضات تنصيبه كرئيس للحكومة وحولها إلى الميزانية العامة وطلبت أن تمول إيصال الكهرباء إلى دواوير الجبال..يتذكر أبو وائل حكاية رواها أحد المقربين الذين يُرْوَى عنهم الحديث أنك لم تكن لديك في البيت سوى 20 درهما واعتبرتها كافية وأكثر، وتلذذت بوجبة “البيض ومطيشة” وتفاحة وشاط الخير واحتفظت بعشرة دراهم الباقية لليوم الآخر وكنت يومها في بيتك تهيئ مشروع مذكرة الكتلة إلى المرحوم الحسن الثاني.

    رحم الله معارضا شريفا مارس المعارضة بنبل وأخلاق وشرف، كان راقيا حتى في غضبه، كان مسكونا بالمغرب، ملقحا بلقاحه ضد كل ما هو دخيل عن تمغرابيت، وترك لنا مذكراته “أحاديث في ماجرى” لم يستفد منها أصحاب لغة المراحيض والكلام الساقط واستسمحك سي عبد الرحمن أنني تحدثت عن بعض الصغار في مَرْثيَةُ الكبار يا ابن المغرب الغالي

    وصدق الصادق الآمين حين قال “أكثرُ شهداءِ أمَّتي أصحابُ الفُرُشِ ورُبَّ قتيلٍ بين الصَّفَّيْن اللهُ أعلمُ بنيَّتِه”.

    رحم الله الشهيد سي عبد الرحمن اليوسفي
    وداعا سي عبد الرحمن

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي