الحلوة والعلوة

الحلوة والعلوة

كاريكاتير: الحلوى في البرلمان، بريشة: سعد جلال

A- A+
  • تزايد في الآونة الأخيرة الانتقاد الشديد لبرلمانيي الأمة، ليس مشهد التسابق حول الحلوى وإخراجها في مغلفات أو أكياس بلاستيكية من قبة البرلمان التي كانت قد شرعت لنصوص قانونية لمنع أكياس البلاستيك، ظل المشهد يتكرر كل سنة وتمر الأمور بسلام، مع كل افتتاح ملكي للبرلمان في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، يقع هذا التهافت على الحلوى بشكل غريب بغض النظر عن الفاعل، اليوم لا، الكاميرا دوما شاعلة، لقد تم رصد هذا التسابق على الحلوى بعدسة الصحافيين وكل من كان يومها بالبرلمان، ونشرت صور وفيديوهات حية على قنوات التواصل الاجتماعي، وتوالت التعاليق الساخرة وأنتجت أغاني حول الحلوة والعلوة وتولدت نكت وقصائد طريفة… هل الأمر عادي؟

    أبدا، هذا التركيز على المسؤولين الحكوميين والنواب والمستشارين البرلمانيين، يحمل أبعادا أكبر من مجرد تصوير مشهد تزاحم ولهطة “برلمانيين” مفترضين على الحلوى، إنه انتقام لاواعي من الطبقة السياسية بكافة تلويناتها، وتصفية حساب ورد الصّرف على أكوام الوعود والأوهام التي قدمها العديد من هؤلاء البرلمانيين في لحظة الانتخابات وحين قدر لهم النجاح، غادروا قراهم ومناطقهم النائية التي يمثلونها يا حسرة واستقروا في العاصمة بمباهجها، وتفرغوا لأعمالهم ومشاريعهم الخاصة.. ونسوا الناس الذين انتخبوهم، ومنهم من واجه بوقاحة المواطنين الذين استنكروا انفصال أو غياب البرلمانيين عن هموم الساكنة الانتخابية، بأن أموالهم هي التي أنجحتهم وليس المنتخبين..

  • ما حدث من انتقاد حاد للوزير يتيم، وما تفجر من جدل حول تسابق البرلمانيين على صحون الحلوى، ليس له من إسقاط رمزي إلا على مظاهر تحول الطبقة السياسية في علاقتها مع المجتمع، وأطباق الحلوى ليست إلا غنائم الثروات المنهوبة من طرف أقلية في المغرب، لذلك تحول هذا المشهد إلى مجال للسخرية والنقد وتبخيس المؤسسة التشريعية وساكنيها.. ليس كل النواب في كفة واحدة، الأكيد هناك نزهاء يضحون بأموالهم وبوقتهم وباجتهاداتهم، ويعملون بوطنية صادقة، ويبقون على اتصال بساكنة دوائرهم الانتخابية ولا يغيرونها في ترشيحات أخرى، لذلك يفوزون في انتخابات متتالية ويحظون بثقة الساكنة لكفاءتهم وصدقهم، ولكن هؤلاء قلة، أمام كثرة قناصي الفرص والانتفاعيين من البرلمانيين الذين يغيرون دوائر ترشيحاتهم كل خمس سنوات ليجددوا كذبهم ويوزعون الأموال والأوهام على الهيئة الناخبة مرة أخرى..

    لقد اتسعت الهوة بين الطبقة السياسية والامتداد الاجتماعي، لقد أصبح ما يناقش في البرلمان منفصلا عن الهم الاجتماعي، لذلك لم يعد الناس منشغلين بما يطرأ في القبة التشريعية، منذ أكثر من عقد، لقد أصبحت النخبة السياسية أبعد ما يكون عن قضايا الناس ومشاكلهم، وهناك سوء تفاهم كبير بين البرلمانيين خاصة والشعب، هذه القبة الأكثر مكانا لتبادل عبارات الاحترام تعرضت للتشويه وفقدت المصداقية والثقة التي كانت تحظى بها، والناس أصبحت تقارن بين برلمان الأمس وبرلمان اليوم، ولم تعد تجد قضاياها وهمومها في قلب خطاب السياسيين الذي يدعون أجمعين أنهم ممثلين للأمة ومدافعين عن قضاياها، يجب أن نفهم حدة هذا النقد والمبالغة في الانتقاص من صورة البرلمانيين والسياسيين عموما، والذي هو تعبير عن الشعور بهوة ساحقة بينهم وبين المجتمع الذي يتحدثون باسمه.. وهو أمر خطير، فالديمقراطية هي دولة المؤسسات القوية، والضرب في المؤسسة التشريعية هو طعن في مصداقية العملية السياسية برمتها، ولا يمكن أن نلقي باللائمة على المنتقدين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، بل على الأحزاب السياسية التي هي المسؤولة عن تقديم رموز لا تشرفها ولا تشرف البرلمان، نخبة من المرشحين جاؤوا إلى البرلمان وصعد بعضهم إلى الحكومة، وعوض المساهمة في بناء مستقبل البلد، شرعوا في بناء مستقبلهم ومستقبل ذريتهم، وبعضهم لم يغير سوى سيارته وبذلته ومسكنه وانتقل للعيش في النعيم، ولم يغير شيئا يفيد الأمة ولا خدم دائرته الانتخابية..

    يجب الآن قبل الغد أن تشتغل الأحزاب على موضوع النخبة المقدمة إلى التنافس الانتخابي، مصداقية وتكوينا وكفاءة، نخبة تبقى على صلتها بالساكنة وهمومها، وإلا فإننا سنقضي على ما تبقى من ثقة في الطبقة السياسية. “وذيك الساعة سيرو قلبو شكون يصوت عليكم”.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الرباط : بوريطة يستقبل شقيق رئيس المجلس الرئاسي الليبي والوفد المرافق له