”أمير” يحتاج إلى ”تصويب”

”أمير” يحتاج إلى ”تصويب”

A- A+
  • آثر الأمير هشام أن ينشر مساهمة فايسبوكية على حسابه الشخصي في مواقع التواصل الاجتماعي، مُعبرا فيها عن موقفه من النقاش العمومي الدائر حول قضية توقيف الصحافية هاجر الريسوني ومن معها في قضية الإجهاض والعلاقة الجنسية غير الشرعية الناتج عنها حمل وانتحال هوية مستعارة.

    وإذا كان الأمير حرا في آرائه ومواقفه، وهي الحرية التي يكفلها له الدستور والمواثيق الدولية والتشريعات الوطنية، والتي تضمن له الاصطفاف والتخندق في أي فُسطاط يريد. إلا أن هذه الحرية ليست بالمطلقة ولا الجامحة، التي تسمح له بأن يستغل رمزيته المعنوية النابعة من التوقير الملازم لصفة ” أمير”، لكي يزدري مؤسسات الدولة، أو يحرّف حقائق طبية، أو يؤثر في محاكمة قضائية، ولا تخول له أيضا أن يصنع رأي عام مناوئ.

  • فالأمير ” الأحمر” أو “المنبوذ” أو “الأزرق” وهي الأقرب، اختار مفردة تفيد الجزم بالبراءة عندما تحدث في قضية لازالت رائجة أمام القضاء، ولم تكشف بعد عن كل خباياها، مما جعله يسقط في عديد من الإنزلاقات المفاهيمية التي تجعلنا نتساءل في أي طريق يسير هذا “الأزرق”؟ فبغض النظر عن التأثير في أعمال القضاء من عدمه في هذه التدوينة الفايسبوكية، فقد بدا الأمير هشام في موقف الجاهل بالمفاهيم القانونية، وهو الذي يفهم ويفتي في كل شيء، خصوصا عندما ادعى أن هاجر الريسوني متهمة ب”الإجهاض”، مع أنها ليست طبيبة ولا ممرضة يمكنها أن ترتكب مثل هذه الجريمة، التي يتابع بموجبها الطبيب المتخصص في أمراض النساء والتوليد والممرض الأخصائي في التخدير والإنعاش، أما المعنية بالأمر فإنها تواجه أفعال الفساد الناتج عنه حمل غير شرعي وانتحال هوية مغلوطة.

    ولم يقف حد الإسفاف المفاهيمي عند هذا المستوى، بل زعم الأمير هشام بأن “تقريرا طبيا” طالب به القضاء هو الذي يبرئ المتهمة، في حين أن الوثيقة الطبية المعنية لا تعدو أن تكون شهادة فحص كما يشير إليها عنوانها (bulletin de consultation)، والفرق بين الخبرة والتقرير الطبيين من جهة وشهادة الفحص من جهة ثانية هو “بَونٌ” شاسع بقدر الهُوّة بين الجهل والنور وبين اللونين الأبيض والأزرق. أكثر من ذلك، فالقضاء إنما يطالب بالخبرة وهي التي يعتد بها، ولا يرتب أي أثر على الفحص الأولي.

    ولعلّ المؤسف في حديث الأمير، هو عندما يزدري تعاليم الإسلام ويعتبرها مجرد ” تقاليد” بقوله ” هذه الحالة (أي توقيف هاجر الريسوني) هي خرق لروح تقاليدنا الإسلامية”. فالإسلام جاء بأحكام وفرائض وطاعات، وحدّد الحلال والحرام والمكروه، ولم يأت بالتقاليد والعادات التي-للتنبيه والتذكير- نتوارثها عن الآباء والأمهات، وتتحكم فيها ممارسات قبلية ومجتمعية وتراكمات زمنية وغيرها، لا دخل فيها للإسلام أو باقي الديانات التوحيدية.

    والشخص الذي لا يميز في كتاباته، أو كتابات من كتب له، بين الأحكام الدينية السماوية والعادات والتقاليد الوضعية، يمكنه أيضا أن يزدري الإسلام ولو عن غير قصد وإنما جهلا أو تسرعا في الأحكام. فالأمير يؤاخذ على الدولة التناقض مع الحرية و”الترويج للإسلام المتنور”، وكأننا نتوفر على إسلامين أحدهما متنور والآخر ظلامي، وهي لعمري من أكبر الزلاّت السمجة التي يمكن أن يسقط فيها أمير ” متنور” أزرق. فالإسلام لم يكن في يوم من الأيام يراوح مكانه بين التنوير والظلامية، وإنما الفكر هو الذي يتنقل من التنوير إلى الظلامية.

    ومن الأمور التي برع فيها هشام، وإن كانت براعته عرضية وجاءت بنقيض القصد، هي عندما وصف المؤسسة الأمنية ب “المقاولة”. صحيح أننا عندما نسمع بأن معهد العلوم والأدلة الجنائية للأمن الوطني حصل على شهادة الجودة العالمية إيزو 17025، وأن الشركاء الأمريكيين منحوا شهادة المطابقة والجودة لمختبر الشرطة العلمية والتقنية، فإننا نكون فعلا أمام مرفق عمومي بأبعاد المقاولة. وعندما يصبح الأمن أيضا واحدا من أهم مرتكزات الملفات المغربية الكبرى في إطار الرأسمال اللامادي، سواء للترويج السياحي أو لاحتضان التظاهرات الكبرى أو في إطار ما يسمى التميز المغربي في مجال مكافحة الإرهاب.. فإنه يصح لنا أن نتكلم عن ” المقاولة الأمنية” بمفهومها الإيجابي، لا بما تنزغه النفس الأمارة للسوء عند البعض.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    عالم الزلازل الهولندي يحذر: هزات و زلزال مرتقبة بين 8 و 10 ماي