ثورة وردية

ثورة وردية

A- A+
  • مر عقدان من الزمن تقريبا على صدور مدونة الأسرة، شكلت المدونة في عام 2004 ثورة بيضاء قادها الملك محمد السادس وهو حديث عهد بالحكم، استقبلت في الداخل والخارج كمنجز استثنائي بعد أن كانت قضايا الأحوال الشخصية تقسم المجتمع المغربي، كان إعلان مدونة الأسرة لبنة كبرى على مستوى النهوض بحقوق المرأة، وصون حقوق الأطفال، والحفاظ على كرامة الإنسان، ودعم دولة الحق والقانون، وبناء المجتمع الديمقراطي، لكن كما يحدث في كل المجتمعات الحية، فإن مرور الزمن والتطور المتسارع للمجتمع يفرز قضايا جديدة وتحديات تفرض الاستجابة إليها، وكان يجب في الواقع أن تقوم الحكومة بإنجاز ما وعدت به في هذا المجال، لذلك جاءت الرسالة الملكية الخاصة بمراجعة مدونة الأسرة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، وحددت أجلا أقصاه ستة أشهر لعرض التعديلات المقترحة عليه.
    هذا هو الدور البيداغوجي الذي يعكس دولة المؤسسات، فالملك باعتباره أمير المؤمنين يقوم بدور التوجيه والتنبيه والاقتراح كلما بدت الحاجة أو دعت الضرورة دون القفز على السلطة التنفيذية أو إلغاء أدوار القبة التشريعية، لذلك استقبل العديد من الفاعلين والمنظمات الحقوقية والنسائية القرار الملكي بترحيب وإشادة كبرى تؤكد أن الملك محمد السادس يقود ثورة وردية إنصافا للمرأة وحماية لحقوق الطفل وحيوية مجتمع متطور، إذ لا ديمقراطية ولا عدل ولا رخاء إذا كان نصف المجتمع خارج الاستفادة من حقوقه، وإذا كان أبناء مغرب المستقبل محرومين من بيئة سليمة ومن رعاية تعتبر حقا لهم وواجب على الدولة ضمانها من أجل تنشئة اجتماعية سوية.
    مرة أخرى يؤكد جلالة الملك على بعد النظر المفتوح على التطور دون تفريط في مقاصد الشريعة وقيم المجتمع المغربي، بتأكيده «لا يمكننا أن نحل ما حرم الله ولا أن نحرم ما أحله الله»، وتنصيصه على «إعمال فضيلة الاجتهاد البناء هو السبيل الواجب سلوكه لتحقيق الملاءمة بين المرجعية الإسلامية ومقاصدها المثلى، وبين المستجدات الحقوقية المتفق عليها عالميا.» وتجديد حرصه « على أن يتم ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، وأن يتم الاعتماد على فضائل الاعتدال، والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.»
    وكأي ثورة إصلاحية هادئة، 
لا بد أن تثار في طريقها ردود فعل، يوجد في مقدمتها ما يصدر عن المحافظين والمستفيدين من وضع لم يعد سليما، وأيضا بعض المدونين الذين لا شغل لهم غير رفع البوز مستغلين حيوية نص موضوعه مثير للجدل والنقاش، لذلك وحتى قبل أن تجتمع اللجنة الحكومية راجت إشاعات تستبق عمل اللجنة وتختبر ردود الفعل.
    لقد كان الملك واضحا في رسالته إلى رئيس الحكومة، كما أن المكونات التي تشكلت منها لجنة إصلاح المدونة، تعكس التقاطبات والاختلافات الموجودة في المجتمع، فهناك السلطة القضائية وهناك المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي تؤطره قيم المواثيق الدولية ثم هناك المجلس العلمي الأعلى الذي يحرص على الاجتهاد في ظل النص الديني، ومن أكبر اختلاف قد نصنع أجمل ائتلاف كما وقع عام 2004 حين أعلن الملك محمد الساس عن مدونة الأسرة.
    يجب أن يخرص التافهون، نحن في حاجة اليوم إلى نقاش من مستوى عال، يهمه التدافع السلمي والاجتهاد الحر وفضيلة حوار من لهم إسهام في إغناء النقاش لا المشوشين الذين لا يهمهم سوى المزايدة في هذا الاتجاه أو ذاك، إما باحتكار امتلاك النص الديني أو بالذهاب إلى أبعد مدى في مجال الحريات الفردية، ونحن على يقين أن المنهجية التي حددها جلالة الملك كفيلة بإنتاج نص لن يقل حيوية عن النص السابق في زمنه، لأن المصلحة في نهاية المطاف هي حماية أسرتنا المغربية وإنصاف ذوي الحقوق دون إفراط ولا تفريط.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    جو حار نسبيا و تسجيل هبات رياح قوية نوعا ما فوق كل من الهضاب العليا الشرقية