الاستثناء المغربي الجميل

الاستثناء المغربي الجميل

A- A+
  • فجأة استفقنا على مأساة إنسانية غير مسبوقة حين مادت الأرض تحت أقدامنا وانهارت البيوت على أهالينا، كنا في قلب الزلزال، مصدومين من شدة هول الكارثة ليلة الجمعة وصباح السبت 8 و9 شتنبر، معظم المغاربة لم يعايشوا كارثة طبيعية بهذا الحجم، ضحايا في الأرواح، وخسائر كبرى في المباني، و ما إن بدأنا نصحو على الواقع المؤلم الذي هز الأطلس الكبير، حتى هب المغاربة عن بكرة أبيهم للتضامن مع إخوانهم ضحايا الزلزال الكارثي، كأنه في الوقت الذي كانت الأرض تخرج أثقالها، كان المغاربة يخرجون ما في قلوبهم من تآزر وتآخي وتضامن ومحبة لا مثيل لها، على حدِّ قول الشاعر:

    قوم إذا الشرُّ أبدى ناجِذَيه لهم طاروا إليه زُرافات ووحدانا

  • قدم الساكنة من المتضررين درسا في الالتحام الاجتماعي وفي قيم التآزر والتعاون وروح الإيثار، حتى ممن فقدوا أسرهم بالكامل كانوا يهبون لإنقاذ الجيران وانتشال الجثث من تحت الأنقاض، لم يستسلموا للنواح والبكاء على فقد أحبتهم، بل تحولوا إلى جنود يقدمون الخدمة والمساعدة وهم في أشد الخصاصة، وقدم أفراد القوات المسلحة الملكية والوقاية المدنية والدرك الملكي والقوات المساعدة ونساء ورجال الأمن بمختلف رتبهم وفئاتهم درسا في نكران الذات والتضحية والاستجابة للواجب المهني والتضامن الروحي بين المغاربة الذين وحدهم الألم في مأساة الزلزال، وخفف عنهم وطأته الكارثية تآزر إخوتهم في باقي ربوع الوطن وخارجه، بصغيرهم وكبيرهم، بنسائهم ورجالهم، هبوا للتطوع بدمائهم لفائدة الجرحى في الحوز وتارودانت، وبما ملكت أيديهم مهما خف وزنه وثقل في ميزان الخير والبدل.

    لم يقف المواطنون ليتفرجوا ويقولوا للدولة: «اذهبي وربك فقاتلي إنا ها هنا قاعدون»، بل قدم المغاربة نموذجا لمجتمع حي ومتفاعل، صحت فجأة قيمنا الأصيلة، التطوع التلقائي والعفوي لتقديم يد المعونة للضحايا بالقليل أو بالكثير، بيد المساعدة أو بالتبرع بالدم أو بالمساعدة العينية أو النقدية، وعبر الكثير من المحسنين عن تضامن روحي ومادي، من صحراء المغرب إلى الريف، ومن الجبل إلى الشاطئ، ومن المدن والقرى والمداشر، قدمت قوافل
    لا حصر لها لتقديم المساعدة والدعم لإخواننا المتضررين في الأطلس الكبير… إنها باختصار لحمة “تامغربيت” التي تجمع بين مكونات مجتمع ومؤسسات دولة، ذلك هو الدرس الذي تقدمه الأمة المغربية التي حازت إشادة العالم وانبهار الكل بهذا المغرب الاستثنائي الذي اعتمد على موارده وعلى إمكانياته لتجاوز الآثار المدمرة التي خلفها زلزال الحوز.

    قبل أن يعود الوقت لانشراحه والحياة إلى ينابيعها في هذا الأطلس الشامخ، سنستعيد ببهجة حكاية الزوج الذي أجل زواجه وباع الخاتم والكبش وحملهما رفقة خطيبته لمساعدة الضحايا، وحكاية صاحب الدراجة الذي تطوع بنصف كيلو دقيق، أي ما يعادل ثروة لديه وهو في حالة خصاص، وعاد إلى حال سبيه بلا أثر ولا ضجيج، وحكاية المرأة التي تطوعت بخاتمها وهو أعز وأغلى ما تملك لفائدة المتضررين من الزلزال، وستبرز حكايات نرويها بدموع الفرح ونشم بها جزء من هذا المغرب الرائع.

    هذا هو المغرب الاستثنائي الذي حين تحدثنا عنه قبل سنوات، كنا نرمى بنعوت «العياشة» و«المخزنيين» و.. و..، ها هي دول العالم ترفع القبعة للمغرب الاستثنائي، بملكه ومؤسسات دولته وبشعبه، ها هو الرئيس الأمريكي في اتصاله بجلالة الملك يهنئ المغرب على السرعة والفعالية التي تحركت بها مؤسسات الدولة وهبة الشعب المغربي للتخفيف من حجم الكارثة، ها هي أمة تقابل مأساة الزلزال، بزلزال التضامن والتآخي، هنا في المغرب بدا كما لو أن المغاربة كلهم في الحوز وتارودانت بقلوبهم، بسواعدهم، بمساعداتهم وبتعاطفهم وهو أضعف الإيمان، وفي الخارج، قدم مغاربة ليبيا قيم هذا البلد الاستثنائي بالتضامن مع ضحايا الفيضانات.

    لقد جربنا طعم التضامن المغربي في الكوارث كما في المسرات، جربناه في مأساة الطفل ريان الذي تحول المغرب كله إلى أب وأخ للصغير ريان، جربنا ذلك في أزمة كورونا، وعشناه بكل جوارحنا في مساندة أسود الأطلس الذين كتبوا ملحمة تاريخية تتجاوز الكرة إلى قيم الحب والاعتراف والتقدير والاحترام، وها هو الزلزال يشحذ همم المغاربة الذين تعلموا كيف يحولون الأزمات والكوارث إلى فرصة للبناء وتقوية النسيج الاجتماعي، سير، سير، سير، يا مغرب.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    جو حار نسبيا و تسجيل هبات رياح قوية نوعا ما فوق كل من الهضاب العليا الشرقية