ماتت الشهيدة الجريئة

ماتت الشهيدة الجريئة

A- A+
  • غادرتنا إلى دار البقاء أسماء الحلاوي، لحظة مؤثرة تلك التي غادرتنا فيها امرأة اختارت بشجاعة نادرة أن تبوح بكل أشكال الاستغلال الجنسي الذي تعرضت له من طرف مشغلها، ولو أن الموت قدر الله الذي لا مفر منه، لكن المرحومة أسماء الحلاوي ماتت أكثر من مرة، ماتت يوم استغلها رب عملها، وأخضعها لعبودية جنسية قاتلة فيها الكثير من الإذلال والاستغلال، وفي الوقت الذي كان من المفترض أن يحيط بها المجتمع مثل السوار ويحميها من الذئب الذي نهش لحمها، تكالب عليها المجتمع الذكوري ليُحّملها وحدها وزر وآثام جلادها، باسم الأخلاق البالية وروح الميز الجنسي والانتصار للرجل، حيث لحقها وحدها عار فضائح انكشفت للناس أجمعين..

    ماتت أسماء الحلاوي قبل الموت، حين تخلت عنها العديد من المنظمات النسائية والهيئات الحقوقية المنشغلة بالدسائس والتوظيف السياسي والمالي لحقوق الإنسان بميز كبير وبلا مبالاة اتجاه امرأة جريحة، باستثناء جمعية الدفاع عن حقوق الضحايا التي تأسست لمؤازرة ضحايا الاتجار في البشر في القضية المعلومة.. الحلاوي تنكّر لها الكل، لكنها صَمدت ولم توهن وظلت تقاوم الاتهام الذي كانت تراه في الأعين والسّحنات، في الشارع العام وفي محيطها..

  • ماتت أسماء الحلاوي.. المرأة التي امتلكت شجاعة نادرة رفقة نساء مغتصبات في كرامتهن وسمعتهن، خضعن قسرا للاستغلال والاتجار الجنسي والعبودية في أخبث أشكالها.. وقالت لا، لتفضح مستغلها ومغتصبها باسم الفحولة والرجولة والارتهان للقمة العيش..

    لم تمت أسماء الحلاوي فقط بسبب ولادة قيصرية تجريها مئات النساء بالمغرب كل يوم بنجاح، ولكن ماتت بسبب الأجواء النفسية التي أحاطت بها منذ أن قررت الخروج من دائرة الصمت، وأن تفضح مجتمعا منافقا، يدين المرأة لوحدها ويحملها كل الذنوب وكل الانحرافات، حتى ولو جمعتها مع رجل ينتصر له المجتمع ويحميه.. لو كنا في مجتمع متقدم، لاحتضن الكل الراحلة أسماء الحلاوي، لأنها كسرت صمت الاستغلال الجنسي وعبودية الأجر، و امتلكت الشجاعة لتخرج من مؤامرة «حشومة» و«الشرف» و«الحيا»… والسكوت على الاستغلال البشع.. فقط من أجل تشجيع كل المغتصبات على اختراق جدار الصمت للحد من المآسي…

    لقد آن لأسماء الحلاوي أن تهنأ في قبرها قريرة العين، لأنه بفضل نضالها ونضال من قررن عدم الصمت على الاستغلال الجنسي، من صديقاتها الشجعان، افتضح المستور، فعملهن لم يذهب سدى، والدليل هو توالي خروج نساء إلى العلن للإعلان عن التحرش بهن أو استغلالهن باسم الأجر أو النقط أو سلطة رب العمل، أو غيرها.. لقد فتحت بابا لن يُغلق ولو أنها جاءها منه صهد كبير وجحيم يذيب الجبال، وظلت صديقاتها تقاومن نفاق مجتمع، وعدم الإنصاف والعدل من طرف جمعيات ومنظمات يفترض أن تحتضن المظلوم ومن تعرضت كرامته للإهانة ومن اغتصب في جسده.

    لم تذهب جهود ومعاناة المرحومة أسماء الحلاوي أدراج الرياح، بل إنها استنبتت هي ومثيلاتها ممن تعرضن للاغتصاب والاستغلال الجنسي، بذرة بدأت تؤتي زرعها العميم، وهو هتك حجب الصمت اتجاه أي إهانة لكرامة النساء تحت أي سلطة أو اسم أو حجة، والدليل، ها هن طالبات الجامعات يخرجن للعلن ويعلن تعرضهن للتحرش الجنسي وللاستغلال مقابل النقطة أو النجاح، من طرف من يفترض فيهم حماية الأجيال الصاعدة وتحصينهن ضد الذئاب المتخفية في جلابيب الرجال المستغلين لحم المرأة..

    فلترقد أسماء الحلاوي في سلام.. لقد أدت فاتورة كشف الاستغلال الجنسي ونفاق مجتمع بشكل غالي جدا.. وستعي الأجيال القادمة مقدار حُجب الصمت التي هتكت حين فضحت الاستغلال الجنسي لبنات جنسها.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الاستقلال:غياب التوافق على لائحة أعضاءاللجنة التنفيذية يؤخرانطلاق أشغال المؤتمر