الترحال السياسي ظاهرة معقدة ومتشعبة تتقاطع فيها أسباب سياسية متعددة الجوانب

الترحال السياسي ظاهرة معقدة ومتشعبة تتقاطع فيها أسباب سياسية متعددة الجوانب

A- A+
  • مع بداية حلول العد العكسي للانتخابات التشريعية كل خمس سنوات يبدأ موسم الترحال السياسي بين الأحزاب السياسية، وتنفجر الخلافات داخل الأحزاب السياسية لتفرز نتيجة واحدة، مغادرة أسماء وأخرى من حزب إلى حزب معين، سواء كانت أبرز الأسماء منها، أو أسماء أخرى تحترف العمل في الانتخابات، أو ما يطلق عليها بـ”الكائنات الانتخابية”، وهي التي تتوفر على قاعدة انتخابية مهمة، يتم توجيهها حسب الظروف والسياق.

    ميلودة حازب، محمد أبو بودرار، عبد اللطيف الناصري، وأسماء أخرى فضلت المغادرة نحو أحزاب أخرى لسبب أو لآخر، فيما أحزاب أخرى عرفت مغادرة جماعية، وأخرى انشقت وأسست حزبها الجديد…

  • في هذا السياق المحلل السياسي وأستاذ القانون الدستوري عتيق السعيد أن إشكالية الترحال السياسي من الإشكالات المعقدة والمتشعبة التي تتقاطع فيها أسباب سياسية متعددة الجوانب مرتبطة بفكر وسلوك الفرد داخل نسق مليء بالعديد من المتغيرات، وهي أسباب عديدة تؤثر في رسم معالم صورة واضحة عن المشهد الحزبي والسياسي، كما أن ذات الموضوع أي الترحال السياسي يصبح السمة البارزة عند اقتراب مواسم الانتخابات، لكن قبل هذا وذاك، لتفكيك هذا السلوك السياسي/الانتخابي وجب أولا تحديد مفهومه و فهم أسبابه ونتائجه.

    وتعتبر يقول السعيد إرادة عضو سواء كان ممثل عن حزب سياسي، أو على الأقل منخرط فيه إداريا ومؤسساتيا، هذا التعبير الإرادي يكون صريحا بحيث يعبر عن قرار المغادرة طوعية من حزب سياسي، إلى حزب آخر  بغض النظر عن فلسفته وبرامجه، وبالتالي يكون مجرد وبمثابة محطة جديدة حاضنة له لاسيما في عملية الاستحقاقات، لكن رغم أنه سلوك انتخابي/سياسي يجلب الكثير من النقاشات المفضية لإشكالات متعددة تضرب مسألة الولاء الإيدلوجي بعرض الحائط وكذا ما يصاحبه أحيانا من تناقضات في السلوك السياسي للفرد وقناعاته ومواقفه في الكثير من القضايا، إلا أن بعض الباحثين يعتبره آلية تساهم في تجديد الخارطة الحزبية وهي سلوك يجسد مبدئ ديمقراطية الاختيار، لكن هذا التوجه لا يستقيم و متناقض إذا ما اعتبرت هاته الممارسة السياسية تعبير عن سلوك ينم بشكل ممنهج على تغليب أهداف ومصالح شخصية على حساب المصلحة العامة بشمل خاص والفعل السياسي بشكل عام، وبالتالي السقوط في الإخلال بالمبادئ السياسية التي تدفع بعدم تجويد الأداء السياسي وأيضا ببرامج وأهداف الحزب وبضوابطه التنظيمية، مؤكدا أن دستور 2011 وضع حدا لظاهرة الترحال السیاسي، التي لطالما كانت محط انتقاد عدد من الفاعلین السیاسیین، كونھا تضرب في العمق أخلاقیات الانتخابات والعمل التشریعي، حیث نجد الفصل 61 ینص على التجرید من ضفة عضو في المجلس، كل من تخلى عن انتمائه السیاسي، الذي ترشح باسمه بالانتخابات، و بالتالي فدسترة منع الترحال ستعزز من دور المنتخبین داخل فرقھم وأحزابھم وأيضا ستعمل على تجوید العمل البرلماني.

    فالعمل البرلماني يشير المحلل السياسي عتيق السعيد يستلزم مقاربة شاملة ترمي في الأساس إلى تكریس التمثیلیة الدیمقراطیة السليمة الخالية من أساليب الترحال السياسي المستمر، والمواطن يعتبر  من الأولویات، وبالتالي العملية السياسية ككل من المفروض فيها أن تساهم في تقوية ثقته في السیاسة وفي مدى جدوى الانتخابات، بحیث أن تمثیلیته ھي التي ستحكم من خلال اختیاره الذي سیعكس مطالبه، من أجل ذلك لحت الضرورة على الإھتمام بالأداء السياسي.

    و عليه فظاهرة الترحال السياسي تشكل تناقض واضح في عملية الدمقرطة والتنمية، كما تساهم في ضعف الثقة بين المواطن والهيئات الحزبية، باعتبارها ظاهرة تدفع إلى فقدان المصداقية في البرنامج الانتخابية التي يشكل المرشحين أساسها في عملية التواصل السياسي اخدا بعين الاعتبار ان الوعود او البرنامج الإنتخابية هي بمثابة تعاقد سياسي بين المرشح و الناخب، و بالتالي الترحال يجعل دائرة الثقة بينهما تضيق و تصبح كما قلت متناقضة مع جوهر الاختيار الديمقراطي، كما أن تعدد الأحزاب السياسية لا يمكن ان يشكل مساحة للترحال المناسباتي/الانتخابي الذي لا يساعد على بناء البيت الداخلي للهيئات الحزبية و إعادة هيكلتها و تطوريها لترقى مع متطلبات المرحلة، و عليه الترحال السياسي يفقد الثقة في أهداف ومخرجات العملية الإنتخابية من جهة، و يساهم في تفاقم الأزمة الداخلية الأحزاب السياسية التي تحتاح الى نقاش ذاتي و نقد العقل السياسي من أجل جعلها مهيئة لتدبير المرحلة الإنتخابية.

     

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    جو حار نسبيا و تسجيل هبات رياح قوية نوعا ما فوق كل من الهضاب العليا الشرقية