نم مطمئنا يا سي محمد، فقد وفيت

نم مطمئنا يا سي محمد، فقد وفيت

A- A+
  • ها نحن نبدأ سنتنا هاته على إيقاع حزين، فقد فقدت الساحة الإعلامية المغربية واحدا من أهراماتها ممن أسدوا خدمات جليلة للصحافة الوطنية، هو الصحفي محمد الأشهب، الذي وافته المنية، الأحد الماضي داخل إحدى مصحات العاصمة، عن عمر ناهز 72 عاما. انتصر محمد الأشهب للكلمة وكان صاحب قلم جميل وتكوين رفيع، وضع كل مواهبه في خدمة قضايا وطنه، برغم وجوده إلى جانب صناع القرار طيلة عقود، لم يفقد محمد الأشهب نضارة كتاباته وقوة تدخلاته في اللقاءات الحوارية وفي البرامج التلفزيونية الوطنية والدولية التي كانت تستضيفه كمحلل سياسي، كان يبحث عن المعلومة من مصدرها، لكنه لم يحِدْ عن حب مهنته بعشق صوفي.

    يُعتبر الراحل من قُدماء الصحافيين المغاربة الذين قدموا خدمات جليلة للصحافة الوطنية، وأعطوها إشعاعا عربيا ودوليا يتجاوز المجال الوطني، عمل محمد الأشهب لصالح العديد من المُؤسسات الإعلامية العالمية، من«MBC» و«LBC» إلى إذاعة «RFI» الفرنسية، بالإضافة إلى هيئة الإذاعة البريطانية BBC وصوت أمريكا.. وأينما حل وارتحل كان المغرب يسكنه بقوة، ويطلب في جل الفنادق التي يلجها أن تعزف أغنية «صوت الحسن ينادي بلسانك يا صحرا» التي ربط معها علاقة حميمية.
    كما عمل أيضاً، مُراسلاً لدى صحف دولية عدة، مثل «الحياة اللندنية» و«المستقبل»، ناهيك عن مجموعة من المؤسسات الصحفية العريقة، كـ«العلم» و«الميثاق الوطني»، التي تولى رئاسة تحريرها، ثم جريدة «رسالة الأمة» التي كان مديراً لها.. من نواحي فاس جاء إلى قلب العاصمة الرباط، عاشقا للأدب ومولعا بالصحافة، احتضنته جريدة «العلم» التي شكلت مدرسة عتيدة لكبار الصحافيين في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، والتفت صناع القرار لقوة قلمه وذكائه، فقربه إدريس البصري وبعدها مستشار الراحل الحسن الثاني أحمد رضى اكديرة، وهناك سيتعرف على نادية برادلي التي سينشئ صحبتها «المنبر الليبرالي» في بداية التسعينيات، تجربة جاءت في سياق التمهيد للتوافق بين الكتلة الديمقراطية والقصر في إطار المصالحة الوطنية التاريخية.

  • كان الراحل الأشهب مُحللاً سياسياً، ومُتخصصاً في العلاقات المغربية الجزائرية وفي قضية الصحراء بالذات التي خبر دهاليزها وأسرارها، حيث أصدر عام 1981 كتاباً بعنوان «المغرب – الجزائر والاستفتاء».. لقد وضع معرفته وقلمه في خدمة القضايا الحيوية لوطنه وما بدّل ولا خان، حتى مع تنحية إدريس البصري، و ظل مدافعا لأكثر من 50 سنة عن المغرب، تعاون مع جريدة «النهار المغربية» ثم «المساء» فـ«الأخبار المغربية» بركن ثابت، وعرف باسم مستعار من خلال البورتريهات الجميلة التي كان يدبجها بقلمه.. ذلك أن محمد الأشهب هو أحد رواد جنس البورتريه بالمغرب بلا منازع.

    أينما كان صوت الوطن ينادي كان يلبي النداء، كان يمكن أن تختلف معه في كل شيء، في أدق التفاصيل وأكبر القضايا، ويقبل ويناقش بأريحية، لكن شيئان كان من المستحيل ألا يبدي غضبه في اختلاف محاوريه معه وهما: الصحراء المغربية والملكية في المغرب.. لقد عاهد ووفى على جعل الصحافة في خدمة قضايا المغرب والمغاربة، وأحيانا كثيرا كان ممثلو البوليساريو يعتذرون عن الحضور إلى بلاطو الجزيرة أو أي قناة عربية حين يعرفون أن محاورهم هو محمد الأشهب، الذي بعد أن تغيرت الأحوال ورحل إدريس البصري، اعتقدوا أن نجم الأشهب قد خبا ومات، لكن من لديه قلم من حجم الأشهب وقلب يتسع للوطن من حجم قلب الراحل، لا يموت، وللرد على هؤلاء كان دوما يطلب حتى في آخر الليل أغنية « وامحمد كالوا مات أوليدي»، ورغم رحيله عنا اليوم فإنه سيظل يسكننا بقوة.. وداعا زميلنا الكبير وستظل راسخا في أذهان الأجيال اللاحقة في مهنة المتاعب.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي