الصحراء ليست عقارا للمقايضة وفلسطين على ”الراس والعين”..

الصحراء ليست عقارا للمقايضة وفلسطين على ”الراس والعين”..

A- A+
  • من لم ير في الإقرار الأمريكي بسيادة المغرب على مجموع ترابه الوطني، غير مقايضة أرض بقضية فلسطين، فعليه أن يعيد قراءة الدرس الأول في العلوم السياسية، أما التاريخ فيحتاج إلى نباهة أكبر، إن الأمر يتعلق بتبخيس قرار جريء غير مسبوق في تاريخ الولايات الأمريكية، ويؤسس لأبعاد جديدة في ملف قضية الصحراء المغربية التي كانت دوما مثل حجرة في الحذاء المغربي، كنا كمغاربة مستعدين لتوقيف كل مصالحنا الحيوية من أجل قضية الوحدة الترابية، وكنا نتعرض للابتزاز والمساومة والمقايضة على ترابنا الوطني.. المسألة ليست هي مدى استعداد المغاربة للدفاع عن الصحراء بأرواحهم، فلا يمكن أن نزايد على بعضنا في حب البلاد، ذلك مشترك وطني يجمعنا كمغاربة، لكن ماذا لو ربحنا صحراءنا وبالطرق الدبلوماسية الذكية؟ أليس هذا عين العقل في السياسة دون تكلفة حرب، ودون إهدار أرواح المغاربة؟ أليس هذا هو جوهر الذكاء السياسي في إدارة القضية؟.
    الصحراء ليست سجلا تجاريا قابلا للتفويت، وفلسطين ليست عقارا للاتجار، إن تحرر المغرب اليوم من خلال هذه الدفعة القوية التي أعطت معنى أكبر لعبارة المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها، سيجعله أكثر قوة لخدمة القضية الفلسطينية التي لم يتخل عنها المغاربة يوما، ملكا وشعبا، فلا يصح إلا الصحيح.. الحسن الثاني لم يفتح مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط إلا بعد المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي أوصلت إلى اتفاقية أوسلو عام 1993، خَلفُه نفسُه هو من سيُغلقه وهو بالقاهرة عام 2002 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية واستمرار سياسة التوسع والاستيطان للدولة العبرية، ومحمد السادس الذي أقدم على خطوة جلب مكسب كبير للقضية الوطنية وأعلن عودة العلاقات المغربية الإسرائيلية، هو نفسه الذي اتصل برئيس السلطة الفلسطينية ليؤكد له، أن مسألة الصحراء تتعلق بقضية تحرير للتراب الوطني، وأنه لن يتخل عن القضية الفلسطينية، هو نفسه الذي رفض استقبال أي مسؤول إسرائيلي بمن فيهم شيمون بيريز، بل لم يسمح حتى بمرور الطائرة التي تقلّ نتنياهو من فوق الأجواء المغربية بسبب التعنت الإسرائيلي يومها وعدم احترام روح اتفاق السلام الموقع عليه في أوسلو..
    يجب ألا يزايد أحد على المغاربة قمة وقاعدة، لأنهم قدموا لها الشيء الكثير عبر التفاوض والضغط وعبر وساطتهم في اللحظات الحرجة دون منّ، لأن لهم أخلاق الأخوة، رغم أن معظم القياديين الفلسطينيين كانوا يسيرون ضد المصالح الحيوية للشعب المغربي خاصة في قضية الصحراء المغربية.. المغرب دولة لها أخلاق السادة، وملوكها بحكم النخوة القومية، كانوا دوما يهبُّون لنجدة العروبة والدفاع عن دار الإسلام من يعقوب المنصور الموحدي حتى محمد السادس، بل إن أرض المغرب تعرضت للاستعمار بحكم هبَّة المولى عبد الرحمان لمساعدة الإخوة في الجزائر الذين استنجدوا به ضد فرنسا..
    إن القمة العربية بفاس والرباط أو غيرها هي التي أقرت أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني وهي التي حمت القضية الفلسطينية من كثير من الخيانات التي كانت تتم تحت الطاولة بين من كان يدعي الاصطفاف في محور دول الصمود، أما المغرب ففي لحظة الحرب ضد إسرائيل بقرار عربي كان موجودا في الصفوف الأمامية، وفي لحظات السلم كان يبحث عن مخرج مشرف في ظل اختلال موازين القوى من خلال سلام الشجعان، ماذا قدمت الجزائر للفلسطينيين غير الشعارات ونداءات المقاطعة ولغة السب والشتم مقارنة مع ما أتى به المغرب للفلسطينيين من مكاسب، ومن دعم مادي مباشر، ولا زال هناك مكتب لدعم القدس يتبرع به المغاربة لصالح فلسطين؟ ألم يكن الفلسطينيون أولى بـ 100 مليار دولار التي قدمتها الجزائر لجبهة بوليساريو وذهبت هباء منثورا فقط نكاية في المغرب، ألم يكن عسكر الجزائر يعي أن الفرقة العربية هي سبب كل المصائب، وأن شَغل المغرب بقضية استرجاع وحدته الترابية وتفتيت خريطته هو أحد أسباب الضعف العربي الذي دفع الفلسطينيين للدخول في مفاوضات دوما من موقع ضعيف تختل فيه الموازين لصالح إسرائيل.. المغرب منسجم مع قناعاته وله تاريخ عريض يشهد بأن دبلوماسيته الوطنية ومواقفه القومية، ليستا متضادتين بل يصبان في نهر واحد هو : الأخوة، المصلحة، الثبات على المواقف، أخلاق الوسطية والاعتدال والبحث عن السلام… إنه المغرب، بلد التحديات والشموخ والكرامة والأصالة والنخوة المغربية بامتياز..

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي