الإفلاس الأخلاقي لفرنسا

الإفلاس الأخلاقي لفرنسا

A- A+
  • لا حديث في وسائل الإعلام الدولية سوى عن الأزمة التي تعبُر فرنسا اليوم بسبب عناد الرئيس إيمانويل ماكرون في تمرير قانون التقاعد الذي تصدى له المجتمع الفرنسي بكل قواه الحية، وخوف الدول الأوربية من عودة ذكرى ماي 1968 إلى الأذهان، بانتقال عدوى الاحتجاجات إلى باقي بقاع القارة العجوز..
    المشكل ليس في الاحتجاجات الاجتماعية التي هي سمة عصر متحول، ولا في قرار الدولة الفرنسية في محاولة تمرير قانون الرفع من سن التقاعد، ذاك جزء من حيوية مجتمع ومن صعوبات تدبير الشأن العام وإكراهاته في كل بلاد الدنيا، لكن الملفت للانتباه هو شكل مواجهة ماكرون وسلطته للمطالب الرافضة لقراره، فقد نددت الكثير من المنظمات الحقوقية ذات المصداقية بالاستعمال المفرط للقوة ضد المتظاهرين، حيث نقلت وكالات الأنباء وقنوات التلفزيون مقاطع مصورة لشكل القمع الزائد لقوات الأمن بكل أصنافها للمتظاهرين في الشوارع الفرنسية بمختلف المدن، لا يتعلق الأمر بالاكتفاء بحفظ النظام العام وحماية الممتلكات وحرية التظاهر كما حرية العمل، بل بعملية إفراط في استعمال القوة يروم اجتثاث حركات الاحتجاج، وبنوع من السادية في بلد شكل مهد الحريات والحقوق الإنسانية إبان الثورة الفرنسية، في بلد الحرية والعدالة والإخاء التي يبدو أن ماكرون وزمرته المتشددة في قصر فرساي تسعى إلى إقبار كل القيم النبيلة التي قدمتها البشرية وفي مقدمتها الشعب الفرنسي ويريد التمتع بها اليوم.
    العناد لا يبني دولة، صمُّ الآذان عن مطالب الشعب الفرنسي الرافض للقرارات الحكومية الفرنسية لن يخلد لا اسم ماكرون ولا وزراء حكومة تبدو خارج السياق، ولا يهمها إلا استعراض القوة في الداخل اتجاه المتظاهرين العزل، وتبديد ما تبقى من رأسمال رمزي لفرنسا في باقي دول المعمور إما بمحاولة فرض أبوة استعمارية على غيرها من الدول التي لم تعد بحاجة إلى دروس الماما فرنسا وأبنائها الطامحين إلى الحرية والعدالة والكرامة، يرون كيف تواجه الحكومة الفرنسية مواطنيها باستعمال القوة المفرطة وبالكثير من البطش الذي نددت به جل المنظمات الحقوقية والعديد من البرلمانيين الأحرار حقا.. لم يعد لفرنسا ماكرون ما تقدمه من دروس لغيرها بعدما شاهد العالم كيف يؤدي عناد رئيس جمهورية وحكومته إلى خنق المجتمع الفرنسي والإساءة إلى وضع فرنسا مهد الحريات وقيم العدالة والحقوق كما هي متعارف عليها اليوم في الصكوك الدولية.
    أشفق كثيرا على بعض أتباع فرنسا لدينا، من الذين لم تستنهض هممهم ولا غيرتهم الحقوقية شكل مواجهة السلطات الفرنسية لاحتجاجات المجتمع الرافضة لرفع سن التقاعد، ولا الاجتثاث القمعي للمتظاهرين العزل في مظاهرات سلمية، كيف لم تصدر عنهم ولا نأمَة ولا أسف ولا احتجاج على السلطات الفرنسية وهم الذين يرأف حالهم لطير “عوا” إذا ما التف حوله سلك كهربائي لدينا؟ أين غابت شهامتهم الحقوقية؟ كيف لاذوا بالصمت وخرست أفواههم، رغم أنهم يتفرجون يوميا على عشرات الفيديوهات التي يتم تداولها عالميا حول شكل مواجهات السلطات العمومية للمتظاهرين الفرنسيين، أين هي الحقوق الكونية المتعارف عليها دوليا، أم أن قلبهم مع علي وسيفهم مع معاوية؟
    هذا وحده يبرز أن منافحتهم عن حقوق الإنسان هي فقط وسيلة لكسب العيش من الخارج خاصة من راعيتهم الماما فرنسا وأجهزتها التي تخرق اليوم بشكل بدائي أسمى حق دستوري للفرنسيين في التظاهر السلمي والمدني ضد هضم حقوقهم، لقد سقطت كل أوراق التوت عن عوراتهم ولن يغنيهم بعد اليوم تكسبهم الحقوقي بعد أن ابتلعوا ألسنتهم عن أكبر خرق لحقوق الإنسان في فرنسا الماكرونية.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    التأمين الإجباري: الحكومة تصادق على إيجاد حل للغير القادرين على تحمل الاشتراك