برحيل صاحب “الحقيقة الضائعة”.. الصحافة تفقد أحد أعمدتها

برحيل صاحب “الحقيقة الضائعة”.. الصحافة تفقد أحد أعمدتها

A- A+
  • رحل عنا قيدوم الصحافة الفقيد مصطفى العلوي مدير «الأسبوع الصحفي»، ونشعر بمرارة الفقد لوزن الرجل الذي كان من العيار الثقيل في الصحافة الوطنية، وظلت «الحقيقة الضائعة» عموده الأسبوعي يجذب القراء إليه من كافة الأعمار والمستويات، قراء عاديون فاعلون سياسيون، نخب مثقفة وصحافيون، بأسلوبه العميق وذاكرته الزاخرة بالوقائع والأحداث الثقيلة التي عاشها صحافي عايش ثلاثة ملوك، وتقلب في قلب الصحافة الخاصة والمستقلة منذ زمن بعيد ودفع تكلفة انخراطه في حب مهنة الصحافة من حريته ومن راحته، وظل مكتب الجريدة بالرباط المجاور لـ«ماكدونالدز» ولمقر شركة «لارام» سابقا وجهة للمظلومين من بطش السلطة أو تجبر الشخصيات النافذة، كانت جرائده بمثابة ديوان للمظالم، تنشر تظلم المواطنين البسطاء على اختلافهم وتوصل رسائل السياسيين بدربة ومهنية..

    اختط مصطفى العلوي رحمه الله لنفسه أسلوبا في الكتابة الصحافية ميزه عن غيره، وانخرط باكرا في التأليف في مختلف المواضيع التي عايشها من المحاكمات الشهيرة بفرنسا في ملف اختطاف الشهيد المهدي بن بركة، حتى كتابه عن انقلاب الصخيرات ومذكراته في درب الصحافة المعنون بـ«صحافي وثلاثة ملوك».. سافرت إلى جانب الفقيد في مناسبات عديدة داخل وخارج المغرب، وجمعتني به ندوات وعروض في مدن عديدة، تقاسمنا في رحلات خارج المغرب على نفس الطائرة وفي ذات الفندق ذكريات عديدة، كنت في كل مرة أكتشف جوانب كبيرة من نبل الراحل وعمقه الذي جعله هرما لوحده في تاريخ الصحافة الوطنية.. خاصة الصحافة المستقلة في زمن كانت فيه السيادة المطلقة للصحافة الحزبية وكل خارج عنها هو عميل وبوليسي…

  • أحس بطعم الفقد كثيرا، لأن مصطفى العلوي كان بالنسبة لي منارة كبرى مضيئة في الأمواج المتلاطمة لبحر الصحافة، تعلمت منه الصبر على المحن، التريث والشك الموضوعي في الوقائع والتوثيق قبل التحقق من صدق المعلومات الوافدة عنها من مختلف المصادر، والاستعانة بالماضي لفهم الحاضر.. كان رحمة الله عليه بحدسه وخبرته، من الأوائل الذين آمنوا بمشروع «شوف تيفي» حين كانت مجرد رضيع صغير، وشهادته في حق هذه القناة التي تحولت اليوم إلى نموذج ناجح ورائد في الصحافة الإلكترونية، تشعر هذا العبد الضعيف بالاعتزاز والسمو، لقد كان لي أحد أكبر المشجعين على اقتحام المغامرة التي تحولت اليوم إلى نموذج يسعى العديد لتقليده والسير على منواله.. وأصبح فتحا في الصحافة الإلكترونية بالمغرب والعالم العربي..

    لم يكن المرحوم مصطفى العلوي مجرد صحافي عابر في مشهد الصحافة الوطنية، إنه من طينة نادرة لأهرامات مثل: محمد باهي، عبد الجبار السحيمي، قاسم الزهيري، عبد الله الستوكي والراحلين العربي المساري وعبد الكبير العلوي الإسماعيلي وغيرهم… الذين تركوا بصماتهم في المشهد الصحافي.

    من جريدة «المشاهد» إلى «الأسبوع الصحافي»، عبَر مصطفى العلوي الكثير من التجارب وعايش وقائع كثيرة من مغرب ما بعد الاستقلال، وعاصر ثلاثة ملوك لكل واحد منهم أسلوبه في الحكم، وكانت جرائده من أكثر الجرائد مبيعا، وحقيقته الضائعة تبرز أن الفقيد كان قارئا نهما للكتب، وعلى دراية وفهم عميقين للتاريخ المغربي، الذي يعيدنا إلى أمهات مصادره في كل عدد، في ربط عجيب بين الماضي والحاضر.. مع حضور مبهر للذاكرة التي لم يمسها أبدا سيف النسيان..

    رحم الله الفقيد وأتمنى من كل قلبي الخالص أن تسعى الوزارة الوصية على قطاع التواصل والاتصال إلى النهوض بالمشروع الكبير الذي كان يعده الراحل مصطفى العلوي رفقة إعلامي متميز قبل سنتين على إصدار مجموعة من كتب الجيب، لمقالاته المنشورة في الحقيقة الضائعة، لحفظ الذاكرة الصحافية الوطنية وكنوع من الوفاء لرمز كبير في الصحافة المغربية..

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي